< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/07/28

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النفسي والتعييني والعيني.

ملخص ما ذكرنا أمس: انه إذا اردت ان تأمر أمرا عينيا لست بحاجة إلى اكثر من صيغة " أقيموا الصلاة " " انت اقم الصلاة "، أما إذا اردت أن تأمر أمرا كفائيا " اقيموا الصلاة انتم أو غيركم " تحتاج إلى قول انت أو غيرك، فالكفائي يحتاج إلى قيد زائد، وكذلك التخييري كالكفارة التي تحتاج إلى بيان زائد كأعتق رقبة أو اطعم ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين. من هنا كل ما يحتاج إلى بيان زائد فعند الاطلاق الأصل عدمه، لأنه في مقام بيان وأمكن ان يبين ولم يبين، ولذلك قالوا ان العرف اللغوي وهو المرجع في هذه المسائل لأنها الفاظ وظهورات، وعند الشك في المراد الجدي نذهب إلى عدم القيد الزائد يعني نذهب إلى النفسي والعيني والتعيني. في مقام الوضع اللفظ صيغة " افعل " هي موضوعة للنفسي وللغيري وأيضا في التعيني والتخييري، اما في مقام المراد الجدي فالأصل الاطلاق وعدم البيان الزائد.
نكمل ومن الطرق التي ذكرت لاستفادة النفسي:
منها: دعوى انصراف الذهن عرفا إلى العيني لاسيما عند توجيه الخطاب إلى الافراد، بعبارة أخرى: هو انسباق إلى بعض حصة الكلي، والكلي يشمل النفسي والغيري، فينصرف الذهن إلى النفسي.
هل هناك فرق بين ظهور اللفظ في النفسي بالإطلاق، وظهور النفسي بالانصراف او لا؟
والفرق بين الانصراف والاطلاق الاصطلاحي، ان الاطلاق يحتاج إلى مقدمات الحكمة كأكرم العالم، الحكم مسلط على ماهية العالم، ولو أراد حصة خاصة من العلماء لبيّن، وبانطباق العالم على كل الافراد فاستفيد العموم بإطلاق اللفظ. فأكرم العالم كي تشمل جميع الافراد أحتاج إلى مقدمات الحكمة.
أما الانصراف فهو انسباق للذهن يشبه في ذلك التبادر، ولا يحتاج إلى مقدمات الحكمة، لأن المتبادر إليه وهو المعنى الحقيقي ينسبق بنفسه ولا نحتاج إلى المرور بمقدمات الحكمة.
بعبارة أخرى: الاطلاق له معنيان: معنى اصطلاحي، ومعنى لغوي عرفي. مرّة إطلاق اللفظ بمعنى تلفظه، وكلامنا ليس في هذا المعنى. وأخرى الاطلاق بالمعنى الاصطلاحي الذي يتم بمقدمات الحكمة بعد انطباق العنوان على كل افراده ثم تأتي المقدمات الثلاثة. أما في الانصراف ليس هناك انطباق للفظ على كل الماهية ثم تنطبق على كل افرادها، فلا نحتاج إلى مقدمات الحكمة.
وفيه: إن دعوى الانصراف عهدتها على مدّعيها، سيما ان الانصراف يحتاج إلى قرينة مستمرة معه كما عبّروا " من حاق اللفظ " وهي إما كثرة الوجود وإما كثرة الاستعمال. وكثرة الاستعمال في النفسي ممكنة كأحكام شرعية، ولكن كعرف عام لم تصل إلى كثرة بحيث تؤدي إلى تلاصق في الذهن. نعم لا يوجد كثرة استعمال أو وجود في التخييري والغيري.
ومنها: الأخذ بإطلاق دليل الواجب النفسي المقيّد، كالصلاة مثلا لإثبات نفسية المشكوك كالطهارة، فندفع كل ما يحتمل أن يكون قيدا له كالطهارة واستقبال القبلة أو نحو ذلك، ولازم هذا هو أن الواجب المحتمل دخله فيه كالطهارة مثلا، نفسي، وهذا اللازم حجة في باب الأصول اللفظية، لأنها امارات. وقد ذهب إلى ذلك السيد الخوئي (ره) فهو ينطلق من إطلاق المقيّد حتى يصل إلى نفسية القيد.
بيانه: مثلا: اشك باشتراط صحة الصلاة بجلسة الاستراحة، بإطلاق لفظ الصلاة اطرد قيد جلسة الاستراحة او أشل باشتراط صحة الطهارة بالطهارة، فاطرد اشتراط الطهارة أو غيره من الشروط المشكوكة لأن الصلاة تنطبق على كل الافراد، هذا يلزمه ان الطهارة أو الجلسة لو كانت واجبة لا تكون مرتبطة بالصلاة، فعدم ارتباطها بالصلاة يعني عدم غيريتها، أي ان وجوبها نفسي لو كانت واجبة.
وهذا صحيح وينفعنا في كيفية إثبات الوجوب النفسي، ولا ينفعنا في تنقيح مقتضى الإطلاق، لان كلامنا في القيد في صيغة " افعل " في نفس الطهارة " فاغسلوا وجوهكم ".
ومنها: حكم العقلاء، وقد ذهب إليه السيد الخميني (ره) وذلك بعد أن استشكل في جريان مقدمات الحكمة فقال: إذا شك في كون الوجوب نفسيا، تعينيا، عينيا، أو مقابلاتها، فالظاهر لزوم الحمل عليها دون المقابلات، لأن أمر المولى وبعثه بأي دال كان تمام الموضوع عند العقلاء، لوجوب الطاعة، فإذا تعلّق امر بشيء يصير حجة عليه، فإذا عدل المكلف إلى غيره باحتمال التخييرية، أو تركه مع إتيان الغير باحتمال الكفائية، أو تركه مع سقوط الوجوب عن غيره باحتمال الغيرية، لا يكون معذورا لدى العقلاء.[1]
هذا الدليل عقلائي [2] على ان اللفظ ظاهر في النفسي التعيني العيني، لان السيد الخميني (ره) في ظهور صيغة افعل قال انها ظاهرة في الوجوب بحكم العقلاء، لا بحكم العقل ولا بالانصراف نحو الفرد الاكمل ولا بالوضع.
هذا كله على صعيد الأصل اللفظي، عند إطلاق اللفظ بصيغة الامر فهو ظاهر في النفسي التعيني العيني، مقابل الغيري والكفائي والتخييري، بأدلة ذكروها: إما إطلاق اللفظ الذي يحتاج إلى مقدمات الحكمة، أو بالانصراف، أو بإطلاق المقيّد فاستفيد نفسية القيد، أو بحكم العقلاء.
وأما على صعيد الأصل العملي مع فقد كل هذه الأدلة، فقد يقال بجريان أصالة الاشتغال في حال تعلّق الأمر بفعل وشككنا في كونها تخييريا، أو تعلق الأمر وشككنا في كونه كفائيا، فعمل المكلف في الأول بفرد آخر، وفي الثاني قام به شخص آخر، فقد يقال بأصالة الاشتغال لأن التكليف معلوم وأشك في سقوط الامتثال فيما لو قام به شخص آخر، ومع الشك في الامتثال تجري أصالة الاشتغال.
ولكن مع التأمل نجد أن الشك في أصل التكليف إذ التكليف مردد بين كونه متعلقا به، أو بي ولغيري على نحو الكفائي، ومع الشك في أصل التكليف بي تجري أصالة البراءة، فنحكم بحصول الامتثال فيما لو قام بالفعل شخص آخر، وهكذا التعييني والتخييري.
وأما النفسي والغيري، فإن قام علم إجمالي بينهما فلا بد من الاشتغال، وإلا فالبراءة.
غدا ان شاء الله نكمل بيان الأصل العملي.




[2] هو حكم عقلائي وليس حكما عقليا إذا أردنا التعبير الدقيق. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo