< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

المسائل الفقهية الثلاثة.

التفريق بين دخالة المنهي عنه في الطبيعة المأمور بها فيبطل، وبين عدمه فلا تبطل.

المسألة الاولى: الوضوء أو الغسل بالماء المغضوب؟

الظاهر فساد الوضوء أو الغسل، لان النهي عن استعمال المغصوب أصبح دخيلا في الطبيعة المأمور بها، لا انه خارج عنها، ولذا تتقيد الطبيعة المأمور بها بغير هذا الفرد ومع عدم انطباق الطبيعة لا يصح الامتثال لفسادها حينئذ.

إذن مفتاح البحث حول ان المنهي عنه- متعلق النهي - إذا دخل في طبيعة المأمور به واصبح جزء من الطبيعة حينئذ لا ينطبق على الفرد المنهي عنه كالماء المغصوب وغيره، واما إذا لم يدخل في الطبيعة فحينئذ لا بد ان نقول بالصحة. لأن متعلق النهي إذا دخل في طبيعة المأمور به فالطبيعة لا تنطبق على الفرد المنهي، وإذا لم يدخل في الطبيعة الطبيعة تنطبق على هذا الفرد.

وبتعبير اخر: عندما يكون هناك مأمور به ونهي، إذا استفدت من النهي الدخول في الطبيعة المأمور بها صار مخصِّصا، فلا تنطبق حينئذ. اما إذا لم يكن جزءا من الطبيعة المأمور بها يرد حينئذ كلام صاحب الكفاية (ره) بان الطبيعة المأمور بها قد تمّت والنهي موجود فصار ممتثلا من جهة وعاصيا من جهة أخرى.

وللتوضيح أكثر نقول:

تأتينا إطلاقات مثل: إطلاق الوضوء، وهي لم تقيّد لفظا بشيء كقوله تعالى: ) فاغسلوا وجوهكم وايديكم إلى المرافق ( [1] أو الغسل: ) وان كنتم جنبا فاطهروا ( [2] وهذان أمران مطلقان لفظا، فظاهرهما عدم التقيّد، وبهذا تشمل الطبيعة كل المصاديق التي تنطبق عليها. ولو فرضنا وردنا نهي عن بعض مصاديق المأمور به، وهنا نسأل: هل هذا النهي يمنع من شمول المأمور به لها؟

والجواب: نفصّل بين حالتين:

الاولى: أن يظهر من النهي مدخلية في الطبيعة، فان الوضوء والغسل لا بد أن يكون بالماء، فهو دخيل في طبيعة المأمور به، ومعه ينصرف الاطلاق عن الغسل بالماء المغصوب، ويكون الغسل بالماء غير المغصوب جزءا من الطبيعة المأمور بها، ومعه لا تنطبق على الفرد المحرّم، وهو الغسل بالماء المغصوب، فيبطل الغسل.

الصورة الثانية: أن يكون المنهي عنه عنوانا لم تُعلم دخالته بالطبيعة المأمور بها، وذلك كالغسل من آنية الذهب والفضة، فان الآنية لا علاقة لها بمفهوم الغسل أو الوضوء، وكالغسل في الدار المغصوبة، وغير ذلك كما سنرى، فإن الوضوء والغسل يبقى على اطلاقه، وتبقى الطبيعة المأمور بها على إطلاقها، فيصح الغسل والوضوء من آنية الذهب أو الفضة وذلك لانطباق الطبيعة عليها.

ولنعط مثلا على ذلك: " إذا أمر المولى بشراء اللحم ولم يقيّد بشيء فاشترى الخادم لحما محرّما أكله كغير المذكّى، فان التقييد بالمذكّى وان لم يذكر لفظا إلا أن اللحم ينصرف إليه فيكون مقيّدا للطبيعة المأمور بها وعليه فشراء اللحم لا يتم لكون الشراء قد وقع على فرد لا تنطبق عليه الطبيعة.

واما إذا علمت أن المولى لا يحب أحد القصابين ولا يحبّ الشراء منه، واشتريت منه لحما حلالا، فان الطبيعة لا تنصرف عنه وتبقى مطلقة، فيصح الشراء. نعم هو عاص لو تمّ النهي عن الشراء من القصاب الآخر.

وإذا كان هذا واضحا- ان الميزان في المسألة هو ظهور المنهي عنه في دخالته في طبيعة المأمور به فلا تنطبق الطبيعة على الفرد المنهي عنه، وأما لم يؤدِّ إلى دخالة في نفس الطبيعة وكان من العناوين المقارنة فلا تبطل - يظهر حينئذ ما في كلام السيد الخوئي (ره) حيث يقول في المحاضرات: " اما الجهة الاولى – وهي هل يجوز الوضوء والغسل بالماء المغصوب - فلا شبهة في فساد الوضوء أو الغسل، والوجه فيه ظاهر وهو أن المنهي عنه يستحيل أن يكون مصداقا للمأمور به، وحيث إن الوضوء أو الغسل في هذا الماء بنفسه تصرف في مال الغير ومصداق للغصب، فيستحيل أن ينطبق عليه المأمور به، ولا يدخل ذلك في كبرى التزاحم كما هو ظاهر" [3] . انتهى كلامه رفع مقامه.

ووجه التساؤل: إن كل ما ذكره صحيح، ولكن الكبرى التي بنى عليها رأيه وهي : " أن المنهي عنه يستحيل ان يكون مصداقا للمأمور به ". هذه الكبرى صحيحة او لا؟

غدا ان شاء الله نكمل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo