< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/08/03

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: دلالة صيغة الأمر على المرّة والتكرار

والكلام في مسألتين: تارة في الدلالة على المرّة والتكرار، وأخرى في جواز الامتثال بعد الامتثال.
أما في المسألة الأولى: قلنا ان المرة والتكرار لم ترد في نص حتى نبحث معنى الكلمة، ولكي لا يتكلم كل من الأصوليين في وادٍ فُسّر محل النزاع عندهم على ثلاثة:
-الفرد والأفراد، بمعنى الفرد بقيد الوحدة.
-الوجود والوجودات، بمعنى أن المطلوب هو الطبيعي، وهو وإن تحقق في فرد إلا أنه لا بخصوصيته الفردية، فيفترق بهذا عن الاول.
-الدفعة والدفعات.
استدل للتكرار بوجوه ذكرها صاحب المعالم (ره):
أ‌-تكرار الصلاة في كل يوم، والصوم في كل سنة. [1]
وأشكل عليه المحقق العراقي في نهاية الأفكار قال: بأن التكرار إنما هو من جهة اقتضاء الشرط لتعدد الوجود عند تكراره حسب إناطة وجوب الصوم بدخول شهر رمضان، وإناطة وجوب الصلاة بدخول الوقت، لا من جهة اقتضاء الأمر التكرار.
ب‌-مقايسة باب الأوامر بباب النواهي:
وذلك أن مقتضى إطلاق الهيئة في النواهي هو الدوام والاستمرار بملاحظة اقتضاء إطلاقها سعة دائرة النهي للوجودات العرضية والطولية، ومبغوضيته الطبيعية بوجودها الساري في جميع الأفراد، فكذلك في الأوامر.
وأشكل عليه بأنه لا دلالة للنهي على التكرار كما لا دلالة للأمر، رغم وحدة المتعلّق، ضرورة أن متعلّق النهي لا ينعدم إلا بانعدام جميع الأفراد اما متعلّق الأمر فيوجد بوجود فرد واحد.
ج- استدل على التكرار بقوله (ص) " إذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم ".
واشكل عليه: أن نص الرواية هكذا: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد انا الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال خطبنا وقال مرة خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس ان الله عز وجل قد فرض عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه. [2]
فالاستدلال بـ " فاتوا منه ما استطعتم " " فاتوا " صيغة امر ظاهرة في الوجوب، وكأن الاستدلال ليس بالمعنى اللغوي للصيغة، وكأن هناك جعل شرعي، حقيقة شرعية للصيغة تقتضي التكرار. أما الاستدلال الأول استدلال لغوي، الصيغة ماذا تقتضي.
لكن الانصاف أن هذا الإستدلال غير متوجه، إذ مفاد الحديث أنه لو كان الحج مستطاعا كل عام لوجب، وهذا يقتضي قاعدة عامة وهي أن كل مأمور به يجب تكراره عند الاستطاعة.
والجواب: أن هذا الحديث غير ناظر للتكرار، بل وزانه وزان " ما لا يدرك كله لا يترك كله ".
د- واستدل للتكرار أيضا بما ذكره صاحب المعالم (ره) : أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه، والنهي يمنع عن المنهي عنه دائما، فيلزم التكرار في المامور به.
وأجاب عنه (ره) بقوله: بعد تسليم كون الأمر بالشيء نهيا عن ضده [3]، أو تخصيصه بالضد العام، وإرادة الترك منه، منع كون النهي الذي في ضمن الأمر مانعا عن المنهي عنه دائما، بل يتفرع على الأمر الذي هو في ضمنه، فإن كان ذلك دائما فدائما، وإن كان في وقت ففي وقت مثلا: الأمر بالحركة دائما يقتضي المنع من السكون دائما، والامر بالحركة في ساعة يقتضي المنع من السكون فيها لا دائما. [4]
دليل من قال بالمرّة:
يقول صاحب المعالم (ره): واحتجّ من قال بالمرّة بانه: إذا قال السيد لعبده " ادخل الدار " فدخلها مرّة عدّ ممتثلا عرفا، ولو كان للتكرار لما عُدّ.
والجواب: أنه إنما صار ممتثلا لأن المأمور به - وهو الحقيقة – حصل بالمرّة لان الأمر ظاهر في المرّة بخصوصها إذ لو كان كذلك لم يصدق الامتثال فيما بعدها،[5] ولا ريب في شهادة العرف بأنه لو أتى بالفعل مرّة ثانية وثالثة لعدّ ممتثلا وآتيا بالمأمور به [6]، وما ذاك إلا لكونه موضوعا للقدر المشترك بين الوحدة والتكرار، وهو طلب إيجاد الحقيقة، وذلك يحصل بأيهما وقع. انتهى كلامه رفع مقامه.
غدا ان شاء الله سنعلق على ثلاثة نقاط: طلب الحقيقة، مسألة الامتثال بعد الامتثال، وكونها موضوعا للقدر المشترك، حتى لو قلنا بان اللفظ موضوع للطبيعة.


[1] نلاحظ ان القدماء يستدلون بالأمثلة، بالأفراد، بالوقائع.
[2] مسند احمد، احمد بن حنبل، ج 2، ص 508.ط دار صادر.
[3] تذكير: في الملازمات العقلية قالوا ان الامر بالشيء ينهى عن ضده العام أو الخاص، هل هي مسألة عقلية ام لفظية؟ أما الضد العام والضد الخاص فمثلا: اقم الصلاة، ضدها العام هو ترك الصلاة، وضدها الخاص هو الاكل والشرب. .
[4] نذكر هنا ان أهمية المعالم تكمن في وضوح الفكرة والنص، وبانها تلخص وتربطك بالأصول القديمة، تعتبر مفصل أساس بين الأصول القديمة والحديثة. .
[5] هذه المسألة ستنفعنا في مسألة الامتثال بعد الامتثال. .
[6] وهذه خلاف صاحب الكفاية (ره) والسيد الخوئي (ره) ومشهور الأصوليين حديثا، فالامتثال تم بالأول والثاني ليس امتثالا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo