< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأوامر التعبدي والتوصلي.
- المختار.
- قصد الوجه والتمييز.
المختار: بعدما بيَّنا على أن مفهوم العبادة لا علاقة له بالأمر، بل هي سابقة عليه، فلا نحتاج لإثبات مفهوم العبادية إلى حكم العقل بعدم تحقق الغرض، وعليه فالمجرى هو مجرى أصالة الاحتياط لأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، وهنا نحن نقطع بصدور التكليف ونشك في حصول الامتثال مع عدم قصد العبادية، فالأصل الاشتغال حتى فراغ الذمّة. من قبيل تحنيط الميت إذا اتى به نصراني هل هذا التحنيط صحيح؟ إذا قلنا ان التحنيط تعبدي يكون التحنيط باطلا وعلينا الإعادة. وإذا قلنا بان التحنيط توصلي نحكم بالصحة. هذا مع وجود الأصل اللفظي، بعد فقد الدليل والامارة، وإلا وصلنا للأصل العملي وهو وظيفة المكلف عند فقد الدليل، العقل يقول ان هناك تكليفا يقينيا واتيت بالتحنيط من دون قصد العبادة، فلم اقطع بالامتثال فيجب أن اتي به بداعي امره حتى اتيقن من الامتثال. [1]
ونلخص ما مضى في الأصل اللفظي والعملي في اتجاهات بحسب المباني:
-من قال بأن قصد الأمر كبقية القيود، كان الأصل اللفظي الإطلاق، أما الأصل العملي فمبنائي، فمن ذهب في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين إلى البراءة ذهب إليها هنا كذلك، وإلا فالاحتياط.
-ومن قال بكون قصد الأمر يختلف عن بقيّة القيود حيث يحكم به العقل الذي يطلب تحقيق غرض المولى، فمع عدم الأصل اللفظي يأتي الاطلاق المقامي وإلا فالأصل العملي هو الاشتغال، وقد يقال بالبراءة.
-ومن قال بمقالتنا من كون العبادية مفهوما سابقا على الأمر ولا ينشأ منه فالأصل اللفظي هو الاطلاق مع صدق العنوان، ومع عدمه فالإطلاق المقامي، أما الأصل العملي فالاشتغال.

قصد الوجه والتمييز:
صاحب الكفاية (ره) ذكر ان كل ما ينشأ من الأمر هذا مساره، ويذكر تبعا لذلك مسألة الوجه والتمييز.
هل قصد الوجه والتمييز كمسألة داعي الامر يستحيل اخذهما في متعلّق الامر ونفس الإشكالات ترد هنا؟
يقول صاحب الكفاية (ره): وهكذا الحال في كل ما شك دخله في الطاعة، والخروج به عن العهدة، مما لا يمكن اعتباره في المأمور به كالوجه والتمييز [2]. نعم: يمكن أن يقال: إن كل ما ربما يحتمل بدوا دخله في امتثال الامر وكان مما يغفل عنه غالبا العامة، كان على الآمر بيانه، ونصب قرينة على دخله واقعا، وإلا لأخل بما هو همه وغرضه، أما إذا لم ينصب دلالة على دخله، كشف عن عدم دخله، وبذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتمييز في الطاعة بالعبادة، حيث ليس منهما عين ولا أثر في الاخبار والآثار، وكانا مما يغفل عنه العامة، وإن احتمل اعتباره بعض الخاصة. [3]
المراد من الوجه هو وجه الأمر من استحباب، أو وجوب، أو تعيين، أو تعين، أو تخييري، أو نفسي، او غير ذلك مما ينشأ من نفس الأمر، وله دخل في الطاعة والخروج عن العهدة مما لا يمكن اعتباره في المأمور به.
والمراد من التمييز تمييز المتعلق، مثلا: كون الركعات الأربع هي صلاة ظهر أم عصر [4]. ولكن لا نوافق في كون هذا مما لا يمكن اعتباره في المتعلّق.
الكلام في الدواعي الأخرى العبادية غير قصد الأمر:
يقول صاحب الكفاية (ره): هذا كله [5] إذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال. وأما إذا كان بمعنى الاتيان بالفعل بداعي حسنه، أو كونه ذا مصلحة [ أو له تعالى ]، فاعتباره في متعلق الامر وإن كان بمكان من الامكان، إلا أنه غير معتبر فيه قطعا، لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال، الذي عرفت عدم إمكان أخذه فيه بديهة. تأمل فيما ذكرناه في المقام، تعرف حقيقة المرام، كيلا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعض الاعلام.[6] انتهى.
وقد ناقش هذا الكلام بعض الاساطين، ولا داعي للتوسع في ذلك ولكن نشير إلى الأمثلة التي ذكرها صاحب الكفاية (ره) وغيره وهي الاتيان بالفعل بداعي حسنه، او كونه ذا مصلحة، أو غيرها كالطمع في الجنّة أو الخوف من النار، أو مطلق الفعل المنسوب إلى الله تعالى، كل هذه الأمثلة لا دخل لها في مفهوم العبادة، بنظري القاصر. فان أفعل الشيء لكونه ذا مصلحة ليس فيه عبادة للآمر به، وكذلك الأمثلة الأخرى.
كذلك ما ذكره من كون الاتيان له تعالى، أي كونه تعالى أهلا لذلك كما قال أمير المؤمنين (ع): " إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، ولكني وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك ".[7] وذكر في نهج البلاغة عنه (ع) أيضا تحت رقم 237- إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار.[8]
كل هذه الدواعي تكون في مرحلة متأخرة عن عبادية الفعل وقصدها جميعا لا يعتبر في العبادية كما أنه لا يؤدي إلى العبادية. إذن هناك جهتان: الجهة الأولى: هل قصدها يعتبر في العبادية؟ قالوا انها لا تعتبر في العبادية، الجهة الثانية: هل تحقق العبادة؟ نعم قالوا انها تحقق العبادية.
نحن نقول: انه لا تعتبر في العبادية نسلم بذلك. أما انها تؤدي العبادية نحن لا نسلم بذلك.
إلى هنا نكون قد انتهينا من مسألة التعبدي والتوصلي، اطلنا فيها لوجود الكثير من الفوائد، وكان لا بد من المرور عليها، وخصوصا بعض المفاهيم التي سنستفيد منها مستقبلا ولن نعود لبحثها كمسألة الاطلاق المقامي، والاشياء المفروضة الحصول وغيرها.

والحمد لله رب العالمين.


[1] استطراد: في بعض البحوث يبدأ الأستاذ اولا بتأسيس الأصل وهذا له أثر في تركيب الذهنية الاجتهادية، لذلك في كراس منهجية الاستنباط قلنا انه أولا يبحث عن علم وله خمسة أسباب، ثم يتنقل إلى العلمي وله اربع عشرة سببا، فإن لم نجد ننتقل للأصل اللفظي، ثم الأصل العملي. وفي الهندسة المدنية يقال ان المهندس يبدأ بدراسة وزن الطابق الأخير وبالتنفيذ يبدأ بالطابق الأول. ففي مقام الدراسة يجب أن نبدأ بالمنهجية الصحيحة وهي البحث عن العلم أو العملي، ولو بدأنا بتأسيس الأصل لتوجه الذهن إلى الأصل، ولا يركزّ ذهنه على تحصيل العلمي، الدليل والامارة، مع العلم أن الأدلة اللفظية هي الأساس. .
[2] حاله يختلف عن نفس الامر لانه يكون متأخرا رتبتين، فقصد الوجه ناشئ عن قصد الامر وقصد الأمر ناشئ عن الأمر، والامر دخيل في المتعلّق. .
[3] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص 75. استطراد: الأمور المأخوذة (القيود) تارة تكون مأخوذة في المتعلّق ولا مانع منها لانها في مرحلة سابقة عن الامر. وتارة مأخوذة من الامر كالوجه والتمييز. وتارة مأخوذة في الامتثال ولا مانع منها، وذلك ان هناك شروط للإمتثال، والامتثال هو تطبيق المفهوم على المصداق وهو مسألة عقلية عرفية. كما لو طلبت منك ان تأتي بالماء واتيت به من مكان بعيد، فتكون قد امتثلت، مع ان الآمر لم يكن ناظرا إلى المسافة. فهل يجوز ان يتدخل الآمر في قيود الامتثال؟ .
[4] ابن ادريس (ره) وكثير من القدماء يقولون بان قصد الوجه والتمييز مأخوذ في العبادة. فلو كان عنده ثوبان احدهما نجس، حاليا يقال ان الاحتياط يجوز في العبادات، فاصلي بالثوبين للتيقن من كون احدى الصلاتين صحيحة والعقل يحكم بذلك. اما ابن ادريس وغيره قالوا لا تصح، لانه لما كان قصد الوجه والتمييز شرطا في تحقق عبادية العبادة ولا يكفي احتمال ان تكون الممتثل بها هي المطلوبة بالاحتياط فلا يتحقق الامتثال الصحيح الا مع التمييز، قال بترك الثوبين والصلاة عاريا. .
[5] أي الاشكال على أخذ قصد الأمر في متعلّقه واستقلال العقل بوجوب تحصيل غرض المولى.
[7] مسند الامام علي (ع)، السيد حسن القبانجي، ج 10، ص 370.
[8] نهج البلاغة، خطب امير المؤمنين (ع)، شرح الشيخ محمد عبده، ج4، ص 53.
فائدة: ان لكلمة الحرية معنى عظيم وهو قيمة الانسان وليست بمعنى الحق المقدس كما هي في الفكر الغربي. عندنا في الإسلام الحرية قيمة الانسان ومن جوهره. والفرق بين الحق والقيمة، ان الحق يمكن التنازل عنه كبقية الحقوق الشخصية، اما الحرية عند المسلم فهي ارقى من ذلك، لذلك اذا اصبح حرا لا الجنة ولا النار ولا الخوف ولا الطمع تعني له شيئا، عندها يصبح حرا بحق فينطلق. لذلك هناك أناس لديهم قيم جيدة وكل إنسان لديه هذا المقتضي، والصلاة والصوم تغذي هذا المقتضي في نفسه. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo