< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/02/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه؟

-المختار في مسألة: هل يجوز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه؟

-في المسألة الاصولية: العنوان الذي يمكن الاكلام فيه هو: هل يمكن انشاء حكم نعلم بعدم وصوله مرحلة الفعلية؟

-فقدان شرط الوجوب يكشف عن عدم الحكم من الاساس وليس انقلابا للحكم كما عليه الكثيرون.

المختار:

قبل بيانه لا بد من مقدمات:

-الكلام تارة في المسألة الاصولية، وأخرى في المسألة الفقهية.

أما في المسألة الاصولية:

اولا: عن المسألة التي يمكن فيها النزاع هي التالية: هل يمكن إنشاء حكم نعلم بعدم وصوله إلى مرحلة الفعلية؟ [1]

وهذا معنى ممكن الكلام فيه، وذلك لأن الانشاء بمعنى جعل الحكم وهو يتحقق بوجود ملاكه أي المصلحة والاقتضاء، ثم إن الداعي إليه لا يتوقف دائما على وصوله عالم الفعلية، بل يمكن أن يكون لأجل نفي شرطه من الخارج ككل الاحكام الجزائية والعقابية والتهديدية وغير ذلك، الجزائيات انما تنشأ لنفي موضوعها في الخارج مثلا: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾ [2] الشارع لا يريد تحقق الزنى في الخارج، بل إنما يهدد حتى ينفي الزنى، هو يريد نفي شرط الفعلية الذي منه وجود الموضوع في الخارج وهو الزاني، عندما يحكم بوجوب جلد الزاني ويجعل موضوع الحكم هو الزاني يريد ان ينفي الزنا. النتيجة نتصور انشاءً من دون الوصول إلى مرحلة الفعلية. ويمكن أن يكون الداعي لبيان حسنه، ويمكن أن يكون الأمر امتحانيا أو تقية أو غير ذلك مما يمكن تصوره. والمرادات هي دواع لانشاء صيغة الامر وليست من الموضوع له ولا من المستعمل فيه. [3]

ثانيا: إن هذه المسألة لها ثمار عملية وليست مسألة نظرية فان انتفاء الحكم يؤدي إلى انتفاء جميع آثاره.

ثالثا: إن الثمرة التي ذكروها وهي انتفاء الكفارة لمن تناول مفطرا قبل سفره ثم بدا له أن يسافر يمكن أن تكون ثمرة لهذه المسألة الاصولية، فإن من منشأ الكفارة هو مخالفة الحكم الشرعي وهو حكم خاص وليس نفس حكم عدم جواز الافطار في شهر رمضان، والدليل على ذلك انه لا يجوز لك ان تفطر قبل حد الترخص، وما علاقة حد الترخص بالسفر والحضر؟! المسألة اعتبارية محضة، وهي حكم خاص وجعل خاص. فإذا تبيّن أن الحكم الشرعي غير موجود أصلا – بناء على اختيار الارتباط بين زمان الصوم والافطار: ان الزمان جزء من موضوع الصوم وليس مجرد لا بديّة عقلية تدخل بها الشارع - فتسقط الاحكام ومنها الكفارة هنا.

أما في المسألة الفقهية: فإن الكفارة حكم شرعي موضوعه الافطار العمدي للحاضر قبل الزوال، وهذا لم يتحقق هنا فإن المتحقق هو حكم ظاهري بالصوم، متوقف ثبوته على شرط متأخر وهو بقاء المكلف في الحضر، بعبارة اخرى: عندما اسافر لا ينقلب الحكم من وجوب الصوم إلى عدم وجوبه، بل ينكشف عدم وجوب الصوم من الفجر، كل ما في الامر يوجد حكم وجعل آخر وهو وجوب الامساك عن المفطرات طالما أنت في الوطن، وثبوت الكفارة لو اقترفت ذلك، ذلك أن وجوب الصوم موضوعه مرتبط بالزمان بحيث إن سقوط آن ما يسقط امتثال النهار كله كما سنبيّن ذلك لاحقا.

ولذا فلا معنى لما ذكره السيد الخوئي (ره) حيث قال إنه أفطر عامدا عالما، - بناء على هذا الراي أي الانكشاف - إذ أن المكلف لم يفطر ولم يعص الله أصلا بناء على احد الرأيين، فانه عندما سافر هل يكشف سفره عن عدم وجوب الصوم من اساسه؟- وهو المختار - أو ان سفره انقلب معه الحكم من وجوب الامساك إلى عدمه. ونحن قلنا انه انكشف عن ان الصوم من اساسه غير مطلوب اما الامساك فانه جعل خاص، فلولا الروايات لقلنا بجواز الافطار له.

نعم عدم جواز الافطار حكم خاص وجعل خاص، فهو بمعنى عدم تناول أو فعل ما ذكر مما هو من المفطرات لو كان الصوم واجبا من الاصل. بعبارة اخرى: ميّزوا بين الجعل الخاص لعدم تناول المفطرات لمن اراد السفر وبين وجوب شهر رمضان.

تبقى هنا مسألتان:

الاولى: إن وجوب الصوم لا ينحل إلى آنات متعددة، فهو ليس على نحو العموم الاستغراقي كي يكون له أفراد، بل هو ارتباطي من الفجر إلى الليل وان خالف فيه كثيرون.

الثانية: إن وجوب الكفارة ناشئ عن الوجوب الواقعي لا عن هذا الوجوب الظاهري – الذي هو جعل عدم جواز تناول المفطرات -، وهو جعل خاص لا علاقة له بجواز الافطار وعدمه او التقصير وعدمه، نعم موضوع وجوب الكفارة هذا الوجوب الظاهري. وبعبارة أخرى: وجوب صيام شهر رمضان منشأ للحكم بوجوب الكفارة لا موضوع لها. هذا هو ظاهر الادلة، ويشير إليه تقييد جواز الافطار ببلوغ حد الترخص إذ ما علاقة حدّ الترخص بالسفر وعدمه، نعم وردت احكامه، وهذا يعني انه مسألة اعتبارية وهذا يعني انه جعل جديد منشأه وجوب الصوم.

وتبقى مسألة وهي: هل يمكن لمن وجبت عليه الكفارة أن يسقطها بالسفر قبل الزوال؟

قد يقال بكون هذه المسألة من ثمار تلك المسألة الاصولية – أي صحة أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه، وتكون من ثمار مسألة: هل فقدان شرط الفعلية كالطهارة للحائض والحضر قبل الزال يدل على انقلاب لحكم الصوم من الوجوب إلى عدمه أم كاشف عن عدمه من الفجر؟ - أي " صحة أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه ".


[1] قلنا ان هناك مرحلة الانشاء ومرحلة الفعلية. مرحلة الانشاء هي الجعل ثم بعد الانشاء يأتي الامر بالتحرك هذه هي مرحلة الفعلية، وانت كعاقل تستطيع ان تعرف شروط الانشاء وشروط الفعلية، المسألة عقلائية وليست عن طريقة غيبية لا نعلمه الله عز وجل لا يكلفنا بغير ذلك.
[3] خلط بعضهم بين الموضوع له والمستعمل فيه والمراد، فجعل لصيغة الامر خمسة عشر معنى، هذه دواعي وليست معاني، ليست موضوع له ولا مستعمل فيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo