< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

المضوع: هل يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه؟

     هل يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه؟

كان الكلام في مبحث جواز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه؟

فرعوا كثمرة على هذه المسألة مسألة الكفارة، هل تثبت الكفارة مع العلم بانتفاء الشرط؟ مثاله: شخص يريد ان يسافر بعد ساعتين والله يعلم انه سيسافر بعد ساعتين، وحينئذ لا يثبت الصوم من الاساس فلا تثبت الكفارة من الاساس. لذلك بعضهم انتقل من الثمرة حتى يفسر العنوان: أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ما معنى هذا العنوان؟ هل هو في مقام الجعل أم في مقام المجعول؟ في مقام القضية الحقيقية ام في مقام القضية الخارجية؟ في مقام الإنشاء أم في مقام الفعليّة؟ وبعضهم يقول ان الثمرة لا تتم إلا من خلال ان يكون العنوان: " أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه "، اختلفوا في العنوان انطلاقا من الثمرة، فمن خلال الثمرة ارادوا تفسير العنوان، وهذا الامر غريب، عادة نضع العنوان وننقح الموضوع ثم نأتي للثمرة.

قلنا ان هناك فرق في هذه المسألة بين المسألة الاصولية والمسألة الفقهية، المسألة الاصولية الكبرى: هل يجوز أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه أو لا؟ يعنى انه يعلم ان الشرط منتفٍ، هل يجوز ان يأمر الآمر به او لا؟ بعبارة اخرى: هل يصح أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه؟ أي أن الجواز في العنوان بمعنى الصحة.

اما السألة الفقهية فهي بمعنى: هل وجوب الصوم بشرائطه هو على نحو الشرط المتأخر؟ أي يجب الصوم مع الطهر بشرط بقاء الطهر إلى آخر النهار ، هذا شرط متأخر، بدأ الصوم صباحا بشرط استمرار الطهر إلى آخر اليوم، فيكون الصوم صباحا صحيحا إذا تمّ هذا الشرط المتأخر إلى الليل. فإذا حاضت في اثناء النهار انكشف عدم وجوب الصوم من أول النهار لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه؟ أو أن الصوم يسقط من حين الحيض؟

وقد ذكروا كثمرة للمسألة: هل تثبت الكفارة بالإفطار عمدا صباحا؟ مثلا: هو يعلم انه سيسافر بعد ساعتين وفي علم الله ايضا انه سيسافر أو انها تعلم بانها ستحيض بعد ساعتين. فلو افطر او افطرت في اول النهار عمدا، هل هو من الافطار العمدي الموجب للكفارة او لا؟ قالوا انه هذه هي الثمرة.

ونبدأ بالكلام في المسألة الاصولية:

سنذكر رأي القدماء من الأشاعرة والمعتزلة، ورأي صاحب الكفاية (ره) ورأي النائيني (ره) ورأي الخوئي (ره)، ثم المختار.

أما الاشاعرة فقد قالوا بجواز ذلك لجواز التكليف بالمحال ولا يرون فيه قبحا، وهذا هو المنسوب إليهم.

أما المعتزلة الذين قالوا بالعقل والعدل فقد ذهبوا إلى عدم الجواز لقبح التكليف بالمحال.

إذن اصبحت المسألة بين المعتزلة والاشاعرة مبنائية عقائدية كلامية في علم الكلام: هل يجوز تكليف العاجز او لا؟

لابأس هنا ان نلاحظ ان المعتزلة والاشاعرة نظروا إلى شروط المجعول لا إلى شروط الجعل، وشروط الجعل هي شروط الانشاء والاعتبار، وقلنا ان الاعتبار يتمّ اولا بوجود الملاك والمصلحة ثم يتصورها الآمر فيصدق بالملاك والمصلحة فيأمر.

بعبارة اخرى: اصبح الكلام والعنوان بالنسبة إلى المعتزلة والاشاعرة: هل يجوز أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه في مقام المجعولية لا في مقام الجعل. ومعنى المجعول هو نفس المكلف به أي الواجب لا فعل الوجوب، أي متعلّق الجعل المجعول هو الصوم في شهر رمضان، لذلك القدرة وعدمها اصبحت في واقع الامر في الصوم المأمور، والمجعول هو نفس وجوب صوم المكلّف سواء كان هناك حيض في اثناء النهار أو لا أو هناك سفر أو لا، المجعول هو المطلوب فعله أي المتعلّق، اما الجعل هو نفس عملية الاعتبار أي الامر.

صاحب الكفاية (ره) جمع بين القولين بأن جعل الضمير " الهاء " في كلمة " شرطه " في مقام ومرجعه في مقام آخر، فكأنه قال: هل يجوز أمر الآمر في مقام الإنشاء مع علمه بانتفاء شرطه في مقام الفعلية؟

قال صاحب الكفاية: لا يجوز أمر الآمر، مع علمه بانتفاء شرطه، خلافا لما نسب إلى أكثر مخالفينا، ضرورة أنه لا يكاد يكون الشيء مع عدم علته، كما هو المفروض ها هنا، فإن الشرط من أجزائها، وانحلال المركب بانحلال بعض أجزائه مما لا يخفى، وكون الجواز في العنوان بمعنى الامكان الذاتي بعيد عن محل الخلاف بين الاعلام.[1]

نعم لو كان المراد من لفظ الامر، الامر ببعض مراتبه، ومن الضمير الراجع إليه بعض مراتبه الاخر، بأن يكون النزاع في أن أمر الآمر يجوز إنشاءه مع علمه بانتفاء شرطه، بمرتبة فعلية. [2] أي هل يصح إنشاء أمر يعلم الآمر بانتفاء شرطه في عالم الفعليّة؟

الامر له مراتب لكن قلنا انه عبارة عن مرحلة واحدة وهي الانشاء وما قبله مقدمات وما بعده حالات. لكن كما قالوا ان له مراتب اولا: الاقتضاء، ثم الانشاء، ثم الفعلية، والتنجيز. وقلنا ان الاقتضاء هو مقدمة لانه المصلحة والملاك، والانشاء هو الجعل والاعتبار، والفعلية هي حالة من حالات الامر هووصول الحكم إلى نهاية مراحله وصيرورة المكلف مسؤولا عنه بتمامه. بعبارة اخرى: فالأمر يكون بتصور المصلحة مع كامل مقتضياتها فآمر بها، فالتصور مقدمة، ثم انشأ، وبعد الانشاء آمرك بالعمل وأحركك إليه فهذه هي الفعلية، والفعلية لا تكون إلا بعد ثبوت الموضوع وثبوت أشياء أخرى كعدم وجود المزاحم وعدم الموانع وكل ما يمكن ان نتصوره مما له دخالة في التحريك والدفع للتنفيذ.

إذن صاحب الكفاية (ره) يجمع بين امرين بانه لا يجوز امر الآمر بانتفاء شرطه في عالم الفعلية، لذلك يقول بوجود الاوامر الامتحانية مع العلم انه لم يصل إلى مرحلة الفعلية وجوازه في عالم الانشاء

غدا ان شاء الله نكمل ما ذكره صاحب الكفاية.

 


[1] الكلام في الامكان الوقوعي لا في الامكان الذاتي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo