< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/07/08

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مقدمة الواجب.
-تقسيمات المقدّمة، المقدمة الداخلية.
-وجود المانع عن اتصاف الأجزاء بالوجوب الغيري.
ثم يكمل السيد الخوئي (ره): وأما الجهة الثالثة فقد ادعى [1] صاحب الكفاية وجود المانع عن اتصاف الأجزاء بالوجوب الغيري على فرض ثبوت المقتضي له، وهو لزوم اجتماع المثلين، وذلك لأن الأجزاء بشرط الإجتماع واجبة بوجوب نفسي [2]، ومع ذلك لو وجبت بوجوب غيري لزم اجتماع حكمين متماثلين في شيء واحد، وهو محال حتى لو قلنا [3] بجواز اجتماع الأمر والنهي في مورد التصادق والاجتماع.
والسبب فيه: هو أن القول بالجواز هناك يرتكز على كون الجهتين تقييديتين، وأما إذا كانتا تعليليتين فلا يمكن القول به [4]، وبما أن الجهة فيما نحن فيه تعليلية - وهي عنوان المقدمة - ولم تكن تقييدية فلا يمكن القول بالاجتماع فيه.[5]
للتذكير: في مسألة اجتماع الأمر والنهي ان كان عنوان المأمور به وعنوان المنهي عنه حيثية تعليلية لا يمكن القول بجواز الاجتماع، وان كانتا حيثية تقييدية جاز القول بجواز الاجتماع، والسبب في ذلك: ان في هذه المسألة اجتماع عنوانين في معنون واحد مثلا: " أكرم الشعراء ولا تكرم شاربي الخمر " وكان زيد شاعر وشارب للخمر في وقت واحد، هل يجب إكرامه؟ بعنوان الشاعرية يجب اكرامه، وبعنوان شارب الخمر لا يجب اكرامه. مدار هذه المسألة هو أنه لا شك ولا ريب في عدم جواز اجتماع الامر والنهي في واحد، إما لأنه قبيح على المولى الحكيم، وإما لأنه محال لاجتماع ارادتين مختلفتين.
فإذن إذا رجع اجتماع العنوانين إلى اجتماع الامر والنهي في واحد يكون محالا، وإذا لم يرجعا بل بقي الأمر في عنوان والنهي في عنوان آخر وتصادقا في مصداق واحد من قبيل الاتفاق، فهذا لا مانع منه اصوليا. لذلك إذا كانتا حيثيتان تقييديتان، يعني يبقى الحكم في عنوان والنهي في عنوان آخر ولكن انطبق على مصداق واحد، فهذا جائز. أما إذا كانتا تعليليتين ويكون العنوان علّة لثبوت الحكم في الفرد، لا يمكن القول بجواز اجتماع الامر والنهي في واحد، لاجتماعهما في الفرد، فيكون مصب الأمر والنهي واحدا.
بعد هذا يكمل السيد الخوئي عن صاحب الكفاية (ره) بما مضمونه: أن اجتماع المثلين هنا من قبيل العلّتين لا من قبيل القيدين، لذلك لا يمكن اجتماع المثلين فيكون مانعا.
بيان كلام صاحب الكفاية (ره): الوجوب النفسي والوجوب الغيري، وجوبان متماثلان من حيث الإلزام فهما حكمان إلزاميان، ولا يجوز اجتماع متماثلين في شيء واحد، مثلا: زيد يجتمع فيه كلي إنسان وكلي إنسان.
ثم يفرّق صاحب الكفاية (ره) بين مسألتنا ومسألة اجتماع الأمر والنهي، حيث إن العنوانين في مسألتنا - النفسي والغيري – حيثية تعليلية لا حيثية تقييدية بخلاف مسألة الاجتماع فهما حيثيتان تقييديتان، ولو كانتا حيثيتين تعليليتين لقلنا بمنع جواز الاجتماع. ولذك لو قال: " أكرم الشعراء واكرم الفقهاء "، واجتمع العنوانان في زيد، فيكون زيد واجب الاكرام من جهة انطباق عنوان الشاعرية وكذلك من جهة انطباق الفقاهة. فهل هذا من مصاديق اجتماع المثلين فلا يوجد إلا وجوب واحد، أم لا فيوجد وجوبان؟ [6] فإذا كانت كلمة " الشعراء علّة تعني ان مصب الحكم على كل فقيه شاعر، فاستطيع ان آخذ بالعموم، كأني قلت اكرم الفقيه لأنه شاعر ومفهومه من قبيل مفهوم العلّة. أما إذا كان " الشاعر " قيدا يعني بعض افراد الفقيه وهم خصوص الشعراء، ومفهومه من مفهوم الوصف.
ومدار الحل في المسألة هو: إنه إذا كان متعلّق الحكم واحدا فمحال اجتماع المثلين. وإنما يكون واحدا إذا كان الفرد هو متعلّق التكليف، وهذا إنما يتم في حال كون العنوان علّة لثبوت الحكم فينصبّ الحكم على الفرد، ومعه يتحد متعلّق الحكم، ومعه يكون مصداقا لاجتماع المثلين.
أما إذا كان العنوان حيثيته تقييدية، فيبقى العنوان هو المتعلّق، ومعه لا يتحد المتعلّقان.[7]
غدا أن شاء الله نكمل.


[1] السيد الخوئي (ره) وافق على وجود الصلاحية ووجود المقتضي ولكنه لم يوافق على وجود المانع وخالف صاحب الكفاية (ره)، ويظهر ذلك من كلمة " ادعى ".
[2] قلنا هناك جزء وهناك وجوبان، وجوب نفسي منحل. وجوب الكل ينحل إلى وجوبات على عدد الاجزاء، ووجوب غيري كمقدّمة. .
[3] دفع دخل وهو انه حتى لو قلنا بجواز اجتماع الامر والنهي، هنا لا نقول هنا بالاجتماع في المتماثلين. .
[4] مثلا: " اكرم العالم الشاعر "، تارة كلمة " الشاعر" تكون بحيثية تقييدية، وتارة تكون بحيثية تعليلية، وفي الحيثية التعليلية تكون الشاعرية علّة للإكرام، والعلّة تعني ان مصب الحكم واحد ومطلق وهو " زيد العالم لانه شاعر"، اما في الحيثية التقييدية فمصب الحكم بعض أفراد العالم وهو المطلوب إكرامه. لان القيد هو عبارة عن حصر الدائرة فلا تشمل كل الدوائر. أما العلّة فقد تكون شيئا آخر.
[6] ولهذا ثمرة، مثلا: إذا نذر شخص أن يصوم يوما، وصام يوما من شهر رمصان. صوم اليوم من شهر رمضان واجب لانه من شهر رمضان، وواجب للنذر الذي نذره، هل يصح صومه وتبرء ذمته من الاثنين معا، أم لا يقع إلا صوم رمضان، والنذر يحتاج إلى صوم يوم آخر؟ وأيضا في المستحب كالصوم في النصف من شعبان استحبابا وصوم النذر الواجب، هل تم الصوم الاستحبابي؟ وهذا ينفع في مطلب ذكرناه سابقا وهو: ان تقسيم الاحكام إلى خمسة غير تام، الوجوب، والحرمة، والاستحباب والكراهة، والاباحة. قلنا هناك اما ان نقسم الاحكام إلى ثلاثة: الوجوب، والحرمة، والاباحة، أو إلى ستة اقسام، الاحكام السابقة مع زيادة .حكم السنّة التي نعلم بان المولى لا يرضى بتركها كليا، بناء على وجوب الاتيان بالسنة ولو بفرد واحد. فإذا ترك صوم النصف من شعبان كل عمره مع وجود التأكيد على صيامه، هل هو من تركا السنة؟ وفي صلاة الجماعة كذلك هل يعتبر تارك للسنة؟ فإذا اعرض عن السنّة وقع في الاشكال. فصار هذا المندوب اما ان نعتبره بذاته سنّة ويختلف عن المستحب والواجب كحكم، وإما ان نوع من الحكم الواجب ولو ان آتي به بفرد واحد حتى لا يكون اعراضا كليا عن السنّة.
ولهذه المسألة تطبيقات كثيرة وعمليا مهمّة: مثلا في القانون المدني لو حكموا على فلان بثلاثة احكام مؤبد، في الواقع يكفي حكم واحد. لكن الثمرة تأتي إذا كان هناك عفو عام على احد العناوين الثلاثة التي حكم بها بثلاثة احكام مؤبد، مثلا عفو عن القتل، يبقى في حقه حكم المؤبد بالخيانة، والعمالة للعدو مثلا. إذن بالعرف العام والمدني يمكن ان يقال ان اجتماع ثلاثة احكام متماثلة على واحد جائز. وقد خرّج ذلك السيد الخوئي (ره) بنظرية الاندكاك.
[7] تذكير: في الاصول درست مسألة: هل الطبيعة هي متعلّق الحكم أو الفرد هو متعلق الحكم؟ فان كان الفرد هو المتعلّق اجتمع الحكمان في واحد، وان كان الطبيعة لم يجتمع الحكم في واحد بل بقي الامر في عنوان والنهي في عنوان وتصادقا موردا. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo