< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/12/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مسألة التضاد.

- معنى الحكم الشرعي.

- الطريقة العقلائية في جعل الأحكام.

- المراحل واحدة، وهي مرحلة الانشاء، والباقي إما مقدمة كالملاك والاقتضاء وإما حالة من حالات الحكم.

بيان مسالة التضاد، بل قصة التضاد ؟

بدابة اسعد الله ايامكم جميعا والحمد الله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية علي امير المؤمنين (ع)، وتقبل الله اعمالكم، وكل عام وانتم بخير.

الفقيه يبحث عن الحكم الشرعي الثابت في ذمّة المكلف. وبعد ذلك : ما هو الحكم الشرعي؟

الحكم الشرعي عبارة عن اعتبار من الشارع، له آثار من حيث الاطاعة والمعصية، أو بيان الحسن والقبح. الحكم الشرعي ليس تكوينا أي كن فيكون.

هذا الاعتبار من الشارع كيف يتمّ؟

هذا الاعتبار يتمّ بنفس الطريقة العقلائية، وهو ان نرى كيف يتم التقنين والحكم وجعل واعتبار الحكم من العقلاء حينئذ نعرف كيف يتم عند الله عز وجل. لا يقال: إن الشارع شيء والناس شيء آخر.

فانه بقال: ان الله عز وجل عندما كلفنا ان نستنبط الحكم الشرعي فلا بد أن نتبع طريقة معروفة لدينا نتبعها، ونحن لا نعرف إلا ما عند الناس، ولو أتي الشارع المقدس بطريقة اخرى غير ما كانت عند العقلاء فكيف لي أن استكشفها؟ ولذا لا يمكن ان يكلفنا بطريقة غير ما نحن عليه لانه لا يمكن ان ندركه، فيصبح تكليفا بغير المقدور.

فإذن المشرّع الله عز وجل في مقام جعل الحكم هو يتخذ نفس الطريقة العقلائية.

إذا تمت ّ هذه المقدّمة المهمة فلننظر إلى العقلاء كيف يتم التقنين أي الحكم عندهم؟

المشرع حين يدخل إلى مدينة، إلى بلد، إلى قوم، ويريد ان يشرّع ويعلم ما فيه صلاحهم فهو اولا يشرع قوانين تدير امورهم فلا يعلمهم الرياضيات ولا الفيزياء في البداية ولا شيء آخر، بل هم بحاجة للقانون لذلك ورد في الحديث الشريف المروي عن النبي (ص) بان العلم ثلاثة،

روي عن الكاظم (عليه السلام) قال: « دخل رسول الله (ص) المسجد، فإذا جماعة قد طافوا برجل، فقال: ما هذا؟ فقيل: علاّمة. قال: وما العلاّمة؟ فقالوا: إنّه أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية والأشعار العربية قال: فقال رسول الله (ص): ذاك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه، ثم قال النبي (ص) : إنّما العلم ثلاثة: علم آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنّة قائمة، وما خلاهنَّ فهو فضل ». " وما خلاهنَّ فهو فضل " هذا لا يعني انه لا قيمة له، بل معناه أن له مرتبة متأخرة عن غيره من حيث الأولوية، فإذا دخلت إلى مجتمع اولا تقنن وتشرع له وبعدها تنشأ العلوم الاخرى كالفنون والآداب وغير ذلك. فقول النبي (ص) دقيق في قوله " وما خلاهنَّ فهو فضل " لم يقل انه لا قيمة له وليس علما، بل الباقي علم [1] .

إذن المسألة في الحكم هي مسألة عقلائية، فالعقلاء كيف يقننون؟

اولا نأتي للمصالح والمفاسد، فإذا كانت هناك مصلحة يجعل تلقائيا حكم على اساسها، واذا وجدت مفسدة يجعل حكم ايضا على اساسها، إذن المرحلة الاولى هي مرحلة الاقتضاء والملاك والمصالح، فإذا صدر الحكم على اساسها تكون مرحلة الانشاء، وبعد جعل الحكم يصدر امر بالتنفيذ والتحرك للامتثال، وهذه مرحلة الفعلية التي تتم بوجود الموضوع وعدم وجود المزاحم في الافراد وغير ذلك. ثم إنه بعد الفعلية أي بعد طلب التنفيذ فالناس منهم من يعلم بالحكم وآخرون لا يعلمون ولم يصل إليهم الجعل والاعتبار، الذي علم بالحكم اصبح مسؤولا عنه مثاب على الفعل ومعاقب على الترك هذه المرحلة هي مرحلة التنجيز.

هذه هي الطريقة العقلائة في جعل الاحكام والشارع لم يتخذ طريقة أخرى.

نشير إلى ان كلمة الاقتضاء والانشاء والفعلية والتنجيز هذه اسماء ليست موجودة في عنوان، لا في رواية ولا آية، بل هي من صنع وابتكار الاصوليين. ولا مشاحة في المصطلحات. ثم إنهم قالوا: ان مراحل الحكم اربعة، وبعضهم قال ان المراحل ثلاثة أي ملاك واعتبار وفعلية، وبعضهم قال ان المراحل اثنتان: انشاء وفعلية. لكن في الحقيقة مراحل الحكم واحدة ليست لا اثنان ولا ثلاثة ولا اربعة، وهي الانشاء، نعم ما قبله لا بد من مصلحة، مرحلة المصالح مرحلة اقتضاء او مرحلة الملاك هي مقدّمة لا بد منها لإنشاء الحكم، الحكم هو نفس الجعل، هو الانشاء، ما قبله مقدمة لا بد منها الاقتضاء أو الملاك هذه ليست مرحلة بل هي مقدمة لا بد منها، ما بعد الاقتضاء مرحلة الفعلية التي هي التحريك وطلب التنفيذ، يجب ان يكون هناك موضوع وعدم وجود موانع اخرى وهذا في الافراد لا في الكليات، هذه هي مرحلة الفعلية التي هي من شؤون الموضوع وليست لها علاقة بنفس الموضوع، ووجود الموضوع خارجا لا علاقة له بالحكم، بل له علاقة في طلب تنفيذ الحكم والدافع إليه، ولذلك وجود الموضوع خارجا هو حالة من حالات الحكم، ثم العلم به ايضا حالة من حالات الحكم وليس نفس الحكم.

هذه المسألة ستنفعنا في أمر مهم وهو انه في مرحلة الاقتضاء يكون هناك مصالح ومفاسد ثم يأتي الحكم على طبق الكسر والانكسار " يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا " [2] ثم يأتي الحكم على طبقه بعد الكسر والانكسار. هل نستطيع ان نقول: ان شيئا ما فيه مصلحة ومفسدة، هل يمكن ان يرد الانشاء على المصلحة وانشاء آخر للمفسدة؟ هل يمكن تصور هذا الشيء، خصوصا ان مرحلة الانشاء لا تخص الحكمة منه او الداعي اليه ان تصل إلى التحريك والفعلية، الانشاء قد لا يقتضي احيانا استتباعه لمرحلة الفعلية. الله عز وجل ينشؤه لبيان حسنه، وإلا ما معنى " اسكتوا عن ما سكت الله عنه "، هناك احكام الله عز وجل ترك فعليتها إلى حين ظهور القائم عجل الله فرجه. هذه الإضاءة تحتاج إلى تأمل ويمكن حينئذ أن نفسر كثيرا من الروايات والمتعارضة، وان نفسر ما ذكرناه من ان الاحكام ليس خمسة ويمكن ان تكون سته او تكون ثلاثة، مسألة السنّة التي وردت في الروايات كالصلاة لا يجوز تركها صلاة الجماعة أو صلاة جار المسجد ونعلم أنها مستحبة، لان الصلاة في المسجد أمر مستحب، والمستحب لا عقاب على تركه، فكيف ورد التهديد من النبي (ص) بحرق البيوت، كيف يكون الامر مستحبا ويهدد عليه؟ إذن هناك شيء آخر غير المستحب والواجب ذكرنا ذلك ببحث سابق وقلنا ان هناك شيء اسمه " سنّة " وهناك شيء اسمه تزكية نفس فراجع.

غدا سنبدأ بذكر وبيان مسألة التضاد، هذه الاحكام قد تكون متضادة، والتضاد سيكون اما في الفعلة او في الانشاء، سنبين القدرة المأخوذة، في الموضوع هل هي القدرة الشرعية أو القدرة العقلية ؟ هذا سينفعنا في التزاحم، وفي التعارض، وفي اجتماع الامر والنهي، والنهي على الفساد. في التزاحم سنتوسع وبعده سنعود للألفاظ، هكذا سيكون ترتيب البحث. صاحب الكفاية (ره) لماذا دخل في بحث التزاحم رغم انه كان يتكلم عن الألفاظ؟ لوجود التنافي بين الحكمين هذه التنافي هو من باب التزاحم او التعارض او اجتماع الامر والنهي او دلالة النهي على الفساد. سنذكر هذه المباحث كما ذكرها هو (ره) وكما ذكرها السيد الخوئي (ره) وكما ذكرها الاصوليين، نذكرها بشكل نافع سريعا. سنذكر علاج باب التزاحم موسعا، علاج باب التعارض سنذكره في باب التعارض، وعلاج اجتماع الامر والنهي سنذكره في اجتماع الامر والنهي، وعلاج مسألة النهي عن الفساد لوقتها سنذكرها ملخصا.

 


[1] بعض العلمانيين كصادق جلال الاعظم في كتابه " نفض الفكر الديني " انتقض على الدين انه لا يؤيد العلوم واستدل بهذا النص بان العلم " اما آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنّة قائمة وما خلاهنَّ فهو فضل" أي ان باقي العلوم لا قيمة لها. نقول: ان المعنى واضح وليس كما ذكر بل المقصود أي العلوم هو الاهم والاولى في المجتمعات، واي العلوم هو الذي سينظم المجتمعات، اولا نأتي إلى القانون الذي سينظم ثم نأتي إلى العلوم الاخرى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo