< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: مسألة النهي عن الضد.

     مرجح تقديم احد المتزاحمين.

     تقديم ما ليس له بدل على ما كان له بدل.

كان الكلام في التزاحم وقلنا إن علاج التزاحم يكون بتقديم الأقوى ملاكا، وعلاج التعارض يكون بتقديم الأقوى سندا من صفات الراوي أو الرواية أو التخيير.

وقلنا أيضا أن ملاك التزاحم هو عدم القدرة على الامتثال في الخارج أرجعه صاحب الكفاية (ره) إلى وجود الملاكين، بينما السيد الخوئي (ره) والنائيني (ره) ايضا قالوا لا يشترط وجود ملاكين بل يكفي عدم القدرة على الامتثال. يعني ان جوهر التزاحم عدم القدرة على الامتثال ولا علاقة له بوجود الملاكين أم لم يوجدا. صاحب الكفاية يقول ان جوهر التزاحم وجود الملاكين لأنه إذا لم يوجد الملاكان دخل في باب تعارض، الاحكام تابعة لمصالحها. هذا زبدة ما مرّ

أما كيفية علاج باب التزاحم: إذا لم يكن هناك اقوى فالظاهر التخيير عقلا، إذ لا يجب الامتثال إلا بواحد لعدم القدرة على امتثال الأمرين، والتطبيقات العملية كثيرة من قبيل إذا دار الامر بين قتل الجنين وموت الأم، يدور الامر بين الأم والجنين، نقدّم الأهم، وعمليا غالبا ما نقدّم حياة الأم.

وأما إذا كان احدهما أقوى [1] من الآخر فإذا تساويا فالتخيير، وإذا لم يتساويا فما هي المرجحات؟ بدأنا بالمرجح الاول وهو تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل، وقلنا ان هذا على نحوين: تارة البدل العرضي، وتارة البدل الطولي. البدل العرضي تارة يكون أفرادا لجامع واحد وحكم واحد، أي أفراد لماهية واحدة، كما لو قلت لك: أتني بقلم حيث ينحل الحكم إلى أفراد القلم انحلالا عقليا، وتارة يكون البدل شرعيا من قبيل خصال الكفارات كمن افطر شهر رمضان عمدا فكفارته اطعام ستين مسكين او عتق رقبة او صوم شهرين متتابعين، واحيانا تكون الكفارات مرتبة من قبيل الطهارة الحدثية والطهارة الخبثية.

العدل العرضي: في هذه المسألة قبل الدخول في الاستدلالات والاشكالات فلنعرض المسألة على وجداننا، ما ليس له بدل أهم واقوى مما له بدل عرضي، لكن لماذا؟ هذه المسألة عقلية وليست نصا شرعيا فللعقل ان يأخذ مجاله. فإذا دار الامر بين ما له بدل عرضي وما ليس له بدل، وجدانا نقرب ما ليس له بدل على ما له بدل توجيهه التوجيه الذي ذكرناه انه إذا قدمنا ما له بدل على ما ليس له بدل، يصبح ما ليس له بدل لا يمتثل، نكون قد اسقطناه كليا. فإذا قدمت ما ليس له بدل على ما له بدل يبقى افراد يمكن الامتثال بها. فيكون تارة اسقاط كلي للحكم وتارة اسقاط بعض الافراد وليس اسقاط اصل الحكم. حياتنا العملية كلها تزاحم، واسقاط بعض افراد الحكم أولى من اسقاط بعض افراده مع بقاء الحكم، بغض النظر عن التخيير سواء كان تخييرا عقليا ام تخييرا شرعيا، التخيير على قسمين: التخيير العقلي كالكلي وافراده " اتني بقلم " هناك كلي القلم وافراد القلم، انطباق الكلي على افراده انطباق عقلي قهري. ومرة الافراد لا تكون عقلية ولا على نسق واحد يجمعها جامع واحد قد تعلّق به الحكم من قبيل الكفارات المخيرة، التخيير الشرعي ليس تخييرا عقليا الافراد ليست على نسق واحد، نعم حينما الشارع المقدس جعلها افراد كفارة لسبب واحد، قال الفقهاء لا بد من جامع بينها يتعلق به الحكم لكن لا نعلم ما هو الجامع، وعدم العلم تفصيل بالجامع ليس مشكلة.

وذكرنا ان السر في تقديم ما ليس له بدل نقدمه على ما له بدل نفس السر في تقديم التخييري على التعييني، وذلك لاستلزام الامتثال بالفرد المزاحم للتعييني معصية وهي ترك التعييني فلا يمتثل به لان الممتنع شرعا كالممتنع عقلا، فنمتثل بالفرد غير المزاحم.

واما ما ذكره النائيني (ره) وذكره السيد الخوئي (ره) في وجه التقديم كما عن أجود التقريرات ج1 ص271، الطبيعة الاولى، المذكور في تقريرات السيد عبد الصاحب الحكيم (ره) لابحاث استاذه السيد محمد الروحاني (ره) (منتقى الاصول) حيث يقول:

أما تقديم احد المتزاحمين على الآخر فهو مرتب بأمور ذكرها النائيني وهي:

المرجح الاول: تقديم ما ليس له بدل على ما كان له بدل فيما إذا كان أحدهما له بدل والاخر ليس له بدل وله صورتان:

الاولى: ما إذا كان لا حدهما بدل في عرضه كما إذا كان واجبا تخييريا شرعيا كان كخصال الكفارة [2] ، أو عقليا، كالواجب الموسع [3] ، وكان الأخر واجبا تعيينيا مضيقا، كما إذا تزاحم وجوب أداء الدين مع الاطعام أو العتق الذي يكون احدى خصال الكفارة التخييرية، وكما لو تزاحم وجوب إنقاذ الغريق مع وجوب الصلاة في اثناء الوقت بحيث لا تفوت الصلاة [4] بامتثاله فأنه في مثل هذه الحال يقدّم الواجب التعييني على الواجب التخييري.

ووجه التقديم واضح وهو: أن الواجب التخييري لا اقتضاء له بالنسبة إلى خصوص الفرد المزاحم [5] ، لأن المكلّف مخيّر في مقام الامتثال بين افراد التخيير.

والواجب التعييني له اقتضاء ودعوة إلى خصوص ما فيه التزاحم [6] ، لان الامتثال منحصر فيه. ومن الواضح أنه لا تزاحم بين ما له الإقتضاء نحو شيء وبين ما لا اقتضاء له نحوه، فيقدم ما له الاقتضاء على ما ليس له الاقتضاء. هذا ما افيد.

هنا ملاحظة وملخصها: ان هذا يخرجه من باب التزاحم، لان مورد التزاحم هو لحكمان الفعليان واحدهما غير مقدور، هذا ليس من باب التقديم، هذا من باب الحجة على اللا حجة. كما في التعارض " في الترجيح بموافقة الكتاب إذ ما خالف الكتاب لا يمكن أن يكون مجعولا. فلا تصل النوبة إلى التقديم. " ما خالف قول ربنا لم نقله ".

ولا يخفى ان هذا الوجه نتيجة نفي التزاحم بين الواجبين في هذه الصورة لا انه وجه للتقديم مع فرض المزاحمة إذ عرفت ان التزاحم هو التنافي في مقام الداعوية بحيث يمتنع ان يصل كلا الحكمين إلى مرحلة الفعلية فالبعث، وهذا لا اثر له في هذه الصورة بعد ما عرفت من كون احدهما لا اقتضاء له بالنسبة إلى خصوص مورد المزاحمة فالتفت. [7]

فإذن ملخص الكلام: هناك كلام سابق أن ركيزة التزاحم عند صاحب الكفاية هو وجود الملاكين وإلا دخل في باب التعارض، وعند السيد الخوئي (ره) والشيخ النائيني (ره) ركيزة التزاحم هي عدم القدرة على الامتثال وليس وجود الملاكين، هذه المسألة نطبقها هنا. بحسب نظرية عدم وجود الملاكين بل التزاحم يتم بملاك واحد: عندي ما ليس له بدل وما له بدل، ما ليس له بدل فيه اقتضاء لانه تعييني، انقاذ الغريق ليس له بدل، والثاني الصلاة موسعة لها افراد. وجوب الصلاة مزاحم بالانقاذ وبنظرهم لا اقتضاء له. وما ليس له اقتضاء لا يزاحم ما له اقتضاء.

نحن ان شاء الله سنرى ان هذه المسألة ليست من باب ما ليس له اقتضاء وما له اقتضاء، نحن بنينا على ما ذكره صاحب الكفاية من وجوب وجود الملاكين وإلا انقلب إلى تعارض.


[1] انا استعمل كلمة أقوى لان الأهم ملاكا، كلمة " اهم "هي بعض المرجحات، وقد تطلق على الجميع، كتقديم ما ليس له بدل على ما له بدل او تقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية، قد لا يكون الأهم ملاكا كإنقاذ الحياة التي هي اهم من الصلاة، هذا معنى الاهمية. لكن الاقوى ملاكا يشمل الاهم، ويشمل المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية، يشمل الجميع حتى لو لم يكن أهم ملاكا فيشمل أيضا ما ليس له بدل تقديمه على ما له بدل. فلذلك نعبر تعبيرا قد يكون ادّق وافضل من تعبير أهم ملاكا.
[2] التخيير بين خصال الكفارة شرعي وليس عقلي، والسبب في ذلك ان هذه ليست افراد لجامع واحد قد تعلّق به الحكم، وبيّن بنص أو شبهه، فلا جامع بين الصوم والاطعام والعتق والكسوة لولا التخيير الشرع ليس لهما جامع ابدا. نعم هي أفراد لسبب واحد، ومن هنا قالوا إنه لا بد من جامع مشترك.
[3] الواجب الموسع بناء على انحلاله ينحل إلى وجوبات، من قبيل صلاة الظهر واجب موسع ينحل صلّ إلى صلوات بعدد الازمنة، هذا الانحلال انحلال عقلي، وانطباق الكلي على افراده انطباق قهري عقلي.
[4] قلنا سابقا ان التزاحم يشمل حتى الواجب الموسع والمضيّق وحتى الموسعين ولا يشمل فقط المضيقين، بعضهم يقول ان التزاحم خاص بالمضيقين.
[5] هنا الواجب التخييري له بدل ومعه واجب آخر ليس له بدل، هذا تعييني وهذا تخييري. التزاحم حصل اتفاقا لان التزاحم بالاتفاقي لا الدائمي وإلا انقلب إلى تعارض. التعييني يزاحم احد الافراد كانقاذ الغريق يزاحم احد افراد وجوب الصلاة الموسع، العموم انحل إلى افراده، هناك وجوبات وانقاذ الغريق زاحم احدها بخصوصه، هذا الواحد برأي السيد الخوئي والنائيني لا اقتضاء له بعكس صاحب الكفاية (ره) قال انه لا بد من اقتضاءين، فعند السيد الخوئي والنائيني الفرد التعييني الذي ليس له بدل يزاحم احد الافراد، انقاذ الغريق يزاحم احد وجوبات الصلاة، هذا احد الوجوبات ليس له اقتضاء، فإذا كان ليس له اقتضاء تصبح الصورة هكذا: الذي ليس له بدل تعييني له اقتضاء، وما له بدل لا اقتضاء له، ونعلم وجدانا ان ما ليس له اقتضاء لا يزاحم ما له اقتضاء، وما له اقتضاء مقدّم دائما وجدانا. سنرى ان هذا الكلام بناء على نظريتهم هم أما بناء على نظرية صاحب الكفاية فليس الأمر كذلك. ومرّ معنا ان الركيزة عند السيد الخوئي (ره) في التزاحم هي عدم القدرة على الامتثال ولهذا قال ان مسألة التزاحم تشمل حتى من قال بعدم تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد مذهب الاشاعرة والعدلية يشملهم.
[6] يعني الواجب التعييني ليس له بدل فيدعوا إلى نفسه فقط، أما ما له بدل فيدعو إلى هذا الفرد وغيره، فيسقط الفرد المزاحم دون غيره. إذن هناك زمن واحد هذا الزمن اما انقذ غريق او اصلي، انقاذ الغريق له فرد واحد والصلاة لها افراد متعددة، التزاحم يكون بين انقاذ الغريق وهذا الفرد من الصلاةـ، أي هذا الوجوب بالخصوص لان الصلاة تنحل إلى افرادها، الواحد له اقتضاء الثاني لا اقتضاء له، ونعلم ان ما ليس له اقتضاء لا يزاحم ما له اقتضاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo