< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الإجزاء
سنبيّن لاحقا أن كل هذا البحث ناشئ عن وجود أمرين: أن هناك أمرا واقعيا وأمرا اضطراريا. ولكن في الواقع هذه المسألة تحتاج إلى تأمل، هل هناك أمران أم أمر واحد؟ من قبيل وجوب الصلاة، إذا كنت حاضرا فاربع ركعات وإذا كنت مسافرا فركعتان في الرباعية. فالأمر هو نفسه، الأمر بمقدمتين فليس هناك أمران، وكل الأبحاث في الأصل اللفظي والأصل العملي مبنية على ان هناك امرين لا أمر واحد.
أما الاتيان بالمأمور به على وجهه هل يجزي عن أمر نفسه؟ ومن فروعها مسألة الامتثال بعد الامتثال:
لا شك في الإجزاء في هذه المسألة لاستقلال العقل بذلك كما صُرح، نعم هل يمكن الامتثال بعد الامتثال؟
يقول صاحب الكفاية (ره): إن الاتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي [1]، بل بالأمر الاضطراري أو الظاهري أيضا يجزي عن التعبّد به ثانيا لاستقلال العقل بأنه لا مجال مع موافقة الأمر بإتيان المأمور به على وجهه لاقتضاء التعبّد به ثانيا [2]. نعم لا يبعد أن يقال بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبّد ثانيا بدلا عن التعبّد أولا لا منضما إليه كما أشرنا إليه في المسألة السابقة، وذلك فيما إذا عُلم أن مجرد امتثاله لا يكون علّة تامة لحصول الغرض وإن كان وافيا به لو اكتفى به، كما إذا أتى بماء أمر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد، فإن الأمر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد، ولذا لو أهرق الماء واطلع عليه العبد لوجب عليه إتيانه ثانيا، كما إذا لم يأتي به أولا، ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه وإلا لما وجب حدوثه، فحينئذ يكون له الاتيان بماء آخر موافق للأمر، كما كان له قبل إتيان الأول بدلا عنه. نعم فيما كان الاتيان علّة تامّة لحصول الغرض لا يبقى موقع للتبديل، كما إذا أمر بإهراق الماء في فمه لرفع عطشه فأهرقه، بل لو لم يعلم أنه من أي القبيل فله التبديل باحتمال أن لا يكون علّة فله إليه سبيل. ويؤيد ذلك بل يدّل عليه ما ورد من الروايات في باب إعادة من صلّى فرادى جماعة وأن الله يختار أحبهما إليه.[3] انتهى.
هذه المسألة حررناها تبعا لمسألة المرّة والتكرار، ونحن هنا نعيد باختصار ذكرنا هناك كلام السيد الخوئي (ره) وكلام صاحب المعالم والسيد الخميني (ره) وبعض المقدمات، ووصلنا إلى نتيجة في المختار: أن الامتثال بعد الامتثال لا يجوز لكن الاتيان بالأمر مع بقاء المحبوبيّة يجوز.
قلنا إن هناك ثلاثة أقوال:
الأول: الامتثال بعد الامتثال، ومن الذاهبين إليه صاحب المعالم (ره) كما مرّ في كلامه.
الثاني: عدم صحة الامتثال بعد الامتثال، كما هو عليه مجمل المتأخرين.
الثالث: التفصيل بين تحقق الغرض الأقصى فلا يصح الامتثال لسقوط الغرض، وبين عدمه فيصح، وذلك كما لو طلب الآمر كوب ماء، فامتثل المأمور وأتى بكوب، فهل يصح للمأمور أن يأتي بكوب آخر فيما لو كان الماء أصفى وأنقى، أو أن يستبدل كوبا بكوب؟ يفصل صاحب الكفاية (ره) بين شرب الآمر للكوب الأول – وهو ما يسميه بالغرض الأقصى - وبين عدم شربه، فلا يصح الامتثال الثاني في الحالة الأولى، ويصح في الحالة الثانية.
- من قال بصحة الامتثال بعد الامتثال، استدل بروايات إعادة الصلاة جماعة بعد صلاتها فرادى وأن الله يختار أحبهما إليه، وبروايات إعادة صلاة الكسوف طالما الآية باقية.
واجيب عن الأولى بأن الإعادة أمر استحبابي وموضوعه الإعادة، ولو كانت من الامتثال لكانت واجبة، وهي ليست كذلك قطعا.
واجيب عن الثاني أن صلاة الآيات متعلّقة لأمرين: أحدهما أمر وجوبي والآخر استحبابي، غاية الأمر أن الأول تعلّق بصرف طبيعة الصلاة والثاني تعلّق بها بعنوان الإعادة.
- أما من قال بعدم صحة الامتثال بعد الامتثال، فقد استدل السيد الخوئي (ره) في محضرات الاصول: بان مقتضى تعلّق الأمر بالطبيعة بدون تقييدها بشيء كالتكرار أو نحوه حصول الامتثال بايجادها في ضمن فرد ما في الخارج لغرض انطباقها عليه قهرا، ولا نعني بالامتثال إلا انطباق الطبيعة المأمور بها على الفرد المأتي به في الخارج، ومعه لا محالة يحصل الغرض ويسقط الأمر، فلا يبقى مجال للامتثال مرة ثانية لغرض سقوط الأمر بالامتثال الأول. [4]
وهنا ملاحظتان: الأولى: قوله " بدون تقييدها بشيء كالتكرار ".
ويرد عليه: أن تقييد المأمور به بمعنى دخول القيد في المطلوب مهما كان هذا القيد سواء كان التكرار أم غيره، فالامتثال الثاني يجب أن يلاحظ فيه هذا القيد. نعم لو كان هو التكرار لاتحد في النتيجة مع الامتثال المتعدد، ولكن هذا شيء آخر، لأننا ذكرنا أن الفرق بين مسألة الإجزاء وغيرها، هو أن الغير يحدد موضوع الإجزاء.
الملاحظة الثانية: هي أن الامتثال لغة ليس مجرد انطباق الطبيعة المأمور بها على الفرد المأتي به، بل الامتثال يكون مع لحاظ أمر الآمر، والاتيان هو مجرد وجود الفرد. أي أن هناك فرقا بين الاتيان والامتثال وهذا له اثر في المختار.
غدا عن شاء الله نكمل دليل القول الثالث وبيان الخلل فيه، ثم المختار.
وملخصا نقول: ان الامتثال بعد الامتثال محال، نعم الاتيان بعد الامتثال ممكن بشرط بقاء الحسن والمحبوبية في المأمور به.


[1] ملخص كلامه: ان الغرض الأقصى تارة يتحقق وتارة لا يتحقق، مثلا: عندما اطلب شربة ماء وأهرق الماء استطيع ان اتي بكوب ماء آخر لأنني لم اشرب، فالغرض الأقصى وهو الشرب لم يتحقق فاستطيع ان امتثل ثانية.
[2] إذن الامتثال الأول صحيح على خلاف ما نسب إلى بعض العامة فإنه حينئذ يلزمه استحالة الامتثال إذا لم يتم الامتثال الأول لن الامتثال الثاني والثالث كذلك فيستحيل الامتثال، وثانيا يلزم من الخلف لوجود المعلول بلا علّته كما مرّ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo