< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/08/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     اشكالي السيد الخوئي (ره) على تقديم النذر على الحج.

     الاول: لزوم بطلان العبادات وهو باطل بالضرورة، ونقاشه والجواب عليه.

     الثاني: الحج يرفع موضوع النذر ولا عكس، ونقاشه والجواب عليه.

     بيان مفصل الخلاف بين القولين.

نعود لإشكال السيد الخوئي (ره) على صاحب الجواهر والسيد كاظم اليزدي اللذين قالا بتقديم النذر على الحج لأنه اسبق زمانا ففعليته تمنع من فعلية الوجوبات المتأخرة، ويقول السيد الخوئي ان هذا باطل من وجهين:

ملخص الوجه الاول انه يمكن حينئذ ابطال جميع الواجبات الشرعية كلها بالنذر أو العهد أو اليمين أو الشرط وغيرها او ما شاكلها من أمور وذلك بجعلها متعلقة بأمر يضاد التكليف الشرعي الواجب، وهذا باطل بالضرورة.

يقول السيد الخوئي (ره): وبعد ذلك نقول: إنه لابد من تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر وأشباهه في مقام المزاحمة، وذلك لوجهين:

الأول: أن وجوب النذر أو ما شابهه لو كان مانعا عن وجوب الحج ورافعا لموضوعه لأمكن لكل مكلف رفع وجوبه عن نفسه بإيجاب شيء ما عليه بنذر أو نحوه في ليلة عرفة المنافي للإتيان بالحج، كمن نذر أن يصلي ركعتين من النافلة - مثلا - في ليلة عرفة في المسجد الفلاني، كمسجد الكوفة أو نحوه، أو نذر أن يقرأ سورة - مثلا - في ليلة عرفة فيه أو في مكان آخر مثلا ... وهكذا. ومن الواضح جدا أن بطلان هذا من الضروريات فلا يحتاج إلى بيان وإقامة برهان، كيف؟ فإن لازم ذلك هو أن لا يجب الحج على أحد من المسلمين، إذ لكل منهم أن يمنع وجوبه ويرفع موضوعه بنذر أو شبهه يكون منافيا ومضادا له، وهذا مما قامت ضرورة الدين على خلافه كما هو ظاهر. [1]

وفيه: إن كل ما يقتضي هذا الدليل عدم جواز فعل ذلك من جميع المسلمين، أما لو فعله بعضهم فلا مانع من ذلك، فان الاحكام تابعة لعناوينها. وهذا موجود في الفقه، الا ترى أن من يسافر يوميا للتهرب من الصوم لا يرتكب إثما [2] ، وقد قالوا بجواز إيقاع النفس في موضوع آخر اختيارا أو تقيّة لرفع التكليف. نعم إذا أدى ذلك إلى بطلان الشعائر فهو باطل، ولكنه حينئذ مرتبط بفعل جميع المسلمين لذلك لا بذاته. هذا الدليل لا يقتضي ان جميع المسلمين يفعلون ذلك، بل لا يستطيعون وقوعا أن يفعلوه. لذلك هو ممكن عقلا لكنه غير ممكن وقوعا.

فإذن الدليل الاول نسلم به لو كان جميع المسلمين كذلك لكن هذا مجرد افتراض عقلي وليس بالامكان الوقوعي. ولو فرضنا انه ممكن وقوعا، فحينئذ نقول انه إذا ادى إلى بطلان الشعائر عموما حينئذ يكون باطلا بضرورة الدين ويصبح حراما، يصبح من قبيل الوجوب الكفائي إذا امتنع منه جميع المسلمين يعاقب جميع المسلمين.

ملخص الثاني: إن متعلق النذر يجب أن يكون راجحا في نفسه والوفاء به في مسألتنا يقتضي ترك الواجب أي تحليل الحرام، وهو ترك الحج.

ثم يستنتج السيد (ره) بعد ذلك بقوله:

وعلى هذا الأساس نستنتج من ذلك كبرى كلية، وهي: أن كل واجب لم يكن وجوبه مشروطا بعدم كون متعلقه في نفسه محللا للحرام يتقدم في مقام المزاحمة على واجب كان وجوبه مشروطا بذلك [3] : كالواجبات الإلهية التي ليست بمجعولة في الشريعة المقدسة ابتداء، بل هي مجعولة بعناوين ثانوية: كالنذر والعهد والحلف والشرط في ضمن عقد وما شاكل ذلك، فإن وجوب الوفاء بتلك الواجبات جميعا مشروط بعدم كونها مخالفة للكتاب أو السنة ومحللة للحرام، فتؤخذ هذه القيود العدمية في موضوع وجوب الوفاء بها.

وعلى ذلك يترتب أن تلك الواجبات لا تصلح أن تزاحم الواجبات التي هي مجعولة في الشريعة المقدسة ابتداء، كالصلاة والصوم والحج وما شابه ذلك، لعدم أخذ تلك القيود العدمية في موضوع وجوبها. وعليه ففي مقام المزاحمة لا موضوع لتلك الواجبات، فينتفي وجوب الوفاء بها بانتفاء موضوعه.

فالنتيجة: أن عدم مزاحمة تلك الواجبات معها لقصور أدلتها عن شمولها في هذه الموارد - أعني بها موارد مخالفة الكتاب أو السنة وتحليل الحرام في نفسها - لانتفاء موضوعها، لا لوجود مانع في البين. [4]

وفيه: أن هذا الكلام بعينه يتم بالنسبة لتقدم النذر على الحج بناء على الاستطاعة الشرعية للحج.

جوهر الكلام: أن المسألة مبنائية، هل تقول أن الاستطاعة في الحج عقلية أو شرعية؟ إذا قلنا انها عقلية يتم كلام السيد الخوئي (ره). وإذا قلنا ان الاستطاعة شرعية يتم كلام صاحب الجواهر والسيد كاظم اليزدي. فإذا كانت الاستطاعة عقلية يقدم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية. وإذا كانا شرعيين في عرض حيث احد لا يوجد الاسبق زمانا، لان الاسبق زمانا في الواجبين لا في الوجوبين، حينئذ نحتاج إلى مرجح آخر.

غدا ان شاء الله نكمل.


[2] كل الحيل الشرعية مبنية على هذا، والحيل هنا بالمعنى اللغوي وليس بالمعنى المتعارف حاليا الذي فيه جهة سلبية. والحيلة بالمعنى اللغوي هي القوي او الالتفاف لأجل الصعوبة التي فيه، هذا الالتفاف قد يكون إجابيا وقد يكون سلبيا. وقد ذكر بعض الاخوة الفضلاء من الطلبة ان نسميها مخارج. ثم هذا الامر ورد في الزكاة فيمن أسقط النصاب قبل الوجوب لاسقاط الزكاة.
[3] ملخص كلامه: ان الاستطاعة المتأخرة تكشف على ان النذر من اساسه باطل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo