< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/04/08

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الإجزاء
-استثناء الصلاة من عدم الإجزاء لحديث " لا تُعاد ".
-ثبوت حكم ظاهري عند شخص هل ينفذ في حق غيره؟.
-استثناء النكاح والطلاق من هذا الأخير.
المسألة الثالثة: استثناء الصلاة من عدم الإجزاء، مثلا: لو قال المجتهد بان السورة بعد الفاتحة غير واجبة ثم تبدل الرأي، فهل يجب اعادة الصلاة؟ قالوا بعدم الوجوب رغم أن جزء منها لم نقم به. والتحقيق أن الصلاة لا تختلف في انطباق ملاك عدم الإجزاء عن بقية الواجبات، فإذا تبيّن خلاف الواقع يبقى الحكم الواقعي بلا امتثال وتبقى المصلحة بلا إستيفاء. فالقاعدة تقتضي إعادة الصلاة في الوقت والقضاء خارجه إذا تخلف أي جزء أو شرط، لكن وردت روايات تفيد عدم وجوب الإعادة في الوقت والقضاء خارجه عدا أمور، وهي روايات " لا تعاد "، الوسائل: ح 1 - محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن زرارة قال: قال أبو جعفر (ع): لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود. ورواه الشيخ أيضا بإسناده عن زرارة مثله. [1]
هذه الروايات استفيد منها الإجزاء، أو صحة الصلاة مع عدم العلم بوجوب الجزء. وجعلت الفقهاء يقسمون أفعال الصلاة إلى قسمين: أركان وأجزاء. [2]
المسألة الرابعة: هل ثبوت حكم ظاهري عند شخص، يجري في حق غيره إذا وجد ارتباط بينهما في عمل واحد؟ مثاله: لو رأي شخص ولاية الأب على البنت في عقد الزواج، والمرأة لا ترى ذلك إجتهادا أو تقليدا، بل ترى استقلالها ولا ولاية لأبيها عليها في عقد النكاح، فهل يحق له أن يعقد عليها بإعتبار أن الحكم الظاهري في حقها بسبب الأمارة المعتبرة عنده هو عدم الولاية، بخلافه، فهل ينفذ الحكم الظاهري القائم عندها عليه؟
ومثال آخر في العبادات: إذا قامت أمارة معتبرة في إثبات الموضوعات، كالبيّنة وخبر الثقة أو حتى القواعد والأصول على أن المائع الموجود أمامه ماء فتوضأ به الإمام (إمام الجماعة)، أما المأموم فيعلم أنه ليس ماء، وهكذا لو قامت البيّنة وأمثالها على نجاسة الماء عند المأموم دون الإمام، أو رأى المأموم وجوب وضوء الجبيرة في مورد عند الإمام، والإمام يرى وجوب التيمم، فهل يستطيع المأموم الإئتمام به إجراءً لما نفذ في حق الإمام في حق المأموم؟ والأمثلة كثيرة.
نقول: الأصل نفوذ كل حكم لشخص في حق نفسه، أما في حق الآخرين فلا، إذ الآخر يراه خطأ فكيف يحق له إجراؤه على نفسه. هذا هو الأصل إلا إذا قام دليل على خلافه. كما لو قام دليل على كون العمل صحيحا أو مجزيا في حق الجاهل أو الغافل، كما في أجزاء الصلاة غير الركنية بمقتضى أحاديث " لا تعاد " فالمأموم يحق له الإيتمام، وذلك كالمأموم الذي يرى وجوب السورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين، والإمام لا يرى وجوبها.
المسألة الخامسة: استثناء النكاح والطلاق من المسألة الرابعة (وهي: أن ثبوت حكم ظاهري في حق شخص لا ينفذ على الآخر)، فإذا رأى شخص صحة العقد بالفارسية وتزوج على هذا الرأي ورأى آخر فساد العقد بغير العربية، فهل لي أن أتزوجها؟ فليس للأول تزوّج هذه المرأة، بل عليه أن يلتزم بالحكم الظاهري النافذ على الأول.
وكذا في الطلاق فلو رأى شخص بحجّة معتبرة لديه صحة الطلاق في الحيض كما عند بعض أبناء العامة، أي كان الطلاق على غير السُنة فهل يجوز للآخر ترتيب أثار الطلاق؟. الأصل عدم جريان ما عند الأول في حق الثاني، فلا يجوز له أن يتزوج المرأة في المثال الأول، وهلّم جرا. لكن دلّت الأدلة على النفوذ في الزواج والطلاق. [3]
ومن الأدلة:
اولا: سيرة المسلمين القطعية من زمن النبي (r) إلى يومنا هذا حيث إن كل طائفة مرتبطة فقهيا بفقيه يختلف عن الآخرين في بعض شروط النكاح أو الطلاق، لكنها ترتب آثار النكاح الصحيح على ما تفعله الطائفة الأخرى رغم الإختلاف في الرأي، فلا ترى الجعفري يتزوج زوجة الشافعي، ولا من يرى وجوب أخذ إذن الأب يتزوج زوجة من لا يرى ذلك. وهكذا. وقد سكت الأئمة (u) عن ذلك، ولم يرد منهم نص مخالف.
ثانيا: الروايات: منها: في الوسائل: ح2 - قال : وفي رواية أخرى إن لكل أمة نكاحا يحتجزون به عن الزنا . [4]
حيث أعتبر نكاحهم صحيح رغم اختلاف الشروط.
ومنها: في الوسائل: ح 5 – وبإسناده (أي محمد بن الحسن) عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن عبد الله بن جبلة، عن عدة من أصحاب علي ولا أعلم سليمان إلا أخبرني به وعلي بن عبد الله، عن سليمان أيضا عن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال : ألزموهم بما ألزموا أنفسهم . [5] حيث يجوز لي تزوج المرأة المطلّقة العامية على غير السنّة. وهذا ليس تصحيحا لعملهم بل هو استفادة من رأيهم وإلزاما لهم به.
إذن كان المسلمون زمن الأئمة (u) ترتب كل طائفة آثار النكاح والطلاق الصحيحين عند الطائفة الأخرى رغم الاختلاف، وكذا الكفار أو الاديان الأخرى.
غدا إن شاء الله نكمل المسألة السادسة: هل تستثنى الطهارة والنجاسة من عدم النفوذ في حق الآخرين.


[2] فائدة: كل حصر له مفهوم فإذا ورد حصر آخر يصبح هناك تعارض بين الوارد وبين ادلة الحصر. والحصر الحقيقي يكون بغض النظر عن أي أمر، والحصر الاضافي يكون بالإضافة إلى أمر ما. مثال الحصر الإضافي: شخص يعتقد أن زيدا فقيه فأقول له: إنما هو شاعر، انفي الفقاهة عنه دون بقيّة الصفات. اما لو لم يكن بلحاظ صفة أخرى بهو حصر حقيقي.
[3] مثال آخر معاصر: شخصان يريا صحة عقد الزواج بصيغة الزواج المدني إجتهادا أو تقليدا، فهل يحق لثالث يرى بطلان هذا الزواج، أن يتزوجها؟.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo