< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: المعلّق والمنجز
-الإشكال الاول على المعلّق: انفكاك الإرادة عن المراد والإيجاب عن الوجوب.
-العلاقة بين التكويني والاعتباري.
-مدى مدخلية الفلسفة في الاصول.
-امكان المعلّق.
تذكير: قالوا برجوع الشرط إلى الهيئة لا إلى المادة او العكس كما ذهب اليه الشيخ الانصاري (ره)، والنتيجة والداعي إلى هذا التوجه واحد وهو التخلص من اشكال المقدّمات المفوّتة. لكن صاحب الفصول (ره) حلّ الاشكال بنظرية شاملة سواء كان دليلها لفظيا أو لا، بخلاف الشيخ الانصاري الذي قال ان المسألة لفظية.
ولكلا القولين ثمرة كبيرة، ولذلك بعض الاشكالات على المعلّق بنفسها تأتي اشكالا على رجوع القيّد للهيئة لا للمادة، مع اشكالات خاصة لرجوع القيد للهيئة لان الهيئة لفظ.
الإشكال على الواجب المعلّق زيادة في التوضيح:
ما يمكن ان يرد من الاشكال اهمّها:
الاول: ما ذكره صاحب الكفاية (ره) عن بعض معاصريه من لزوم انفكاك الإرادة عن المراد، والإيجاب عن الواجب، فعند القول بالمعلّق والمنجّز، في المنجّز يكون الوجوب حاليا والواجب حاليا، وفي المعلّق وجوبه حاليا والواجب استقباليا، فانا اريد شيئا والمراد يكون بعد الزوال، مثلا: احب الصلاة واريدها لكن لا يتم هذا المراد إلا بعد الزوال، وهذا يلزمه انفكاك الارادة عن المراد، وهذا أمر محال عقلا.
يقول صاحب الكفاية (ره): ثم إنه ربما حكي [1] عن بعض أهل النظر من أهل العصر إشكال في الواجب المعلّق، [2] وهو أن الطلب والايجاب، إنما يكون بأزاء الإرادة المحركة للعضلات نحو المراد [3]، فكما لا تكاد تكون الإرادة منفكّة عن المراد، فليكن الايجاب غير منفك عما يتعلق به، فكيف يتعلق بأمر استقبالي؟ فلا يكاد يصح الطلب والبعث فعلا نحو أمر متأخر.
قلت: فيه أن الإرادة تتعلق بأمر متأخر استقبالي، كما تتعلق بأمر حالي، وهو أوضح من أن يخفى على عاقل فضلا عن فاضل، ضرورة أن تحمُل المشاق في تحصيل المقدمات - فيما إذا كان المقصود بعيد المسافة وكثير المؤونة - ليس إلا لأجل تعلق إرادته به، وكونه مريدا له قاصدا إياه، لا يكاد يحمله على التحمل إلا ذلك، ولعل الذي أوقعه في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الإرادة بالشوق المؤكد المحرك للعضلات نحو المراد، وتوهم أن تحريكها نحو المتأخر مما لا
يكاد، وقد غفل عن أن كونه محركا نحوه يختلف حسب اختلافه، في كونه مما لا مؤونة له كحركة نفس العضلات، أو مما له مؤونة ومقدمات قليلة أو كثيرة، فحركة العضلات تكون أعم من أن تكون بنفسها مقصودة أو مقدمة له،
والجامع أن يكون نحو المقصود، بل مرادهم من هذا الوصف - في تعريف الإرادة - بيان مرتبة الشوق الذي يكون هو الإرادة، وإن لم يكن هناك فعلا تحريك، لكون المراد وما اشتاق إليه كمال الاشتياق أمرا استقباليا غير محتاج إلى تهيئة مؤونة أو تمهيد مقدمة، ضرورة أن شوقه إليه ربما يكون أشد من الشوق المحرك فعلا نحو أمر حالي أو استقبالي، محتاج إلى ذلك.
هذا مع أنه لا يكاد يتعلّق البعث إلا بأمر متأخر عن زمان البعث، ضرورة أن البعث إنما يكون لإحداث الداعي للمكلف إلى المكلف به، بأن يتصوره بما يترتب عليه من المثوبة، وعلى تركه من العقوبة، ولا يكاد يكون هذا إلا بعد البعث بزمان، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان، ولا يتفاوت طوله وقصره، فيما هو ملاك الاستحالة والامكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب، ولعمري ما ذكرناه واضح لا سترة عليه، والاطناب إنما هو لأجل رفع المغالطة الواقعة في أذهان بعض الطلاب. [4]
كل هذه الاطالة على خلاف ديدن صاحب الكفاية (ره) ويمكن اختصارها بانه في الارادة التشريعية يكون المراد بعد الارادة.
أقول: إن الإنشاء والمنشأ هما من العلّة والمعلول التكوينيين مفهوما وليس الاعتباريين، فلا يجوز انفكاكهما. نعم الاعتبار في الاعتباريات كما في الأوامر والنواهي والعقود والايقاعات هو في جعل علاقة العلّية بين هذا الانشاء وهذا المنشأ، ففي الواقع والتكوين لا علاقة بينهما، والعلّة هي أمر اعتباري محض تمّ بواسطة الجعل.
انما الاعتبار يكون في جعل الصيغة علّة، حينها يجب أن التزم في كل قوانين العليّة كما في الحكومة والورود. ففي الكسر والانكسار العلّة والمعلول لا ينفكان زمانا لكن احدهما متأخر عن الآخر رتبة. ومثال آخر صيغة " زوجتك نفسي " بنفسها ليست علّة لحصول الزواج بل هي لفظ فقط، ولكن الشارع هو الذي جعله علّة، فالاعتبار يكون في جعل العليّة من الشارع، حينها عليّ ان اتمم كل الاحكام.
بهذا ينحل كل الاشكال الذي وجّه على صاحب الكفاية (ره) بانه ادخل الفلسفة في الاصول، فيجب ان نلتفت إلى مكان الاعتبار، فإذا اعتبرتهما علّة ومعلول حينئذ يجب ان اطبق كل احكام العلّة والمعلول التكوينيين.
ولتوضيح ذلك نعطي مثالا في الطلاق، ففي كل الاحكام الوضعيّة لدينا: صيغة، ووضع، وآثار:
الصيغة: كقول الرجل لزوجته" أنت طالق ".
والوضع: هو ما ينشأ من الصيغة وهو وضع الطلاق.
والأثار: هي البينونة واستحقاق المهر وما إلى ذلك.
العلاقة بين الصيغة مع شروطها والوضع علاقة علّة ومعلول. في واقع الأمر لا علّية بينهما، وإنما نشأت العلّية من اعتبار الشارع. ولذا اعتبر لفظ " انت طالق " ولم يعتبر لفظ " أنت بائن " وهذا حق له، لأنه أمر اعتباري صرف شأنه بيد المعتبر، أما بعد الاعتبار فلا بد من إجراء أحكام التكوينيات حينئذ. وهنا لا بد من إجراء أحكام العلّة والمعلول حينئذ، فلا يجوز انفكاك الإنشاء عن المنشأ كما لا يجوز انفكاك العلّة عن المعلول.
وهنا في المعلّق يكون الواجب معلولا اعتبارا وهو مكون من الفعل والزمن المعلّق عليه، أي للحصة الخاصة من الصلاة التي هي بعد الزوال، أو الطلاق المعلّق على أمر وهو حصة خاصة من الطلاق، أي إلى بعض افراده وليس مطلق الطلاق. ولا انفكاك حينئذ بين الارادة والمراد. وهذا أمر لا مانع منه وإذا تمّ فثمرته الفقهية كثيرة فيجوز التعليق في الطلاق والوقف والزواج والبيع لاحظوا الوصيّة التمليكيّة، حيث يقول الموصي: " هذا المنزل لفلان بعد وفاتي " فالإيصاء إنشاء والموصى به هو التمليك بعد الموت وليس مطلق التمليك، لقد تدخّل الشارع واعتبرهما معلولا واحدا لعلّة واحدة. ولا نرى في ذلك أي إشكال، وقد أوضحنا سابقا العلاقة بين الاعتباريات والتكوينيات بما لا مزيد عليه. فالتعليق على أمر ليس قيدا لمفهوم المستعمل فيه بل هو جزء من المراد، والاعتبار يكون في اعتبار العلاقة وانها من باب العلّة والمعلول، حينها اكون قد دخلت في احكام العلّة والمعلول، فلا انفكاك حينئذ،
وللخروج من الاشكال ارجع بعضهم حلّ المسألة إلى ان البيع المعلّق هو نوع من الوعد بالبيع وليس بيعا الآن، فالوعد لا يجب الوفاء فيه الآن فلا إشكال.
فالجواب: بان هذا ليس وعدا بالبيع، بل هو بيع لكن حصّة من البيع بالزمن الفلاني، والمراد ليس مفهوم البيع ولا كليّه. ومثاله: في الفقه العتق إذا قال: " إذا جاء فلان فانت حرّ لوجه الله " فهو انشاء عتق معلّق، ولذا عند مجيء فلان مباشرة يصبح العبد حرا وليس بحاجة إلى ايقاع جديد للحرية، إذ هو إنشاء وليس وعدا بالحريّة. هذا عند الناس أمر موجود طبيعي.
غدا إن شاء الله نكمل الإشكال الثاني.




[1] كلمّة " ربما " ذكرها للإشارة إلى ان هذا الكلام كان قليلا وتضعيفا له، وذلك لسهولة ردّه.
[2] لهذه المسألة الثمار الكثيرة في الفقه، حيث درسنا انه لا يجوز التعليق في البيع ولا في النكاح والطلاق، هل هذه المسائل تشملها هذه المسألة؟ مثلا: عند تعليق الطلاق على حصول شيئا ما. قالوا ان الطلاق غير صحيح لأن الطلاق لا يكون إلا منجّزا. انشاء هذا الطلاق مثله مثل الارادة والمراد وترد عليه نفس الاشكالات. هناك الكثير من التطبيقات الفقهية فإذا قلنا باستحالة الانفكاك يستحيل التعليق ونفس الاشكال يأتي. .
[3] فائدة: لأنه هناك فرقا بين الارادة التكوينية والارادة التشريعية. في الإرادة التكوينية يكون الامر كنّ فيكون، ويتحقق الفعل من المريد مباشرة من المباشر، من الآمر. أما في الإرادة التشريعية فالفعل ينفذه غير المريد. أي ان تحقيقق المراد يكون من المريد مباشرة وتارة يكون من غيره ويكون ذلك بواسطة التشريعات. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo