< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/02/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     بطلان أدلة التصويب ودلالة ذلك على عدم جواز خلو الواقعة عن الحكم الواقعي.

الرابع: أدلة بطلان التصويب [1] فإنها تدل على عدم خلو الواقعة عن الحكم الواقعي،

ويرد عليه: إنها تدل على ثبوت الحكم الواقعي بغض النظر عن قيام الدليل عليه، أما دلالتها على العموم أي ثبوت الحكم الواقعي لكل واقعة وحالة فلا تدل على ذلك.

ولنستعرض بعض أدلة بطلان التصويب:

منها: لزوم تعطيل دور الشارع وتوكيل التشريع إلى المجتهدين وتفويض التشريع إليهم.

وفيه: انه يدل على ثبوت الحكم الواقعي دون عمومه لكل واقعة.

ومنها: لزوم كون الشيء قبيحا وحسنا في آن واحد، عند اختلاف قول المجتهدين. وهذا الدليل يتم على قول الاشاعرة دون المعتزلة لان هذا الدليل يبطل التصويب وجدانا، فالفعل لا يكون حسنا وقبيحا في آن واحد لكنه المعتزلة يقولون ان الحسن حسن بنفسه، والاشاعرة يقولون ان الحسن ما حسنه الله، أي بعد ما وصل اليه المجتهد وصار حكما واقعيا صار حسنا، وإذا وصل إلى الحرمة صار محرما وصار قبيحا. وهذا يلزم منه إذا اختلف المجتهدان ان يكون حسنا وقبيحا في آن واحد، فهو باطل بلا شك.

ولا ينفع ما نحن فيه، لاننا نحتاج إلى اثبات ان لكل واقعة حكم، وهذا لا يدل على عموم لكل واقعة حكم.

ويرد عليه: ما ورد على ما قبله.

ومنها: لزوم كونه الشيء الواحد مجمعا للأحكام الخمسة في حال أفتى خمسة من المجتهدين كل منهم بأحد الأحكام الخمسة في واقعة واحدة. والايراد الايراد، لان كلامنا في ان لكل واقعة حكم، وهذا يؤدي إلى ان هناك حق وباطل وهناك مفسدة وحكم، وهذا كله صحيح ولكن كلامنا في العموم.

ومنها: قوله (ص) " حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ".

وفيه: بعد غض النظر عن دلالته على بطلان التصويب، فانه يشكل دلالة على بطلان التصويب. بعد امعان النظر في هذا الدليل بخصوصه، واما في ما نحن فيه فلا دلالة له، إذ كل ما يدل عليه هو استمرار حلال محمد وحرامه إلى يوم القيامة ولا تدل على عموم ثبوت الحكم لكل واقعة.

ونعود إلى استعراض ادلة عدم خلو الواقعة عن الحكم الواقعي:

الخامس: قوله (ص) في حجة الوداع في غدير خم " ما من شيء يقربكم من الله ويبعدكم عن النار إلا يبيّنه لكم، وما من شيء يبعدكم عن الله ويقرّبكم من النار إلا بينته لكم حتى أرش الخدش ".

وسند الخطبة صحيح بل متواتر، وخصوصا في بعض الفقرات.

ولكن فيه: انها لا تشمل المباحات لانها ليست مقربة ولا مبعدة، لم يتعرض لها اصلا. إذن لا نستطيع ان نستدل بالرواية على ان لكل واقعة حكم.

إلا أن يقال: لقد ورد في الحديث ما مضمونه: " إن الله يحب العمل برخصه كما يحب العمل بفرائضه " [2] فيكون العمل بالمباحات لانها مباحات من قبله تعالى مقربا له. كما ذكرنا في الامر الاول: ان مراحل الحكم اقتضاء وانشاء وفعلية وتنجيز. فعالم الاقتضاء هو عالم المصالح، وبمجرد ان يكون هناك مشرِّع حكيم ومصالح تصل المرحلة إلى الانشاء وهو جعل الحكم، وهذا الامر قهري من قبل الشارع الحكيم، من قبيل العدالة، إذا كان هناك امر فيه عدل فان الله يحكم به قهرا ويكون عادلا، لذلك لا معنى لاشكال الاشاعرة على ثبوت العدل لله فقالوا: انه من يفرض على الله ان يكون عادلا؟. نقول: هو فرض على نفسه والامر تلازم عقلي من قبيل العلّة والمعلول، وهذا شبيه بمسألتنا فبمجرد وجود المصالح صار هناك انشاء من قبل الشارع، وجَعْل من قِبَله.

فهذه الرواية الموجودة في حجة الوداع المتواترة سندا لا تدل على ما نحن فيه إلا أن نقول أن هذه الرواية الثانية وهي رواية العمل بالمباحات لانها مباحات من قِبَله تعالى مقرباً له.

فإذا قلنا بتمامية هذه الاحاديث صار نفس العمل بالرخص مقربا. وفي هذه الروايات مسألة تأديبية للناس بان يبقى الفرد على رَسْله في الحياة لا يقيدها، العمل بالرخص يعني ان كل شيء مباح. وهذه ثقافة تخالف ما نجده في كثير من المجتمعات التي تخترع قيودا في مسلكياتها لا اساس لها من دين أو طبع أنساني. المجتمع يفرض بعض الاحيان واجبات متعددة ومختلفة أدت إلى الكثير من السلبيات.

غدا ان شاء الله نكمل.


[1] والتصويب هو ان الله يجعل حكما على طبق ما توصل اليه المجتهد، يصبح المجتهد هو المشرِّع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo