< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النسخ

     ما يهم الاصوليين: هل يبقى الجواز بالمعنى الأعم أو الاخص أو الاستحباب بعد النسخ؟

     استعراض أقوال العلماء القدماء بحسب صاحب المعالم (ره).

     الدليل اللفظي لمن قال بالبقاء وجوابه.

     الاحتجاج بالاصل العملي لمن قال بالبقاء.

يقول في الكفاية: فصل: إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ والمنسوخ على بقاء الجواز بالمعنى الأعم ولا بالمعنى الأخص، كما لا دلالة لها على ثبوت غيره من الاحكام. [1]

نعلم ان الجواز في الاصطلاح على قسمين: الجواز بالمعنى الاعم والجواز بالمعنى الاخص. اما الجواز بالمعنى الاخص فهو احد الاحكام الخمسة: الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والاباحة [2] . واما الجواز بالمعنى الاعم فهو الجامع المشترك، الكلي بين الوجوب والاستحباب والاباحة والكراهة، ولذلك كان الجواز بالمعنى الاعم كلي منتزع من هذه الاربعة وإلا لا يوجد حكم خاص يقابل الاحكام الخمسة الأخرى اسمه جواز بالمعنى الاعم، هذه النقطة ستنفعنا وهي هل يوجد حكم اسمه " جواز بالمعنى الأعم " حتى نستصحبه.

النسخ لغة يعني الازالة ففي قطر الندى يقول: "نسخت الشمس الظل إذا ازالته " وفي القرآن الكريم ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [3] والنسخ تارة يكون للتلاوة وتارة يكون في الأحكام.

أما نسخ التلاوة فلا نقول به أبدا. وأما نسخ الاحكام فقد وقع فيه الكلام.

وما يهمنا كأصوليون أنه لو تمّ نسخ حكم كالوجوب، فهل يبقى الجواز بالمعنى الأعم أو بالمعنى الأخص؟

وهذه مسألة بحثها العامة والخاصة، وهي مسألة قديمة.

 

يقول صاحب المعالم في المعالم [4] ص71: أصل: الاقرب عندي أن نسخ مدلول الامر - وهو الوجوب – لا يبقى معه الدلالة على الجواز، بل يرجع إلى الحكم الذي كان قبل الامر. وبه قال العلامة في النهاية، وبعض المحققين من العامة، وقال أكثرهم بالبقاء، وهو مختاره في التهذيب. [5] انتهى.

ومثال النسخ " المتعة " [6] حيث كانت لكل مطلقة، يقول تعالى: ﴿ لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ [7] ثم قيل بانها نسخت بآية المهور، ولذا حكم الفقهاء في المطلقة والمتوفى عنها زوجها التي سمي مهرها بأن لها المهر كاملا مع الدخول، ونصفه مع عدمه. أما إذا لم يسمّ لها مهر فلها المتعة في الطلاق والوفاة دون المهر.

وملخص أدلة من قال ببقاء الجواز بالمعنى الأعم، أو الجواز بالمعنى الأخص أو الاستحباب دليلان: دليل لفظي والاصل العملي.

أما الدليل اللفظي فهو أن الوجوب عبارة عن الجواز بالمعنى الاعم مع المنع من الترك، أي أنه مركب من جنس وفصل. الجنس هو الجواز والفصل هو المنع من الترك، ومع ارتفاع الفصل يبقى الجنس. [8]

والجواب: أن الوجوب أمر بسيط – اعتبار محض - والمنع من الترك لازم له غير مفارق، فإذا ارتفع الوجوب ارتفع من رأس، ولا يبقى شيء في ذمة المكلف، وثبوت شيء في ذمته يحتاج إلى دليل ولا يدل على ذلك لا دليل النسخ ولا المنسوخ.

وأما الاصل فقد قيل بالاستصحاب، أي بجريان استصحاب الجواز بالمعنى الاعم لانه كان ثابتا يقينا قبل النسخ، ونشك ببقائه بعده.

والجواب غدا ان شاء الله.

 


[2] ونحن قلنا ان الاحكام خمسة وان كانت من الضرورات عند بعض الاصوليون، حيث قلنا انها ليست خمسة بل يمكن جعلها ستة او ثلاثة. والحكم السادس هو السنّة التي لا يجوز تركها مثل صلاة الجماعة وصلاة جار المسجد وكلاهما مستحب إجماعا.
[4] الذي لم يدرس المعالم فليقرأها، المعالم كتاب لم يعد يدرس في الحوزات العلمية، لكن الانصاف ان يدرس فهو البرزخ بين القديم والحديث، يجمع كل القديم وهذه هي اهمية المعالم، والمهم جدا ان نعرف رأي القديم.
[6] استطراد: قلنا ان الحقوق المالية للمرأة اربعة امور وهذا ما يختلف به عقد النكاح عن غيره من العقود. النكاح هو العقد الوحيد على اربعة: اولا في كل العقود الطرف الثاني واحد أو أكثر من دون حدّ، اما في عقد النكاح فالزوجات اربعة، والمهور اربعة، والخيارات اربعة: خيار الشرط وخيار الاشتراط وخيار العيب وخيار التدليس. الحقوق المالية اربعة: النفقات، الارث، المهر، والمتعة. والمتعة هي عند الطلاق او الموت في العقد الذي لم يسمي مهرا وعدم الدخول. فمع عدم التسمية وماتت او طلقها لها مهر امثالها، فلها المتعة حق مالي. انظر كتاب وسيلة المتفقهين للسيد الاستاذ ج2 كتاب النكاح.
[8] وهذا اخطر ما نجده عند البحث في مباحث الالفاظ وهو ان نجعل معنى عبارة ما يساوي او يساوق معنى عبارة أخرى، ثم يبدا بمحاكمة هذه العبارة المساوقة او المساوية ويثبت الاحكام على العبارة الاولى، هذه العملية ليست صحيحة، اللفظ له مداليل، ويوجد فحوى الخطاب، وان ما يسمى بالترجمة " وبعبارة اخرى" هذا ليس صحيحا دائما لان العبارة الاخرى تفقد بعض اللوازم وتفقد فحوى الخطاب وبعض الاشارات والايحاءات الموجودة واللازمة من العبارة الاولى، وهذا ما سنجده ونستفيد منه في مسألة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، مثلا: "أكرم العلماء إلا الفساق" قالوا هذا يساوق: " اكرم العالم العادل ولا تكرم العالم الفاسق " هذه الترجمة غير صحيحة، للتخصيص معنى مختلف، عندما ترجمت هذه الترجمة اختزلت المعاني الخاصة بالتخصيص، فاكون قد الغيت بعض اللوازم. وهنا نفس الشيء الوجوب معناه الجواز مع المنع من الترك، فمعه يتغير الاستنباط.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo