< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مسألة النهي عن الضد.

     اشكال السيد الخوئي (ره) على تطبيقات الشيخ النائيني (ره) في المرجح الاول.

نُذَكِّر بما مرّ: قلنا أن المرجح الاول في باب التزاحم وهوما ليس له بدل يقدم ما له بدل سواء كان هذا البدل عرضيا فيكون من باب تقديم التعييني على التخييري، وسواء كان تخييرا عقليا مثل الكلي وافراده أو شرعيا مثل الكفارات. ويقدم ما ليس له بدل على ما له بدل إذا كان البدل طوليا من قبيل خصال الكفارة المرتبة أو الطهارة الحدثية والخبثية.

وقلنا في وجهه إذا قدمنا ما له بدل على ما ليس له بدل يسقط ما ليس له بدل فتنتفي مصلحته كليا وتمت مصلحة ما له بدل. وإذا قدمنا ما ليس له بدل تمت مصلحة ما ليس له بدل وما له بدل تمت مصلحته جزئيا ببدله، وبلا شك تقديم جزء المصلحة خير من عدمها كليا. وقلنا ان هذا الكلام يقول السيد الروحاني (ره) انه على الافواه لكن نقول انه منطقي ولا اشكال فيه، وهو خرج الموضوع بان ما له بدل ملاكه وكانه مشروط بالقدرة الشرعية، وما ليس له بدل مشروط بقدرة عقلية. وسنرى ان المشروط بالقدرة العقلية مقدم على المشروط بالقدرة الشرعية، وهذا هو المرجح الثاني وسنبحثه.

وقلنا أن الخصلة الاولى قد تكون أهم ملاكا عندما يتزاحم ما ليس له بدل على ما له بدل طولي، قال بذلك السيد الروحاني (ره) ولذا أشكل بعدم الاطراد. وقلنا ان لا اشكال في ذلك لكننا دخلنا في التزاحم بين المرجحين وليس من باب المرجح بما هو، ولذلك مثلنا بمثال: فلو فرضنا لو كانا متساويين ملاكا يقدم ما ليس له بدل على ما له بدل.

وبهذا يظهر ما في كلام السيد الروحاني (ره) حيث يقول: فتحصّل مما ذكرنا: أن المرجح الأول ليس من المرجحات، لأن الصورة الاولى – أي البدل العرضي – ليست من باب التزاحم، والصورة الثانية داخلة في مصاديق المرجح الثاني، ولا تكون جهة عدم البدلية مرجحة.

قبل ان نبدأ بالمرجح الثاني الذي هو تقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية.

لا باس بالنسبة إلى المرجح الاول هناك تطبيقات فقهية طبقها الشيخ النائيني (ره) على المرجح الاول ذكرها السيد الخوئي (ره) واشكل عليها انها ليس من التطبيقات بل قد لا تكون من الترجيحات. كان بنائي ان اتجاوز هذه الامثلة من باب اختصار الوقت، لكن قلت فلنطبق ما ندرسه.

قال (ره) الكبرى وهي تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل طولي او عرضي مسلّمة، نعم وقع الكلام في الامثلة التي ذكرها النائيني (ره) ولا باس من استعراضها. فقد فرّع النائيني ثلاثة فروع:

الفرع الاول: إن الواجب التخييري إذا زاحم ببعض أفراده الواجب التعييني يقدّم التعييني عليه وإن كان الواجب التخييري أهم منه، وقد مثل له بمن عنده مبلغ من المال لا يكفي إلا لأحد واجبين: يدفعه مؤنة زوجته أو يدفعه كفارة إفطار شهر رمضان عمدا. فيقدم صرف المال على المؤنة دون الكفارة لكن الكفارة لها بدل عرضي وهو صيام شهرين متتابعين او عتق رقبة.

لكن السيد الخوئي (ره) بعد ارتضائه التقديم ذكر عدم كونه من باب التزاحم، وذلك لان الملاك في باب التزاحم هو عدم القدرة على الامتثال سواء كان الملاكان موجودين أو غير موجودين، وهنا يستطيع امتثال التعييني وكذلك التخييري بأفراد أخرى، ولذلك قال ان التزاحم جوهره عدم القدرة على الامتثال فيجري على كل المذاهب العدلية والاشاعرة، أي سواء قلنا بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد أم لم نقل.

ولهذه المسألة تفريعات كثيرة ومن جملتها هذا التفريع، إذا قلنا بان التزاحم هو مجرد عدم القدرة على الامتثال استطيع ان امتثل الاثنين معا وخرج عن باب التزاحم. اما عند صاحب الكفاية فيدخل في باب التزاحم لان الملاكين موجودان.

يقول السيد الخوئي (ره) في المحاضرات: أما المورد الأول [1] فقد تبين مما قدمناه: أن هذا الفرع وما شاكله ليس داخلا

تحت كبرى مسألة التزاحم لتجري عليه أحكامه [2] ، وذلك لما عرفت من أن التزاحم بين التكليفين الفعليين لا يعقل إلا من جهة عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مقام الامتثال، فلو كان المكلف قادرا عليه فلا مزاحمة بينهما أبدا، والمفروض فيما نحن فيه قدرة المكلف على امتثال الواجب التعييني والتخييري معا من دون أية مزاحمة.

نعم، خصوص الفرد المزاحم للواجب التعييني وإن كان غير مقدور للمكلف إلا أنه ليس بواجب على الفرض، وما هو واجب - وهو الجامع بينه وبين غيره من الأفراد - مقدور له ولو من جهة القدرة على بعض أفراده.

أو فقل: إن ما هو مزاحم للواجب التعييني ليس بواجب، وما هو واجب ليس بمزاحم له. ومن هنا قلنا: إنه لا تزاحم بين الواجب الموسع والمضيق كالصلاة والإزالة مثلا. [3]

والأصل في جميع ذلك هو ما ذكرناه من أن التزاحم لا ينشأ إلا من ناحية عدم تمكن المكلف من امتثال كلا التكليفين معا. وأما إذا كان متمكنا منه فلا تزاحم ولا تنافي بينهما أبدا.

وعلى هذا الأساس فالفرع المزبور أو ما شاكله ليس من صغريات باب المزاحمة لتنطبق عليه الكبرى المتقدمة. فما أفاده (قدس سره) من تطبيق تلك الكبرى عليه في غير محله، لعدم كونه صغرى لها. [4] انتهى كلامه رفع مقامه.

وفيه: أن الخروج من باب التزاحم بناء على ما ذكره من أن ركيزة التزاحم وجوهره هو عدم القدرة على الامتثال، اما على مبنى صاحب الكفاية (ره) وهو ما ايدناه من أن جوهر التزاحم هو وجود الملاكين فيدخل في باب التزاحم، نعم ينتج منه عدم القدرة على الامتثال ولذلك فرّع على ذلك ان مسألة التزاحم تكون فقط في من يقول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد ولا تشمل إلى ما يذهب اليه الاشاعرة. فإذا كان الملاكان موجودين تدخل المسألة حينها في باب التزاحم، نعم يقدم هذا على هذا من باب العلاج.

ونحن ايدنا كلام صاحب الكفاية (ره) لسبب وقلنا عدم القدرة على الامتثال تشمل حتى التعارض، والتزاحم هو جعل الحكمين معا ووصولهما إلى مرحلة الفعلية والتمكن من الامتثال لولا المزاحمة، يعني ان الملاك موجود والانشاء موجود ووصلنا إلى الفعلية وعند الامتثال اتفاقا لا يمكن امتثالهما. فإذن الملاكان موجودان. نعم نتيجته عدم امكان الامتثال، عدم امكان الامتثال لازم لوجود الملاكين المتنافيين. قلنا ان كلام صاحب الكفاية متين. وبالنتيجة الدخول في باب التزاحم مسألة مبنائية.

غدا ان شاء الله نبيّن المثال الثاني وهو تقديم القدرة العقلية على القدرة الشرعية في ما ليس له بدل على ما له بدل في مثال ما إذا دار الامر بين الطهارة الخبثية والطهرة الحدثية.

 


[1] التزاحم بين ما ليس له بدل وما له بدل عرضي، يعني التخييري.
[2] لان التشخيص بين التعارض والتزاحم ينفعنا في كيفية العلاج، فأحكام التعارض غير احكام التزاحم.
[3] ونحن ذكرنا انه يشمل المضيقين ويشمل الموسع والمضيق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo