< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النفسي والغيري:

مقدمات لا بد منها قبل بيان المختار.

تقبل الله اعمالكم واسعد الله ايامكم بمولد مولانا وسيدنا الحسين بن علي بن ابي طالب الشهيد سلام الله عليهما، ابو الأئمة التسعة وابو الاحرار وابو الاسلام، " حسين منّي وانا من حسين "، " الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء " [1]

نعود إلى علم الاصول ومقدمة الواجب وبيان المختار: وقلنا ان هناك مقدمتين، بيّناّ المقدمة الاولى.

المقدمة الثانية: هذه المصلحة إما في الحكم أو في متعلقه، والمشهور هو كونها في متعلق الحكم، من قبل: " الخمر حرام " نفس الخمر فيه مفسدة، " والصلاة واجبة " نفس الصلاة فيها مصلحة. وذهب بعضهم إلى ان الاحكام تابعة لمصالح ومفاسد في نفس الحكم - الجعل – من قبيل: الأوامر الإمتحانيّة والتدريبيّة: " علموا ابنائكم الصلاة منذ سبع " اوامر تمرينيّة أي ليست المصلحة في نفس الصلاة، بل ان يعتاد على الصلاة، المصلحة في نفس جعل الحكم، ان توجد في نفس الولد شيء اسمه صلاة.

وإذا قلنا ان نفس المصالح والمفاسد في المتعلقات تكون سببا لجعل المصلحة في جعل الحكم، أي اصبحت المصلحة في المتعلق هي الدافع والداعي والمصلحة في جعل الحكم نفسه. وهذا صحيح وبلا شك، ولكن ليس هو المقصود. المقصود هو في نفس الجعل او في نفس المتعلّق، مثلا: الاوامر الامتحانيّة كما لو طلبت الماء وانا لست عطشانا اصلا، لكن اريد من طلب الماء اختبار المأمور هل يمتثل للأمر؟ وغيرها من الاوامر الامتحانيّة والتدريبية التي تكون لنفس الجعل.

ولذلك أقول لا مانع من ابدا من كون المصلحة في الجعل احيانا وفي المتعلّق احيانا اخرى، فلا حاجة لان نأخذ الجميع بعصى واحدة، نعم غالبا المصالح في المتعلقات كما هو اولا: النصوص والروايات في ذلك. وثانيا: الوجدان في ذلك، ليس كل ما اراد الله عز وجل ان يختبرنا ويعلمنا، بل هناك مصالح واقعية يريد ان يوصلنا الله اليها. فلا مانع من الاثنين معا.

بعد هاتين المقدمتين نأتي للمختار: نقول كلامنا في الواجب الغيري، في الوجوب المقدمة الوجوديّة التي لا يتم الواجب إلا بها، والتي ليس فيها أي مصلحة بذاتها من قبيل نفس المشي إلى الحج ليس فيه أي مصلحة لذاته.

لنرى ملاك الحكم وهو وجود المصلحة، موجود في الجعل أو في المتعلّق على القولين، ونحن نقول بالاثنين معا.

اما في المتعلق فالمفروض ان المتعلق ليس فيه أي مصلحة منظورة إلا توقف الواجب عليه. من قبيل الذهاب إلى المسجد مستحب، نفس الذهاب ليس فيه أي مصلحة وليست منظورة ولا يلتفت اليها المولى.

بل ازيد من هذا: ان المولى يريد مصلحة الواجب النفسي فقط ولو علم انه يمكن ان يكون بلا مقدمات لطلبه، ولا اشكال في ذلك. بعبارة اخرى: المقدمة بذاتها ليس فيها أي مصلحة على الاطلاق، إلا المصلحة المنظورة وهي خصوص توقف الواجب عليه. وهذا ليس مصلحة في المتعلق اصلا.

اما إذا قلنا ان المصلحة في الجعل، أي نفس الحكم بوجوب المقدمة فيه مصلحة وهو الوصول إلى ذي المقدمة، يكون هناك مصلحة في جعل الوجوب وادفعك اليه. فان الداعي للتشريع هو ايجاد الباعث إلى الفعل أو الزجر عنه في النهي. مثلا: شخص لا يقوم بالمقدمة احاول قدر الامكان ان ادفعه اليها، من قبيل ان شخصا يرى وجود ايجاد حاكم ووجود دولة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا لا يمكن ان يوجد بالتمنيات، فلا بد من المقدمات من التبليغ وانشاء الوجود والكيانات إلى آخره فتكون التوطئة للدولة واجبة شرعا، فأدفعك للقيام والحركة إذا كنت ساكنا.

فإنشاء التشريع هو لجعل الباعث والدافع.

لِنَر هذه المصلحة في الجعل بالنسبة للوجوب الغيري: الوجوب الغيري بمعنى اللابدية العقلية موجود. كلامنا هذه اللابدية هل العقلية تكشف عن جعل شرعي؟.

نقول: هذه الجعل الشرعي لا داعي له، وهو ممكن إذا وجدت مصلحة زائدة على المقدمة، أن أجعل أمرر يحكم به العقل. نقطة الفرق بيننا وبين الشيخ محمد حسين الاصفهاني (ره) انه مرّة نقول: انه إذا كان هناك حكم عقلي فيستحيل جعل الحكم الشرعي على طبقه، هذا قول. ومرّة اخرى نقول: انه لا داعي لجعل حكم الشرع على طبقه ولا يستحيل.

نحن نقول: لا يستحيل جعل الحكم الشرعي الغيري وإن كان هناك لا بدية عقلية، يمكن ان يكون في حال كفاية العقل للدافعية والباعثية يأتي جعل شرعي آخر ولا مانع منه، لكن جعله حينئذ يحتاج إلى دليل. ولو صدر يكون ارشاد إلى حكم العقل إلا إذا كان لغوا يكون هنا مانع. وتنتفي اللغوية في حين انك ترى كثيرا من الناس إذا اخبرتهم بان هذا الفعل حرام شرعا يمسكون انفسهم، اما إذا قلت ان هذا يضر بالصحة مثلا وعقلا امتنع عنه فلا يلتفت. بعبارة اخرى: ذلك من باب تعدد الدواعي، ففي مسألتنا يمكن وجود داع عقلي وإلى جانبه داع شرعي ولا يكون لغوا من الحكيم وسفها، إذا لم يجد داعوية العقل كافية للانبعاث. نعم، لو ورد نص شرعي على طبق العقلي يكون في ظاهره إرشاديا، لان الاصل عدم التأسيس، والتأسيس يحتاج إلى دليل.

اما إذا نص: " واغسلوا وجوهكم وايديكم إلى المرافق " ظاهرها بداية جعل الوضوء مقدمة للصلاة، المقدمية تحتاج إلى دليل، والوجوب التكليفي يحتاج إلى دليل آخر، عند الشك فيه الاصل عدمه. فلا مانع عقلا من الوجود التكليفي. سيأتي عند الكلام على الاصل في المسألة.

نحن نقول: انه لا دليل على وجوب المقدمة شرعا ومولويا، وللابدية العقلية موجودة وهي كافية في الدفع والاندفاع إلا إذا قام دليل خاص على ذلك، وهذا غير موجود. النتيجة المقدمة الوجودية ليست واجبة بكامل اقسامها، ولهذا القول ثمرات.

غدا ان شاء الله نكمل البحث.

 


[1] الله عز وجل وفقني لكتاب اتمنى ان تقرؤه جميعا وهو " لو بايع الحسين (ع)، ملخص هذا الكتاب: لماذا استشهد الحسين وكيف استطاع الامويون ان يروجوا لفكرة واحدة. وفي قناعتي ان السبب الاساس لقيام واستشهاد الامام الحسين (ع)، وما نسمعه من الخطباء وقراء العزاء ومن كتب، ان الحسين (ع) استشهد لأجل رفع الظلم، وابناء العامة المنصف فيهم يفهمون الحسين (ع) انه قام لأجل اقامة دولة عادلة ولكنه فشل. لكن هناك مسألة مهمّة جدا لماذا بقية الائمة سلام الله عليهم ما قاموا بحركة جهادية دمويّة ابدا، هل كان الظلم اقل؟ " وكما ورد " يا ليت جور بني مروان دام لنا وليت عدل بني العباس في النار "، لماذا لم يقم الائمة (ع) ؟ لماذا نقيم عاشوراء كل سنة، ونركز على الحسين (ع) اكثر من غيره؟ فإذا كان الحسين (ع) لم يقم بمواجهته لأجل قيام دولة، ولا ضد بني أميّة، ولا لأجل رفع الظلم، إذن ما سبب قيامه (ع)؟ تصوري ان معظم قيامه كان حتى لا ينتهي الاسلام، بنو أميّة روجوا لفكرة وهي " يجب طاعة الحاكم لو كان جائرا ظالما فاسقا فاجرا، هذا الكتيب الذي وفقني الله عز وجل اليه يعالج كيف استطاع الامويون الترويج لهذه الفكرة، مع ان هذه الفكرة خلاف الوجدان وخلاف القرآن، اربع مائة آية في القرآن الكريم ضد الظلم، " ولا تركنوا للذين ظلموا فتمسكم النار "، جاء الامويون وقلبوا المعادلة والمفهوم قالوا: " واركنوا إلى الذين ظلموا وإلا مستكم النار ". لذلك الشمر بن ذي الجوشن في قصة ذكرتها في الكتاب انه كان يصلي في المسجد، والشمر لم يكن شخصا عاديا، بل هو وامثاله اشخاصا حكموا الدنيا، عندما تقول في ذلك الزمان الكوفة والبصرة والشام ومكّة المكرمة، كأنك تقول عواصم القرار في العالم كما اليوم باريس ولندن وواشنطن وطهران إلى آخره. وكان هؤلاء يحركون العالم ويحكمون الدنيا. كان الشمر يصلي في المسجد وكان يقول: " اللهم انك تعلم اني رجل شريف من اهل بيت شرف، وانت تحب الشرف، فاغفر لي "، شخص كان بجانب الشمر قال له: " تزعم انك شريف وقد قتلت ابن بنت رسول الله "، فأجابه الشمر : ماذا نصنع لقد اطعنا امرائنا ولو لم نطعهم لكنا مثل هذه الحمر الشقات. كان الشمر يقرأ القرآن ويصلي ويصوم ويحج امام الناس، ظاهره ملتزم بالإسلام. عمر بن سعد ايضا كان حمامة المسجد. النتيجة ان لا نخدع بهذه المظاهر. الشمر كان يقول انه يريد الجنّة ورضا الله عز وجل، الله عز وجل امرني ان اطيع الامير، والامير ابن زياد امرني بقتل الحسين (ع)، فقتلت الحسين، فهذا واجب شرعي. الشمر كان من طباخي الافكار وهو يعلم ان هذا تضليل للناس حتى يسيطروا على الناس بالقوة النفسية العقائدية بعد ان سيطروا بالقوة العسكرية. الكتيب يعالج كيف استطاع الامويون الذين حاربوا الاسلام طيلة واحد وعشرين سنة من اول البعثة حتى فتح مكة، نفس الذين حاربوا الاسلام في تلك المدة هم الذين حاربوا علي بن ابي طالب (ع)، وكانوا لا يستطيعون الاستمرار بالسلطة بوجود نفس المفاهيم: " العدالة والرحمة "، لذلك حاولوا نسف الاسلام من الداخل حتى صاروا خلفاء وسلاطين المسلمين، وبدأ التخريب من الداخل، فاستطاعوا ان يسيطروا. لذلك اقول ان حرب الجاهلية مع الاسلام لم تنته بفتح مكّة بل استمرت بعد فتح مكّة لكن بلباس آخر. جزاكم الله خيرا وتقبل الله اعمالكم في مولد الامام الحسين (ع) وابنه الامام زين العابدين (ع) ومولد العباس سلام الله عليه. نعم هناك سؤال تعليقا على ما مضى من كلام الشيخ النائيني (ره) عندما قال ان الحيثية التعليلية في الاحكام الشرعية تختلف عن الحيثية التقييدية، لكن في الاحكام العقلية ترجع للتقييدية. اشكل أحد الاخوة الطلبة الافاضل السيد الحسيني على هذا بالقول: انه إذا عادت التعليلية للتقييدية، اي اصبحت العلّة قيدا، وإذا صارت قيدا يلزم الدور، وذلك لان القيد اصبح بالمتعلّق فاصبح جزءا من المعلول عند ذلك يتوقف الشيء على نفسه. الجواب: التفاتة جيدة، ولكن لا مانع من كون جزء المتعلق علّة لثبوت الحكم. كما لو قلت: يجب أكل هذه الفاكهة الخاصة، فالحموضة جزء من متعلق الوجوب، ولا مانع من كونها علّة لوجوب الأكل والمتعلق ليس معلولا للوجوب، بل هو علّة له. نعم لا معنى للوجوب بعد تحقق المتعلق لأنه تحصيل حاصل، ولذا فان المسألة كلها في مرحلتي الاقتضاء والانشاء. نعم يمكن أن تقول أن الاشكال هو أخذ المتقدم في المتأخر، أي أخذ التأديب جزء المتعلق وهو متقدم على الحكم في الحكم وهو متأخر عن المتعلق تأخر الحكم عن موضوعه، وجوابه يظهر مما سبق. وللتوضيح اكثر: لو قلت: " ضربت زيدا "، " ضربت " تحتاج إلى مفعول به، والجملة تمّت بالمسند والمسند اليه، والاحتياج إلى متعلق لا يعني نفس الحكم. حكم الوجوب يحتاج إلى متعلق. سؤال: هل التأديب علّة للوجوب أو علّة لوجوب الضرب؟ الجواب: التأديب هو علّة لوجوب الضرب التأديبي، هل هناك مانع من ان يكون جزء المتعلّق علّة للحكم؟. المعلول هو وجوب الضرب التأديبي، وجزء المتعلّق، والعلّة هو التأديب، اي الاشكال في ذلك؟ ليس هناك دور، العلّة ليست جزءا من المعلول، المعلول هو الانشاء الذي يحتاج إلى متعلّق، وجزء المتعلق علّة لثبوت ذاك. إذن الاشكال هو من باب سبق الموضوع لحكمه، فجزء المتعلق يفرض أن يكون سابقا. وما هو الاشكال إذا كان جزء المتعلّق سابقا في عالم التصور والاقتضاء، جزء المتعلق قيد وليس هو المعلول، المعلول هو الانشاء نفسه. بعبارة اخرى: التأديب ليس هو الذي انشأ المتعلّق. ملخص الجواب العام: ان العلّة هي التأديب، الانشاء معلول، متعلق الانشاء، العلة لا مانع من دخولها في متعلق المنشأ، اي العلة لا مانع من كونها جزء المتعلق. اشكال آخر باختصار: إذا كان التأديب جزءا من متعلق الوجوب، ما الوراد التأديب الفعلي أو نيّة التأديب؟ الجواب: لنرى اولا ما هي العلّة نعم اصبحت المسألة فقهية. والله عز وجل يريد ايقاع ما يؤدي إلى التأديب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo