< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الإجزاء مع الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري
نعود لكلام السيد السبزواري (ره) الذي ذهب إلى الاجزاء مطلقا.
يقول:[ فأي مانع من أن يكون المقام مثل اعمال العامة إذا استبصروا حيث ورد عن أبي عبد الله (ع) في الصحيح: " كل عمل عمله في حال نصبه وضلاله فإنه يؤجر عليه " بل ما نحن فيه أولى بذلك كما لا يخفى، وليس ذلك من التصويب والانقلاب الباطل، بل هو تنزيلي تسهيلي لغير الواقع منزلة الواقع، وإسقاطه عن الفعلية لمصالح كثيرة، فبين المقام وبحث التصويب [1]والانقلاب بون بعيد جدا ] [2].
وقبل الاجابة على السيد السبزواري (ره) لابد من مقدمة:
1-أن المسؤولية على الشارع والتعويض قد يكون بالثواب الزائد، وليس محصورا بخصوص عدم الاعادة وطالم أن الحكم الواقعي لم يتم امتثاله ففعل الشيء الآخر لا يكون مجزيا عنه.
2-إن هذا الأمر له نوع ارتباط بعلم الكلام فهو مرتبط بالحكمة الإلهية من الأحكام الشرعية. فهل هي من باب السلطة الإلهية وحقوق الخالق، أم من باب اللطف الرباني على العباد؟
إذا كان من اللطف الرباني فلا مانع أن يكون من اللطف الرباني الإعادة لزيادة الثواب والإفادة، كما كان اللطف في أصل العمل، حيث أن الله تعالى لا يريد تكليف العباد لمجرد تكليفهم ولبيان جبروته وعظمته ومعبوديته، بل يريد مصلحة العباد لطفا بهم ومحبة لهم، ولأن الانبياء لهم عدّة مهام: المهمّة الاولى أن يكون رمزا للخير وقد لا يكون رسولا ولان الناس تحتاج إلى رمز تقتدي به. المهمة الثانية: هي اعادة الناس إلى فطرتها لانها تضل وتنحرف عن الحق كما في اختراع احاديث لخدمة معاوية " اطع الامير ولو ضرب ظهرك واخذ مالك ". والمهمة الثالثة: وهي بيان التشريعات في ما لا يدركه الناس من مصالح، اما العدل حسن فيدركه جميع البشر لكن تطبيق العدل قد لا يدركه البشر مثلا: في الارث هل نجعل للذكر مثل حظ الانثيين هذا عدل؟ او ان التساوي في الارث كما في الحكم الوضعي هو العدل؟ ولذلك يلاحظ ان كل مفكري العالم يركزون على الامور العامة في طروحاتهم التغييرية ويلصق ما يريد بهذه الامور العامة [3].
واما قول السيد السبزواري (ره) أن لا مانع من أن يكون المقام مثل أعمال العامة إذا استبصروا حيث ورد عن ابي عبد الله (ع) في الصحيح " كل عمل عمله في حال نصبه وضلاله فانه يؤجر عليه " فهو مورد خاص وله حكمة خاصة وهي التشجيع على الحق وترك الباطل، كما في اعمال الكافر عنده هدايته أيضا، واين هذا من إجزاء افعال المؤمن غير المأمور بها عن المأمور بها.
لذا بعد هذه المقدّمة نجيب على السيد السبزواري (ره):
أما الدليل الاول الذي ذكره وهو أن إطلاق اعتبار أدلة الاصول والامارات يلزمه الاجزاء، فهذا لا نسلم به، لأن الاعتبار مقيّد بالجهل والشك في الحكم، وأما بعد ارتفاعهما فأدلة الاعتبار لا تشمله.
وأما الدليل الثاني على الإجزاء وهو المنّة على المكلفين فقد تكون المنّة والمصلحة تكليفهما بالإعادة والقضاء كما كانت المنّة على المكلفين في أصل تكليفهم بالصلاة والصوم وذلك لطفا بهم وابتغاء مصلحتهم، فمنّة على المكلفين أنزل التشريعات فهي لطفا بهم وليست عبأ عليهم.
نعم نسلِّم بما ذكره من ان الاجزاء يختلف عن التصويب حيث إن التصويب هو تصحيح العمل، اما الاجزاء فليس تصحيحا للماضي بل اسقاط للاعادة في الوقت والقضاء خارجه.
بقي الكلام في حالتين ذكرهما السيد الخوئي (ره) في المحاضرات:
أ‌-انكشاف عدم الحكم الظاهري رأسا لاكتشاف خلل في الاستنباط، كما لو اتكل على رواية يقول (ره):
[ ومن ناحية ثالثة: قد تسالموا على خروج موارد انكشف عدم الحكم الظاهري فيها رأسا عن محل الكلام، وذلك كما لو استظهر المجتهد معنى من لفظ وأفتى على طبقه استنادا إلى حجية الظهور [4]، ثم بعد ذلك انكشف أنه لا ظهور له في هذا المعنى المعين أصلا، بل هو مجرد وهم وخيال فلا واقع موضوعي له فعندئذ لا ريب في عدم حجية هذا المعنى، لعدم اندراجه تحت أدلة حجية الظهورات.
وكذا لو أفتى المجتهد على طبق رواية وقع في سلسلة سندها " ابن سنان " بتخيل أنه " عبد الله بن سنان " الثقة ثم بان أنه " محمد بن سنان " الضعيف فإن الاعتقاد الأول باطل، حيث إنه صرف وهم وخيال ولا واقع له ].[5]
ب‌-انكشاف الخلاف بالعلم الوجداني. يقول (ره): [ ومن ناحية رابعة : لا إشكال ولا خلاف أيضا بين الأصحاب في عدم الإجزاء في موارد انكشاف الخلاف في الأحكام الظاهرية بالعلم الوجداني، بأن يعلم المجتهد - مثلا –
بمخالفة فتواه السابقة للواقع ].[6]


[1] التصويب عند الاشاعرة كما نسب اليهم " انه ليس في الحكم الا حكم المجتهد " أي انه ليس هناك مصلحة واقعية. اما ما هو مشهور عند المعتزلة: هو ان يكون هناك مصلحة للواقع وعندما تقوم الامارة يصبح هناك مصلحة بمتعلق الامارة اقوى من مصلحة الواقع فينقلب الواقع إلى مصلحة اخرى. وهناك نوع من التصويب وهو ما ذكر من المصلحة السلوكية التي ذهب اليها الشيخ الاعظم الانصاري (ره)، وسنتعرض لاحقا للفرق بين المصلحة السلوكية التي هي انه في سلوك الامارة مصلحة ولو كان للتسهيل وغير ذلك، والتصويب المعتزلي هو ان تقوم المصلحة في متعلّق الامارة. فيكون الفرق في ما هو مصب المصلحة
[2] تهذيب الأصول، السيد عبد الأعلى السبزواري، ص196.
[3] استطراد: كمثال في مسلسل " سبرمان " الامريكي الشعار كان في اول المسلسل كأنشودة : " انا الفتى الخارق ادافع عن الحرية والعدالة ونمط الحياة الامريكية " الحرية والعدالة مطلبان كل الناس تطلبهما وتحبهما، لكن الصاق نمط الحياة الامريكية من قال انه مطلب الناس. والحرية كيف تكون؟ هل هي السماح للنساء بالسفور او غيره، الحرية بمفهومها امر كلي وكل العقلاء يريدونه اما المشكلة في الحرية هي في التطبيق، وكذلك العدالة.
[4] كما إذا توهم المجتهد ان منى المرأة هو هذه البويضة التي هي مقابل مني الرجل، بناء على حجية الظهور افتي بعدم وجود المني للمرأة. هذه النقطة خارجة عن هذا البحث.
[6] المصدر السابق. الكلام اصلا في الاجزاء: ان الفتوى السابقة ظنية من باب الامارات وبعد مدة ظهر ان هناك امارات واصول اخرى ظني ايضا. اما إذا كانت هناك امارت واصول وقطعت ببطلانها يكون هنا خارج محل بحث الاجزاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo