< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/01/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     هل الامر بالشيء يقتضي النهي عن الضد الخاص او لا؟.

البحث في الضد الخاص:

هناك ثلاثة مسالك في إثبات الاقتضاء لمن قال بحرمة الضد:

مسلك الدلالة اللفظية، ومسلك المقدمة القائم على وجوب ما لا يتم الواجب إلا به، ومسلك التلازم القائم على عدم جواز خروج الواجب عن كونه واجبا.

أما مسلك اللفظ – الدلالة اللفظية - فقد قالوا إنه لا شك في عدم الدلالة، يقول صاحب المعالم (ره) [1] : " لنا على عدم الاقتضاء في الخاص لفظا: انه لو دلّ لكانت واحدة من الثلاث، وكلها منتفية.

اما المطابقة، فلان مفاد الأمر لغة وعرفا هو الوجوب، على ما سبق تحقيقه، وحقيقة الوجوب ليست إلا رجحان الفعل مع المنع من الترك وليس هذا معنى النهي عن الضد الخاص ضرورة.

واما التضمن فلأن جزءه هو المنع من الترك، ولا ريب في مغايرته للأضداد الوجودية المعبّر عنها بالخاص.

واما الالتزام فلأن شرطها اللزوم العقلي أو العرفي، ونحن نقطع بأن تصوّر معنى صيغة الأمر لا يحصل منه الانتقال إلى تصوّر الضد الخاص فضلا عن النهي عنه " [2] . انتهى [3]

وهنا ملاحظتان:

الاولى: أنه جعل حقيقة الوجوب هي رجحان الفعل مع المنع من الترك. لكنا ذكرنا سابقا أن الوجوب أمر بسيط بمعنى أنه مفرد غير مركب [4] ، وما ذكروه فهو ليس تعريفا للوجوب وليس دلالة على ماهية الوجوب، بل هو من قبيل شرح الاسم ليسهل على الطالب ولفهم المطلب.

فائدة: ولا بد هنا من إلفات النظر إلى مطلب مهمّ: وهو أن ترجمة المعنى الاصلي إلى معان أخرى والبناء على هذه الترجمة قد تفقد اللفظ بعض معانيه المهمة [5] - هذه المسألة فيها خلل كبير - التي يدل عليها من باب " فحوى الخطاب "، وقد يكون لهذه المعاني ثمرات كثيرة [6] ، فأن في الالفاظ معان لا يدركها إلا المتمرّس صاحب الذوق، وقد ذكرت هذه المطلب سابقا وفي دروس الفقه على ما في بالي ، فكن عل ذكر من هذا. وسأتعرض لهذا الموضوع في عدّة مسائل منها مسألة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

الملاحظة الثانية: إنه قد جعل الدلالة اللفظية منحصرة في الدلالات الثلاث.

غدا ان شاء الله نكمل.

 

 


[1] وانما انقله لان المعالم تعتبر حلقة الربط بين القديم والحديث.
[2] الدلالة الالتزامية هي الانتقال من اللفظ الملزوم إلى اللازم باللزوم البين بالمعنى الاخص، اما الانتقال بغير الملازمة بالمعنى الاخص كما في غير البين او البين بالمعنى الاعم ليست دلالة التزامية. وصاحب المعالم يقول أن الأمر بالشيء لا يلزمه بالدلالة الالتزامية بالمعنى الاخص حرمة ضده، وعليه الدلالة الالتزامية تكون منتفية.
[4] المفرد هنا بالمعنى المنطقي لا بالمعنى النحوي، والفرق بينهما: ان كلمة " عبد الله " في المنطق يعتبر مفردة لا مركبة لانها تدل على شخص واحد، اما في النحو فيعتبر اللفظ مركبا مع العلم انه يدل على شخص واحد. وهذه المسألة ستنفعنا كثيرا في الشبهة المصداقية، في مسألة جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية على خلاف ما هو مشهور بين المتأخرين واوافق المتقدمين على ذلك. المناطقة يهتمون بالمعنى الحالي المراد المستعمل فيه، اما النحاة يلاحظون المعنى الموضوع له، واحيانا تجد النحاة يعاملون الاسم معاملة المعنى الوارد، مثاله: المنادى المعرفة يبنى على الضم نقول: "يا زيدُ "، المنادى النكرة إن كان غير مقصودا تقول: " يا رجلا " فيظهر النصب عليه ويعامل معاملة النكرة، وان كان مقصودا تقول: " يا رجلُ " ويعامل معاملة المعرفة فيبنى على الضم ولا يظهر عليه النصب. لماذا في " عبدَ الله " لاحظنا الموضوع له فينصب المنادى لأنه مركب من مضاف ومضاف اليه، ولماذا في " يا رجلُ " لاحظنا المراد وليس الوضع الذي يجب ان يكون نكرة. ما الفرق بين هذين اللحاظين؟ هذه المسألة كونوا على ذُكر منها لانها ستنفعنا في تركيز يعض القواعد الاصولية ومن اهمها هذه المسألة التي اشتهرت وهي جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
[5] على سبيل المثال: " اكرم العالم إلا الفاسق " إذا ترحمنا هذا اللفظ يعنى " اكرم العالم العادل " يجب احرز كونه عادلا حتى يصح اكرامه وبنوا على ذلك عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فإذا شككت ان " زيدا " عادل أو لا، لا يجب اكرامه. او ان يدور الامر بين حجتين كما ذكروا. لكن هنا نسأل: هل " اكرم العالم إلا الفاسق " هو نفس معنى " اكرم العالم العادل ". الجوب: قطعا لا.
[6] مثلا: " من بات واصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم "، إذا ترجمنا هذا القول يصبح المسلم كافرا، يعنى له احكام الكفار، وهذا قطعا ليس كذلك لان هناك لحن للخطاب هو معناه استنهاض الامّة للاهتمام بأمور المسلمين وليس ان يكون لك احكام الكافر حقيقة. والامثلة كثيرة على ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo