< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الإجزاء مع الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري
نكمل الكلام في معنى الطريقية ومعنى السببية والمصلحة السلوكية، ومعنى الأمارة ومعنى الأصل.
قلنا أن الامارة ما كان كاشفة عن واقع بنحو ظني لا قطعي، والخبر الواحد احد الامارات، والشهرة أمارة والسير الظنية أمارة، والظن المطلق أمارة، والأصول اللفظية أمارات.
إلفات: فرق بين ماهية الخبر والأمارة، وبين السبب في حجيّته واعتباره عند الناس، وبين الحكمة من اعتباره.
فإن ماهية الخبر أو جوهر الأمارة كما ذكرنا سابقا هي ما كان لسانه لسان كشف عن واقع.
وأما الاعتبار فهو لحاظ الجمع بين خطّين: الأقربية للواقع وكثرة إصابته له، والأسهلية في تبادل المعلومات، وأما الحكمة من الاعتبار فهي الحاجة البشرية التي جعلتهم يأخذون ببعض الظنون. وسيأتي هذا المطلب في بحث حجية الخبر.[1]
تنبيه: عندما قلنا إن الخبر ماهيته الكشف عن واقع فهو التفاف على بعض الأساطين الذي أشكل على قولهم: " إن الأمارة ما كان لسانها لسان كشف عن واقع ". فقد أشكل عليه بأن المسألة ليست مسألة ألفاظ ولسان، ولذا قلنا إن المسألة ليست مسألة لسان، بل قد يكون الخبر بلسان أو ما بحكمه كالإشارة.
أما المراد من السببية: هي أن تكون الأمارة سببا لتأسيس مصلحة لم تكن موجودة قبل قيام الأمارة، والقول بالسببية يلتقي مع القول بالتصويب، سواء كان التصويب هو القول بأنه: " لا رأي في الواقع إلا رأي المجتهد، أو القول بأن الواقع يتبدل لو قام رأي المجتهد على خلافه ". والسرّ في هذا الالتقاء أنه مع إنشاء مصلحة بناء على السببية فإن هذه المصلحة تكون مبدأ لإنشاء حكم واقعي، وهذا هو التصويب بناء على تفسيريه.
المصلحة السلوكية: وهي ما ذهب إليه الشيخ الأعظم (ره)، وهي: أنه في نفس سلوك الامارة تنشأ مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع.
والذي أؤيده هو أن الخبر بل كل الأمارات جوهرها وماهيتها هي على نحو الطريقية، وهي مجعولة على ما هي
عليه عن العرف، ودليل اعتبارها لا يخرجها عن ذلك. وسيأتي ذلك عند البحث عن حجيّة الأمارات.
أما الأصول: الأصل: ما يرجع إليه عند الشك، ويعبر عن أيضاً بالأصالة، وذلك مثل أصل البراءة، وأصالة البراءة. وفي مصطلح القانون الوضعي يساوق كلمة " مبدأ " أو " مرجع " وقد استعمل الأصل في علمي الأصول والفقه بمعان متعددة:
- فهو ما يرجع إليه من غير الأحكام الشرعية، وذلك إذا استعمل في مقابل القاعدة، إذ القاعدة هي حكم كلي لموضوع عام.
- وهو مجرد وظيفة عملية للشاك في الحكم الشرعي، لا تنظر إلى كشف عن واقع أصلاً، وذلك إذا استعمل مقابل الأمارات. وحينئذٍ يسمّى بالأصل العملي، وهو الإستصحاب والإحتياط والبراءة والتخيير وغيرها.
- وهو مسلك عقلائي لتنقيح المراد من الألفاظ، وهو حينئذٍ يسمّى بالأصل اللفظي، كأصالة العموم والإطلاق والحقيقة والظهور.
- وهو مسلك عقلائي لتنقيح حال المتكلم، كأصالة الجهة، وأصالة السند، وأصالة التطابق.
- وهو مسلك عقلائي لتنقيح حال اللفظ كأصالة عدم الإشتراك، أي عدم وضع اللفظ لمعنى آخر.
- وهو مسلك عقلاني لتنقيح حال الأشياء، كأصالة العدم الأزلي عند الشك في حدوث شيء.
- وقد يستعمل بمعنى القاعدة كأصالة الطهارة والحلية.[2]
ونعود لنقول: إن الأصول اللفظية هي من الأمارات، وأما الأصول العملية سواء ما كان منها يجري لأثبات أصل التكليف أو متعلّق التكليف فليست من الأمارات، بل المراد منها: ما لم يكن لسانها لسان كشف عن واقع، بل هي مجرّد وظيفة عمليّة للشاك والجاهل، ولذا أخذ الشك في موضوع الأصل دون الأمارة.
قد يقال: ولكن الأمارة أيضا لا بد أن تكون ظنيّة، ولا تصل إلى مرحلة القطع، وعليه لا بد من الشك فيها أيضا، فما الفرق بينها وبين الأصل؟
فإنه يقال: إن الشك مأخوذ في الأصل موضوعا، بينما هو مأخوذ في الأمارة موردا.
غدا أن شاء الله نبين الفرق وكيف نستطيع استنباط الأمارة أو الأصل من النصوص الشرعية.


[1] الأصل أخذ المعلومات وتبادلها على نحو القطع وإلا لا نأخذ بها، ولكن لما كان العلم متعسرا بل غالبا غير ممكن، اعتمد الناس لسد حاجة تبادل المعلومات وإيصالها على أمور سموها امارات، واعتمدوا على الخبر إذا كان خبر ثقة لا لأنه يورث قطعا ويقينا وعلما بل انه يورث ظنا ولكن لاحظوا عدّة أمور اجتمعت بكسر وانكسار بان الخبر قريب للواقع واسهل وايسر من غيره لحصول المعرفة. وقال بعض الاساطين ان الحكمة او سبب الاعتبار هي كثرة الإصابة، ولكن كثرة الإصابة تبقى ظنا ولا تجعله حجة ولا دافعا عند الناس لاعتباره، بل لا بد من دافع آخر وهو سهولة تبادل المعلومات بواسطته أي سهولة تحصيل الغرض.
[2] وسيلة المتفقهين، السيد عبد الكريم فضل الله،. ج1، ص16

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo