< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/12/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الإجزاء
بعد التذكير بأن الدرس والعمل خير من التعطيل والتذكير بما مرّ في الدرس السابق، نعود لصاحب الكفاية (ره) حيث يقول: الظاهر أن المراد من الاقتضاء ها هنا الاقتضاء بنحو العليّة والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة [1]، ولذا نسب إلى الاتيان لا إلى الصيغة .[2]
إن قلت: هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره، وأما بالنسبة إلى أمر آخر كالإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري بالنسبة إلى الأمر الواقعي فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الإجزاء، أو بنحو آخر لا يفيده.
قلت: نعم لكنه لا ينافي كون النزاع فيهما كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدّم، غايته أن العمدة في سبب الاختلاف فيهما إنما هو الخلاف في دلالة دليلهما، هل إنه على نحو يستقل العقل بأن الإتيان به موجب للإجزاء ويؤثر فيه وعدم دلالته، ويكون النزاع فيه صغرويا أيضا، بخلافه في الإجزاء بالإضافة إلى أمره، فإنه لا يكون إلا كبرويا [3]، لو كان هناك نزاع كما نقل عن بعضهم فافهم. انتهي.[4]
نقل عن عبد الجبار المعتزلي وابي هاشم الجبائي المعتزلي، قولهما بعدم إجزاء الاتيان بمتعلق كل أمر بالنسبة إلى ذات الأمر [5]، وهذا خلاف غير معتد به بعد استقلال العقل بذلك، وذلك لعدم إمكان الامتثال على القول بعدم الإجزاء لأن الامتثال الثاني لذلك [6]، ولزوم تخلف المعلول عن علّته حيث يوجد الحكم بلا غرضه بعد سقوط الغرض بالامتثال.[7]
السيد الخميني (ره) ناقش في مناهج الوصول ج1 ص 299 كلام صاحب الكفاية (ره): كون الاقتضاء بمعنى العلّة والتأثير، فقال ملخصه: بأن الإتيان ليس علّة بالمعنى التكويني الخارجي للإجزاء، وليس مؤثرا فيه، لأن الإجزاء إن فسِّر بـ " الكفاية "، فالكفاية معنى انتزاعي، والمعنى الانتزاعي معنى لا تأصل له في الخارج كي يكون مورد للتأثير والتأثر والعلّية والمعلولية. وإن فسِّر بمعنى إسقاط الأمر ونحوه، فإن الاتيان ليس علّة مؤثرة في الاسقاط، بل الأمر لما صدر لأجل غرض وهو حصول المأمور به، فبعد حصوله ينتهي اقتضاء بقائه، لأن الأمر مسبب عن الغرض في عالم الاقتضاء، ومع سقوط المقتضي وهو الغرض يسقط الأمر [8]. فالأولى في العنوان أن يقال: إن الإتيان بالمأمور به هل هو مجز أم لا؟ [9]
السيد الخوئي (ره) من جهته ذكر هذا المعنى أيضا في المحاضرات ح2 ص 222 حيث قال ملخصا: إن غرض المولى متعلّق بإتيان المأمور به بكافة أجزائه وشرائطه [10]، فإذا أتي المكلّف بالمأمور به كذلك حصل الغرض منه لا محالة وسقط الأمر، ضرورة أنه لا يعقل بقاؤه مع حصوله، كيف حيث إن امده بحصوله، فإذا حصل انتهى الأمر بانتهاء أمده، وإلا لزم الخلف [11] أو عدم إمكان الامتثال أبدا، وهذا هو المراد من الاقتضاء في عنوان المسألة لا العلّة التكوينية الخارجية كما هو واضح.[12]
واما المراد من الإجزاء:
سأورد ما ذكره السيد الخوئي (ره) فهو كاف في المسألة في المحاضرات ج2 ص 222: لم يثبت للإجزاء معنى اصطلاحي خاص في مقابل معناه اللغوي ليكون هذا المعنى الاصطلاحي هو المراد منه في المقام، بل المراد منه هو معناه اللغوي وهو " الكفاية "، غاية الأمر أن متعلّقها يختلف باختلاف الموارد، فقد يكون متعلّقه القضاء، وقد يكون الإعادة، [13]فإجزاء المأتي به عن المأمور به هو كفايته عما أمر به إعادة وقضاء، أو قضاء فقط فيما إذا دلّ على وجوب الإعادة دونه،..... [14]
نكمل غدا ان شاء الله


[1] على نحو الكشف والدلالة يكون من مباحث الالفاظ.
[2] وهذا يختلف عن قوله: " ان الامر يقتضي الأجزاء " ليكون من مباحث الالفاظ. فكلمة " الاتيان " تدل على ان الصيغة ليس لها علاقة بالإجزاء.
[3] أي في مسألة الأجزاء عن امر نفسه.
[5] نقل عن بعض المعتزلة انه لا يجزي، واستدلوا على ذلك بالامتثال بعد الامتثال، وبالنسخ. نقول: ان هذه المسالة كلامية وردها سهل .
[6] بحثنا هذه المسألة في صيغة الامر في مسألة الامتثال بعد الامتثال، ووصلنا إلى ان هذا محال عقلا نعم، لكن قلنا ان الاتيان بعد الامتثال ممكن في بعض الحالات.
[7] فائدة: متى يسقط الامر: يسقط الامر عند امتثاله. وعند تغير موضوعه او انتفائه. وعند سقوط الغرض. وعلى وجه غير تام عند العصيان. والتخصيص بالازمان والنسخ من باب تغير الموضوع في واقع الامر.
[8] تذكير: قلنا ان الأمور في التصور أربعة اقسام: امران متأصلان وامران غير متأصلين. والمتأصل هو ما كان له اصل وواقع حقيقي في الخارج. الأول المتأصل في الخارج هو الجوهر، والمتأصل الثاني هو العرض، جمعت المقولات العشرة في بيتين من الشعر: .
زيد الطويل الأزرق ابن مالك في داره ذا اليوم كان متكي بيده عصن لواه فالتوى فهذه عشر مقولات سوى.
زيد هو الجوهر، والباقي هي المقولات التسع أعراض: الطويل، الازرق، الكم والكيف. ابن مالك الاضافة. في داره الظرف والمكان. ذا اليوم، الزمان. كان متكي، الوضع. بيده، الاختصاص. غصن، العدد، لواه فالتوى، الفعل والانفعال.
وغير المتأصلين هما الانتزاعي والاعتباري. الانتزاعي ليس له في الواقع أي وجود خارجي، ولكن له منشأ انتزاع، مثلا: الفوقية.
والاعتباري ليس له لا اصل ولا منشأ انتزاع في الخارج من قبيل الزوجية والملكية، نعم هناك للأمر الاعتباري أسباب.
الانتزاعي والاعتباري امران يكونان موضوعين لأحكام، ولا يمكن ان يؤثرا أو يتأثرا لعدم وجود واقع لهما في الخارج يكون موردا للتأثر والتأثير
[10] سواء كانت شرعية أو عقلية.
[11] الاتيان بالمأمور به عن امر نفسه يسقط الامر وإلا إذا لم يسقط اقتضى بقاء المعلول بلا علّته، بقاء الامر بلا غرضه.
[13] تذكير: معنى الأجزاء يختلف باختلاف الاهتمامات، كما في مسألة الصحة والفساد في باب الصحيح والاعم. قلنا ان معنى الصحة يختلف بحسب الاهتمام. فالأصولي فسّر الصحة بمعنى تمام الأجزاء والشرائط، المتكلم فسّرها بمعنى سقوط الامر او الاقتضاء للثواب والعقاب، الفقيه فسرها بمعنى الإعادة او القضاء في العبادات، وتمام الأثر في المعاملات. ولما كان الأصول ينقح كبريات المسائل الفقهية صار اهتمام الفقهاء في مسألة الأجزاء هو الإعادة والقضاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo