< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/02/12

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: المعلّق والمنجز
دوران الأمر بين الهيئة والمادة
-التفريق بين الشمولي والبدلي.
تحصّل مما مضى: ان دليل الشيخ الانصاري (ره) يتألف من مقدمتين: اولا: الكبرى :كل اطلاق شمولي يتقدّم على كل اطلاق بدلي. ثانيا: الصغرى: ان مسألتنا من هذا الباب أي من تطبيقان الكبرى.
صاحب الكفاية (ره) سلّم مع الشيخ (ره) بالكبرى ولكنّه ناقش في التطبيق، لم يقبل بالصغرى، قال بان مسألتنا ليست من هذا القبيل لان مفاد اطلاق الهيئة وإن كان شموليا خلاف المادة إلا انه لا يوجب ترجيحه على اطلاقها، لأنه ايضا احيانا يكون بالأطلاق ومقدّمات الحكمة، غاية الامر انها تارة تقتضي العموم الشمولي كقوله تعالى: " أحلّ الله البيع " وأخرى البدلي كقوله تعالى: " عتق رقبة "، أو التعيين كما لو دار الامر بين التخييري والتعييني الاطلاق يقتضي التعييني، وإذا دار الامر بين النفسي والغيري الاطلاق يقتضي النفسي.
ثم يقول صاحب الكفاية (ره): وترجيح عموم العام على إطلاق المطلق إنما هو لأجل كون دلالته بالوضع، لا لكونه شموليا، ......
صاحب الكفاية (ره) يركز على الصغرى، وان الكبرى لا تنطبق على مسالتنا، قال: لان تقديم الشمولي على البدلي، بالوضع بينما البدلي بمقدمات الحكمة. ورد صاحب الكفاية على الشيخ الانصاري للتعليل الذي ذكره الأخير في مسألة التعادل والتراجيح حيث قال: ان الشمولي بالوضع والبدلي بمقدمات الحكمة، وما كان بالوضع يقدّم على بمقدمات الحكمة، والسبب ان مقدمات الحكمة وهي بعد ان ينطبق العنوان ثلاثة: ان يكون في مقام البيان وامكن ان يبيّن ولم يبيّن. قال الشيخ الانصاري (ره) سبب التقديم ان المقدمة الثالثة غير تامّة وهي انه لم يبيّن، لأنه هنا بيّن بالعموم الوضعي، لأن الوضع الذي هو من علامات الحقيقة صالح لأن يكون بيانا، ومع صلاحيته للبيان حينئذ يقدم ما كان بالوضع على ما كان بمقدمات الحكمة، ويقدّم من باب انه بيان وليس من باب الورود ولا الحكومة. فإذا كان العام بالوضع والمطلق بمقدمات الحكمة يقدم العام على المطلق لان العام صالح ان يكون بيانا، فتكون احدى مقدمات الحكمة قد سقطت ومعه لا تتم المقدّمات الثلاثة، فلا تجري اصالة الاطلاق في المطلق.
هذا ما ذكره الشيخ الانصاري (ره) في مبحث التعادل والتراجيح، صاحب الكفاية (ره) يسلّم بالكبرى وهي ان الشمولي يقدم على البدلي. السيد الخوئي (ره) ايضا يسلّم بالكبرى ويقول ان هذا متين جدا.
ونقول في مقام الإجابة والردّ والتعليق على الكبرى والصغرى. أما الكبرى فإن صاحب الكفاية (ره) ركّز على نقطة، يقول: وترجيح عموم العام على إطلاق المطلق إنما هو لأجل كون دلالته بالوضع، لا لكونه شموليا، بخلاف المطلق فإنه بالحكمة، فيكون العام أظهر منه، فيقدم عليه، [1]
إذن تقديم الشمولي على البدلي من باب تقديم ما كان بالوضع على ما هو بمقدمات الحكمة، لان ما بالوضع صالح ان يكون بيانا وقرينة، ومقدمات الحكمة سقط منها الثالث واصبحت اثنتين، فتسقط لعدم تماميّتها.
اما ردنا على صاحب الكفاية والشيخ الانصاري (رهم) سيكون في الكبرى والصغرى.
أما في الكبرى التي سلّما بها فنقول:
صاحب الكفاية (ره) عللّ تقديم الشمولي على البدلي بان الشمولي بالوضع علاقة تنجيزية اقوى فتقدم على ما بمقدمات الحكمة، ولهذا قُدِّم عموم العام على إطلاق المطلق، لان العام بالوضع والمطلق بمقدمات الحكمة.
جوابنا على ذلك: انه يمكن ان يكون هناك وجوه لتقديم الشمولي على البدلي لأنه شمولي وليس لأنه بالوضع.
اما تقديم الشمولي لأنه شمولي فالوجه فيه كما ذكرنا سابقا. ان الملاك العام في التقديم هو ان الأصل عدم التقييد. عندما نلاحظ الفرق بين الشمولي والبدلي، ما الفرق بين " اكرم العالم " و " اكرم عالما "؟.
المطلوب في " اكرم العالم " اكرام مطلق الوجود، " اللام " في " العالم " لام الماهية وهي بذاتها لا تدل على الاستغراق والشمول، بل لان اللام كانت من باب " اهلك الناس الدينار والدرهم " ليس المقصود كل فرد من الدينار، بل المقصود ماهية الدينار، مطلق الطبيعة، وفي قوله تعالى: " إن الانسان لفي خسر " المقصود مطلق الانسان، المطلق جاء من الماهية. وفي الحديث الشريف ايضا: " اهلك الناس خوف الفقر وحب الفخر " المقصود مطلق الماهية، لكن الماهية صورة ذهنيّة والآثار تكون للأفراد الخارجيّة، الذي يهلك الناس هو الأفراد الخارجية لخوف الفقر وليس الصورة الذهنية. انا في مقام التعبير تصورت الماهيّة وصببت عليها الحكم والآثار في الخارج، لذلك كلّما انطبقت الماهيّة وجد الحكم ووجدت الآثار، هذا في العموم الشمولي، لذلك في قول: " أكرم العالم " يعني أكرم كل عالم. وفي " احلّ الله البيع " أي كل بيع، لان الحكم انصب على الماهيّة بمطلق وجودها لكن لما كانت الآثار للأفراد فكلما انطبقت الماهيّة انطبق الحكم، فتحقق الشمول لكل الافراد.
بينما في العموم البدلي " أكرم عالما " الحكم منصب على صرف الوجود أي اريد فردا. فإذن لما كان موضوع الحكم هو صرف الوجود يكون المراد فردا واحدا.
هذا هو الفرق بينهما وهذا معناه ان في " اكرم العالم " هناك حكم واسع الوجود، وفي " اكرم عالما " حكم لفرد واحد. عندما اقيّد المادّة يبقى الحكم على فرد واحد، فلا تصرّف في الحكم، بل التصرف هو في تضييق دائرة الانطباق، وهذا بخلاف التصرف في الإطلاق الشمولي، فإنه يوجب رفع اليد عن الحكم في بعض أفراده، ومن المعلوم أنه إذا دار الأمر بين التصرف في الحكم ورفع اليد عنه وبين رفع اليد عن التوسعة مع المحافظة على الحكم تعيّن الثاني.
وهذا وجه لتقديم الشمولي على البدلي ولا ينحصر التقديم بما ذكره صاحب الكفاية (ره) من ان التقديم من باب تقديم ما كان بالوضع على ما كان بمقدمات الحكمة.
نعم ان ما كان بالوضع اقوى علقة من ما كان بمقدمات الحكمة، والكثير يسلّم بذلك، والسيد الخوئي (ره) ذكر ان هذا الامر مفروغ منه لان ما كان بالوضع يصلح قرينة.
اما في الصغرى: اننا لا نسلّم بان عموم العام دائما بالوضع فقد يكون بمقدمات الحكمة كما في " اكرم العالم " فالعموم كما يكون بالوضع يكون أيضا بمقدمات الحكمة مثلا: " أ كرم كل عالم " بالوضع، لفظ كل موضوع للعموم. " اكرم العلماء " الجمع المحلّى باللام موضوع للعموم، لكن مفرد المحلّى باللام كما في " إن الانسان لفي خسر " الاقوى ان العموم أو العموم مأخوذ بمقدمات الحكمة؟
فيمكن ان يكون ايضا العام بمقدمات الحكمة لشمول الافراد.
فالعموم كما يكون بالوضع يكون بالإطلاق، صاحب الكفاية (ره) قال إذا كان هذا بالإطلاق، فهذا اطلاق وهذا اطلاق فنرجع للأرجح ظهورا، نحن نسلّم بهذا، لكن لا نسلِّم بما قيل من ان كل ما كان بالوضع يقدم على ما كان بالإطلاق، لان هذه الامور التي ذكروها في مقام تأسيس الاصل اللفظي لا تنتج اصلا لفظيا لأنها مجرّد استحسانات.
ونذكر بمثال بانه إذا دار الامر بين الاشتراك والمجاز قالوا بان الاصل هو المجاز، أي ان الاصل ان يكون موضوعا لمعنى واحد فيكون مجازا لا موضوعا لمعنيين فيكون مشتركا. فالأصل عدم الوضع، لان المجاز يحتاج إلى قرينة صارفة والاشتراك يحتاج إلى وضع، ومؤونة الوضع اقوى من مؤونة المجاز.
قلنا ان كل هذه الاصول استحسانات لا تؤدي إلى وضع، فالإرادة الاستعمالية غير موجودة. ولا تؤدي إلى ظهور ايضا، فلا فائدة لان المدار على حجية الظهور. ولذلك ما ذكرناه ان تقديم الشمولي على البدلي لان البدلي فرد واحد والشمولي افراد كثيرة، فإذا رفعنا اليد عن الاطلاق الشمولي نكون قد رفعنا اليد عن افراد وتصرفنا في الحكم، بينما إذا رفعنا اليد عن الاطلاق البدلي لا نكون قد تصرفنا في الحكم، هذا استحسان لا دليل عليه، نعم هذه الامور إذا ادت إلى ظهور اخذنا به، وإلا فلا قيمة لها.
ولهذا نقول: في مرحلة الاصل اللفظي هذا المرجح الاول الذي ذكره الشيخ الانصاري (ره) من رجوع القيد إلى المادة ليس مرجحا، لأنه لا يؤدي إلى ظهور ولا يثبت وضعا، وذكرنا ان هناك سبعة امور تثبت الوضع. وقلنا ان المجاز المشهور احيانا يقدّم على الحقيقة، فإذن ما كان بالوضع يقدم دائما على غيره ليست قاعدة.
وهنا ننتهي من المرجح الاول، وغدا ان شاء الله نكمل المرجح الثاني.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo