< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : هل يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه؟

-كلام النائيني (ره) في المسألة.

- النائين: المسألة غير معقولة.

- ما ذكروه من الثمرة ليس ثمرة لها، بل هي مسألة فقهية لا علاقة لها بهذه المسألة.

- ما ذكروه من الثمرة هو ثمرة لمسألة فقهية هي: هل ينحل وجوب الصوم إلى وجوبات متعددة الآنات، أم هو على نحو الشرط المتأخر.

تلخيص ما مرّ: هل يصح أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه؟ قلنا ان المعتزلة والاشاعرة جعلوا المسألة كلامية مبتنية على قبح تكليف العاجز وعدم تكليفه. اما صاحب الكفاية (ره) فقد جمع بين الاشاعرة والمعتزلة وفرق بين مرحلة الانشاء ومرحلة الفعلية، فإذا فككنا بينهم نقول: يجوز امر الآمر انشاءا مع العلم بعدم تحقق الموضوع أو الشرط. وقال بتحقق الحكم انشاءا لا فعلية. أي هذا الانشاء قد لا يصل إلى مرحلة الفعلية بل قد يعلم بانه لا يراد منه الوصول إلى مرحلة الفعلية كالأوامر الإمتحانية، والتقيّة، بل اكثر من هذا، احيانا يقصد الشارع أن لا يصل إلى مرحلة الفعلية كما إذا كان يهدد مثلا: " اقتلوا القاتل " يعني انه يريد من الناس أن لا تقتل، التهديد لنفي الموضوع بان لا يكون هناك قاتل في المجتمع، فكأنما يأمر ويقصد حتى لا يصل إلى مرحلة الفعلية، فكل احكام القصاص غايتها ذلك، فالقصاص هو ردع الناس " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [1] فلذلك الاحكام الجنائية المراد منها شرعا وعرفا نفي الموضوع، يتقصد المولى أن لا يصل الحكم الانشائي إلى مرحلة الفعلية ويرغب ان لا يكون هناك قتل بين الناس.

اما كلام النائيني (ره): ملخصه: أنه لا معنى لهذه المسألة أصلا لعدم إمكان تعقلها، فإن الاحكام الشرعية على قسمين: إما على نحو القضية الحقيقية، وإما على نحو القضية الخارجية. [2]

أما في القضية الحقيقية، فلا علاقة لعلم الآمر بتحقق الموضوع وعدمه، إذ أن القضية الحقيقة هي ثبوت الحكم عند تحقق موضوعه خارجا، أي أن الموضوع مأخوذ على نحو لو فرض حصوله، أي أن الحكم منصب على الحقيقة بما هي موجودة في الواقع لا بما هي هي. ومن الواضح أن العلاقة بين الحكم وموضوعه لا علاقة لها بعلم الآمر ولا معلم غيره.

علم الآمر يتحقق بوجود المصلحة فيأمر على طبقها، وهذا من شرائط الجعل. وتوضيح الفكرة في مثال: أكرم العالم، لما كانت هناك مصلحة من اكرام العلماء فأمر الآمر على طبقها وقال: " اكرم العلماء " يكون قد تم الانشاء، ثم تأتي مرحلة وجود العالم. وهذا الوجود للموضوع وعدم وجوده لا علاقة لها بالامر ولا بعلم الآمر، فبمجرد وجود الموضوع انطبق الكلي ووجدت الحقيقة فيجب عليك ان تنطلق للعمل، ولذلك قالوا ان العلاقة بين الموضوع والحكم كالعلاقة بين العلّة والمعلول لكن اعتبارا لا حقيقة. مثلا: عندما نقول: " النار محرقة " الاحراق بلحاظ وجود النار الخارجي لا بلحاظ وجود النار الذهني، لو كان المراد من " النار محرقة " الوجود الذهني فبمجرد تصور النار يحترق الدماغ. لكن " النار محرقة " على فرض وجود النار خارجا.

وأما القضايا الخارجية فلان نفس جعل الحكم لا يتم إلا مع علم الحاكم بتحقق جميع الشرائط خارجا، أي أن علم الحاكم دخيل في الجعل والانشاء، فلا يتحقق الجعل بدون علم الحاكم بتحقق جميع الشرائط خارجا.

ومن هنا قال: إن ما ذكروه من الثمرة لتلك المسألة وهي وجوب الكفارة على من أفطر في نهار شهر رمضان مع عدم تمامية شرائط الوجوب له إلى الليل ليست ثمرة لها، بل هي ثمرة مترتبة على مسألة فقهية أخرى وهي أن التكليف بالصوم هل ينحل إلى تكاليف متعددة بتعدد آنات اليوم [3] ، كالعموم الأزماني، أو هو تكليف واحد مشروط بشرط متأخر وهو بقاؤه على شرائط الوجوب إلى الليل؟ على نحو الشرط المتأخر.

غدا ان شاء الله نكمل المسألة الفقهية بان الصوم شيء والصلاة شيء آخر، فوجوب الصوم لا ينحل إلى وجوبات متعددة وليس له افراد بل هو فرد واحد، فإذا تزعزعت النية في لحظة واحدة يسقط صوم النهار كله، في الصوم الآنات مأخوذة في الموضوع بينما في الصلاة هي عبارة عن افعال والزمن لا بد منه عقلا كظرف وليس مرتبطا بالمأمور به.

 


[2] الفرق بين القضية الحقيقية والقضية الخارجية: القضية الحقيقية قضية فرضية الحكم ينصب فيها على الحقيقة في حال وجود الحقيقة خارجا. أما القضية الخارجية مسألة موجود ة في الخارج من قبيل: " قم صل " امر متحقق في الخارج.
[3] فإذا حسبنا ان وقت الصوم عشر ساعات وكل ساعة تعادل ثلاثة آلاف وستمائة ثانية فاليوم يعادل ستة وثلاثين الف ثانية، فينحل إلى ستة وثلاثين ألف حكم بتعدد الآنات، ففي كل ثانية يجب ان تكون جميع شرائط الوجوب موجودة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo