< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النفسي والغيري:

الاصل في المسألة.

مقدمة المستحب ومقدمة الحرام.

الثمرات.

قد ذكرنا في الاصل اللفظي ان الملازمة امر ازلي وذكروا ثلاثة تصويرات في اللزوم اللفظي للأمر بذي المقدمة.

قلنا ان هذا الاصل اللفظي غير تام، وكذلك لا اصل عملي في المسألة.

هل يجري استصحاب عدم الملازمة بين وجوب المقدمة وبين وجوب ذيها؟. لان الملازمة مسألة عقلية، إما أن توجد منذ الازل أو لا توجد مثل قانون العلّة والمعلول، فلا استطيع أن أقول أن الأصل عدم وجود الملازمة بين العلّة والمعلول، أو أن الأصل وجود الملازمة بين العلّة والمعلول؟. لا يوجد هكذا أصل لان المسألة عقلية ازليّة ليس لها حالة سابقة استصحبها. إذن في مسألة الملازمة لا يوجد اصل عملي.

اما في المسألة الفرعية أي عند الشك في الوجوب الشرعي الجعلي للمقدمة، صاحب الكفاية (ره) قال بوجود اصل عملي وهو إما الاستصحاب أو البراءة. إذا كنت اشك بوجوب الوضوء قبل الزوال وقلنا بان وجوب المقدمة مترشح من ذي المقدمة، واريد ان اتوضأ لصلاة الظهر، هل يجب عليّ الوضوء أو لا قبل الزوال؟ مع العلم بعدم وجوب صلاة الظهر (ذي المقدمة) هل يجري استصحاب عدم الوجوب؟ أو يجري أصل البراءة للشك في التكليف؟

ولذلك ذهب صاحب الكفاية (ره) إلى جريان الاستصحاب أو البراءة.

وهنا لا باس بذكر كلام السيد الخوئي (ره) في المحاضرات، يقول: ولنأخذ بالنظر إلى ما أفاده (قدس سره): أما ما أفاده بالإضافة إلى المسألة الأصولية: من أنه لا أصل فيها متين جدا، ولا مناص عنه كما عرفت.

وأما ما أفاده بالإضافة إلى المسألة الفرعية من وجود الأصل فيها فإنه قابل للمؤاخذة، وذلك لأن الأصل فيها لا يخلو من أن يكون البراءة، أو الاستصحاب، والأولى لا تجري بكلا قسميها [1] :

أما العقلية فلأنها واردة لنفي المؤاخذة والعقاب، والمفروض أنه لا عقاب على ترك المقدمة وإن قلنا بوجوبها، والعقاب إنما هو على ترك الواجب النفسي.

وأما الشرعية فبما أنها وردت مورد الامتنان فيختص موردها بما إذا كانت فيه كلفة على المكلف ليكون في رفعها بها امتنانا، والمفروض أنه لا كلفة في وجوب المقدمة، حيث لا عقاب على تركها، على أن العقل يستقل بلزوم الإتيان بها لتوقف الواجب عليها، سواء أقلنا بوجوبها أم لم نقل، فإذن أي أثر ومنّة في رفع الوجوب عنها بعد لابدية الإتيان بها على كل تقدير؟

والثاني: - وهو الاستصحاب - فأيضا لا يجري، لأن موضوعه وإن كان تاما إلا أنه لا أثر له بعد استقلال العقل بلزوم الإتيان بها.

وعلى الجملة: فلا يترتب أي أثر على استصحاب عدم وجوبها بعد لا بدية الإتيان بها على كل تقدير، ومعه لا معنى لجريانه.

نعم، لا مانع من الرجوع إلى الأصل من ناحية أخرى، وهي: ما ذكرناه سابقا من الثمرة فيما إذا كانت المقدمة محرمة وقد توقف عليها واجب أهم فعندئذ لابد من ملاحظة دليل حرمة المقدمة، فإن كان لدليلها إطلاق أو عموم لزم التمسك به في غير مقدار الضرورة، وهو خصوص المقدمة الموصلة. [2]

مقدمة المستحب:

اما في مسألة مقدمة المستحب هل هي مستحبة أو لا؟

في هذه المسألة كل ما ورد في مقدمة الواجب من آراء وأخذ ورد وثواب وتكليف وعدمه، كلها ترد هنا، كوجوب المقدمة الموصلة، أو بقصد التوصل، أو كصاحب المعالم (ره) بإرادة الإتيان بذيها، أو بكلام الشيخ الانصاري (ره) بقصد التوصل، أو بكلام صاحب الفصول (ره) المقدمة الموصلة. هذا الفرق بين هذه الاقوال يرد هنا.

ولما قلنا بان المقدمة اصلا ليست واجبة ولا تلازم في الجعل الشرعي في الوجوب، فأيضا في الاستحباب نفس الكلام مقدمة المستحب ليست مستحبة، ولا ثواب عليها، ولا وجوب تكليفي جعلي شرعي عليها.

مقدمة الحرام:

أما مقدمة الحرام فحتى صاحب الكفاية (ره) الذي قال بوجوب المقدمة، لم يقل بوجوب مقدمة الحرام، والسبب في ذلك لان مقدمة الحرام استطيع ان اتركها ساعة شئت، فلا ارتكب المحرّم، وعليه ينحصر الكلام في المقدمة التوليدية. فمن قال بوجوب المقدمة التوليدية في مقدم الواجب أمكن أن يقول بحرمة المقدمة التوليدية للحرام.

ولكن نحن لما قلنا بان المقدمة ليس منظورا لها اصلا، ليس لها مصلحة خاصة ولا مفسدة خاصة إلا المقدمية إلى ذي المقدمة، هذه المقدمية لو فرضنا عقلا أن تكون ذي المقدمة بلا مقدمة لكلف بها الشارع بلا مقدمة كليا، لذلك ليس هناك إلا ثواب واحد وعقاب وهو على ذي المقدمة فقط. نعم بعض المقدمات أرشد الى مقدميتها الشارع كما في " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم ..." هذا بيان للمقدمية. الصلاة في كل الاديان ليس لها لا وضوء ولا غسل فالتوقف العقلي على الطهارة منفي، ولكن الشارع قد بين وارشد لي ان هذه مقدمة. وذكرنا انه لا مانع أو تعلق وجعل التكليف لكن لا دليل عليه.

نلخص بعض النقاط المثمرة في هذا البحث:

عدم اقتضاء الوجوب الغيري للعبادية، لعدم وجود مصلحة أو نظر إلى المقدمة، فهو وجوب عقلي محض، بمعنى لا بدية الاتيان بالمقدمة، أي ما لا يتم الواجب إلا به. وهذا يقول به حتى من يذهب إلى وجوب المقدمة الشرعية، لكني رأيت في بعض الكتب من قال بخلافه، أو قال بالعبادية من باب الانقياد.

ما ورد من الأوامر ببعض المقدمات هو إرشاد للمقدمية، أي الحالة الوضعية، وهي المقدمة، حيث لا يدركها العقل، فهي أوامر إرشادية، وذلك كالأوامر التي تطلب الوضوء قبل الطواف، فهي إرشاد للمقدمية، فإن العقل يرى لابدية الذهاب إلى الكعبة المشرفة للطواف، لكنه لا يرى لابدية الوضوء قبله، فكان الأمر بالوضوء قبل الطواف إرشاد لمقدميته.

المقدمية لا تقتضي بنفسها ثوابا ولا يقتضي تركها عقابا، وهذا يعني أن ليس على الفعل إلا ثواب واحد، وليس على تركه إلا عقاب واحد، وهو العقاب على ترك النفسي دون المقدمات. وهذا يقول به حتى من يذهب إلى وجوب المقدمة، وخالف بعضهم وقال بتعدد الثواب.

قلنا إنه لا مانع عقلا من الثواب على الواجب الغيري لمصلحة زائدة على نفس المقدمية، كالاستنهاض عند خور النفوس في السعي إلى ذي المقدمة، ولكن هذا يحتاج إلى دليل، كما ورد في بعض مقدمات زيارة الحسين (ع).

لا مشكلة اصلا في الاتيان بالمقدمة قبل وجوب ذيها، إذ منشؤه نظرية ترشح وجوب المقدمة من وجوب ذيها، ولذا ذهب الشيخ الانصاري (ره) إلى نظرية رجوع القيد إلى المادّة لبا، وذهب صاحب الفصول إلى نظرية تقسيم الواجب إلى المعلّق والمنجز. وأما إذا لم نقل بوجوب المقدمة الشرعي فلا يرد الاشكال من أساسه.

 


[1] للتذكير: البراءة الشرعية جعل شرعي وما دلّ عليها النص: " رفع عن امتي مالا يعلمون ". والبراءة العقلية هي ما كانت بحكم العقل: " قبح العقاب بلا بيان " . وقالوا في الفرق بينهما: إن البراءة إن أخذت من لسان الشارع فهي شرعية وإلا فعقلية. لكني أقول أن الفرق بين العقلية والشرعية، ان في الشرعية النص كاشف عن جعل شرعي سواء اخذناه من لفظ، يدل عليه نص او سيرة او من شيء آخر، ذكرنا ذلك في اوائل تقسيم منهجية علم الاصول.
[2] محاضرات في اصول الفقه، بحث السيد الخوئي، ج2 ص434. من الثمار التي ذكروها انه إذا كان هناك مقدمة محرمة، من قبيل: انه إذا كان هناك غريق ومع ضيق الوقت فإما ان اصلي والغريق يغرق، وإما ان انقذ الغريق وتفوت الصلاة الواجبة. فاصبح هنا ترك الصلاة مقدمة لإنقاذ الغريق. هذا المقدمة إذا قلنا بوجوبها، النتيجة انه يجب ترك الصلاة ويجب فعلها، هنا نقع بالإشكال إذا قلنا بوجوب القدمة. أما إذا قلنا بما ذهبنا اليه من عدم وجوب المقدمة اطلاقا. فينتج ان هذه الصلاة لا يجب تركها لأنها لا تجب مقدمة، فيكون هناك مجرد عموم الصلاة يشملها فتكون فقط واجبة ولا مانع من صحتها كذلك في مسألة صحة الصلاة، فقد يقال:ترك الصلاة واجب لكونه مقدمة، فينتج: الصلاة محرمة لان الأمر بالشيء يقتضيالنهي عن ضده، فلو عصى المكلف ولمينقذ الغريق وصلّى فهل الصلاة فاسدة لان النهي عن العبادة يقتضي فسادها. فلذا بناء على نا ذهبنا إليه من عدم وجوب المقدمة، فإن الصلاة غير منهي عنها شرعا، فلا تكون محرمة ولا مانع من صحتها حينئذ، لعدم نهي يقتضي فسادها. وكمثال آخر: من كان عليه دين ولم يف به وذهب إلى الحج مع ان الدين واجب وأهم من الحج، والدين حق وواجب شرعي لا يزاحمه الحج، هل الحج هنا صحيح او لا؟ نعم هو عصى الله عز وجل بعدم اداء الدين فلو كان حجة الاسلام فلو عصى وذهب إلى الحج فهل وقع صحيحا؟ إذا قلنا بان أداء الدين واجب بهذا المال وفي نفس الوقت يكون ترك الحج واجبا عليه، والامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، فيكون الحج منهيا عنه. مع النهي عن الحج صار الحج فاسدا، فلو كان حجة الاسلام لوقع باطلا. بينما نحن لما قلنا بعدم وجوب المقدمة يعني ان ترك الحج ليس واجبا، ومعه الحج ليس منهيا عنه، فلا حرمة للحج فيصح حجه ويكون قد عصى بعدم سداد الدين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo