< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/02/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: المعلّق والمنجز
بعد التذكير بما مرّ نكمل كلام صاحب الكفاية (ره): وأما حديث لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبا [1] ففيه: إن الشيء إذا توجه إليه، وكان موافقا للغرض بحسب ما فيه من المصلحة أو غيرها، كما يمكن أن يبعث فعلا إليه ويطلبه حالا، لعدم مانع عن طلبه كذلك، يمكن أن يبعث إليه معلقا [2]، ويطلبه استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول لأجل مانع عن الطلب والبعث فعلا قبل حصوله، فلا يصح منه إلا الطلب والبعث معلقا بحصوله، لا مطلقا ولو متعلقا بذاك على التقدير، فيصح منه طلب الاكرام بعد مجيء زيد، ولا يصح منه الطلب المطلق الحالي للإكرام المقيد بالمجيء، هذا بناء على تبعية الاحكام لمصالح فيها في غاية الوضوح.
وأما بناء على تبعيتها للمصالح والمفاسد في المأمور به [3]، والمنهي عنه فكذلك، ضرورة أن التبعية كذلك، إنما تكون في الأحكام الواقعية بما هي واقعية، لا بما هي فعلية، فإن المنع عن فعلية تلك الأحكام غير عزيز [4]، كما في موارد الأصول والامارات على خلافها [5]، وفي بعض الاحكام في أول البعثة، بل إلى يوم قيام القائم عجل الله فرجه [6]، مع أن حلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ومع ذلك ربما يكون المانع عن فعلية بعض الاحكام باقيا مر الليالي والأيام، إلى أن تطلع شمس الهداية ويرتفع الظلام، كما يظهر من الاخبار المروية عن الأئمة (عليهم السلام).
فان قلت: فما فائدة الانشاء؟ إذا لم يكن المنشأ به طلبا فعليا، وبعثا حاليا.
قلت: كفى فائدة له أنه يصير بعثا فعليا بعد حصول الشرط [7]، بلا حاجة إلى خطاب آخر، بحيث لولاه لما كان فعلا متمكنا من الخطاب، هذا مع شمول الخطاب كذلك للإيجاب فعلا بالنسبة إلى الواجد للشرط، فيكون بعثا فعليا بالإضافة إليه، وتقديريا بالنسبة إلى الفاقد له، فافهم وتأمل جيدا. [8]
أما إذا دار الأمر بين رجوع القيد إلى الهيئة أو إلى المادة:
مثل: " إذا جاء زيد فاكرمه " هل وجوب الاكرام من الآن او وجوب الاكرام يبدأ بعد مجيئه، ولهذه المسألة الثمرة الكبيرة في تهيئة المقدمات. فهل يرجع القيد للهيئة أم يرجع للمادة.
الجواب: هذه المسألة من الظهورات، من صغريات مباحث الالفاظ، ومع الصغريات إذا ظهر القيد في الهيئة فالحمد لله، واذا كان هناك قرينة على ان القيد للمادة للواجب الفعل فالحمد لله. قلنا في اول مباحث الالفاظ ان المحكم هنا هو الظهور، والظهور لا ضابط له ولا علامة كما في علامات الحقيقة، فقد يحصل لأدنى إشارة، ومن لطائف الشيخ حسين الحلي (ره) بانه كان يقول: إن الظهور له علاقة واحدة وهي أن يحلف بالعباس (ع). ويكون الظهور حينئذ حجة على صاحبه.
وإذا لم يكن لدينا ظهور، فهل من أصل نرجع إليه؟ وما معنى ان نبحث في مباحث الالفاظ ان صيغة الامر ظاهرة في الوجوب، ورجوع القيد للهيئة لا للمادة، إلى آخره؟
نقول: ان هذه المباحث، مباحث الالفاظ تفيدنا في تشخيص الصغريات، بمعنى انها تعطينا تصورا وليست حجة بذاتها، فإذا وصل هذا التصور إلى الظهور صار حجة.
فلو قلنا بان الاصل هو رجوع القيد للمادة لا للهيئة أو العكس، فمن قال انه حجّة، ما الدليل على الحجيّة؟
فإن أدى إلى ظهور فهو حجة، وان لم يودي إلى ظهور فلا قيمة له عندي وليس بحجة عليّ. فإذن لماذا نبحثه وما هي قيمتها؟
الجواب: بان هذه الابحاث تنفعنا في تنقيح الصغرى بحيث لو تصورتها يتحقق لنا الظهور، وحينئذ يكون الظهور هو الحجّة، لذلك قلنا ان تنمية الذهنية العلميّة والادبيّة من القرآن الكريم، ونهج البلاغة، كلام الائمة (ع) والشعر والادب، مهمّة في مقام استظهار المرادات.
طبعا مع عدم الظهور يكون الدليل مجملا، وذكرنا انهم في عالم الاصطلاح ذكروا فرقا بين الإجمال والإهمال، أن المهمل يكون عن غير قصد، والإجمال يكون عن قصد، ويمكن أن يكون العكس.
نعود لصاحب الكفاية (ره) في مسألة رجوع القيد إلى الهيئة او إلى المادة: وربما قيل في الدوران بين الرجوع إلى الهيئة أو المادة، بترجيح الاطلاق في طرف الهيئة، وتقييد المادة، بوجهين:
أحدهما: إن إطلاق الهيئة يكون شموليا، كما في شمول العام لأفراده، فإن وجوب الاكرام على تقدير الاطلاق، يشمل جميع التقادير التي يمكن أن يكون تقديرا له، وإطلاق المادة يكون بدليا غير شامل لفردين في حالة واحدة.
ثانيهما: إن تقييد الهيئة يوجب بطلان محل الاطلاق في المادة ويرتفع بهلا مورده، بخلاف العكس، وكلما دار الامر بين تقييدين كذلك كان التقييد الذي لا يوجب بطلان الآخر أولى. [9]
غدا ان شاء الله نكمل البحث.


[1] وهو اشكال الشيخ الانصاري (ره) بان المصالح والمفاسد من شؤون الافعال لا من شؤون الحكم، بناء على هذا يكون كل قيد يعود للواجب أي للفعل عقلا. وملخص جواب الشيخ الآخوند (ره) ينظر إلى الوجوب فقد لا يوجد مانع له فيكون مطلقا فعليا، وقد يوجد مانع له فيكون الوجوب مرتبطا بزوال المانع، وبذلك يعود القيد إليه لا في فعله، فيمكن الانشاء الآن والوجوب مستقبلا. .
[2] مثلا: في المجنون الادواري يستفيق بعد ساعة، استطيع ان اوجه اليه الامر ويكون الوجوب بعد ساعة لانه يصبح قابلا للإمتثال.صاحب الكفاية في مقام الجواب ينظر إلى التكليف، فإن كان هناك مانع من التكليف جعل الوجوب معلّقاهنا اشارة إلى أن المصالح والمفاسد في واقعيّة الحكم، مثلا: هل السفرجل في اكل الحامل له هو الذي يعطي الجمال أم ان فعلية استحباب اكل السفرجل هي التي تعطي الجمال..
[3] هنا اشارة إلى أن المصالح والمفاسد في المأمور به أو في الجعل؟ .
[4] فتأخر فعلية الاحكام إلى ما بعده موجود كثيرا في الفقه. ذكرنا سابقا في تفسير قوله عليه السلام " فاسكتوا عن ما سكت الله عنه " في السؤال عن وجوب الحج في رواية سماعة عندما سأل عن الآية " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " قال افي كل عام يا رسول الله، سكت النبي (ص) عن الجواب وألح سماعة بالقول هل في كل عام يا رسول الله، فسكت النبي (ص) وقال: فما يدريك ان اقول في كل عام. لذلك قال" فاسكتوا عن ما سكت الله عنه " أي يكون هناك انشاء ولكن الفعلية للحكم مؤخرة إلى ان يرتفع المانع.
[5] كما إذا كانت الامارة خاطئة مثلا: في الفقاع هل هو طاهر أو نجس؟ أو يحرم شربه؟، ولنفرض ان الحكم كان على خلاف الواقع، الحكم في لوح التشريع موجود ومنشأ، هل تتأخر الفعلية لأننا لم نستطع الوصول للحكم؟ .
[6] ورد في الروايات: "أن المهدي (عجل الله فرجه الشريف) يأتي بدين جديد "، وهو نفس الاسلام لك.نه في نظر الناس دينا جديدا، أي ان الاحكام قد عميت على الناس فاعتبروه دينا جديدا، وكما ورد في الروايات انه عليه السلام " ويهدم كل مسجد بني على الطريق "، يستغرب من هذا الفعل وكانه خلاف الشريعة.
[7] والامثلة على ذلك كثيرة، كما لو اراد شخصان الزواج وانشأ العقد الآن ولكن الفعلية يكون بعد سنة لوجود مانع ما. وكما ذكرنا كمثال آخر في قصة العبد الذي طلب منه أحد السلاطين انه إذا أخذ الفقيه الفلاني عطية المولى اصبح العبد حرا. لكن الفقيه رفض اخذ المال فقال العبد للفقيه: خذ المال لأن فيه عتقي. فاجابه الفقيه ولكن فيه رقّي. والشاهد هنا انه إذا اخذ الفقيه المال هل هناك حاجة إلى اعادة انشاء الحرية للعبد من المولى؟ فبمجرد تحقق الشرط عتق العبد ولا حاجة لإنشاء جديد. وقلنا ان البعض للخروج من الاشكال قان ان هذا وعدٌ وليس انشاءً، ولكن لو كان وعدا لوجب عليه إنشاء العتق بعد تحقق الشرط مرّة ثانية. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo