< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأوامر التعبدي والتوصلي.
- الاطلاق المقامي.
- هل الاطلاق المقامي امارة أم أصل.
قلنا ان الأصل اللفظي هو الاطلاق، واستدل بعضهم عليه ببعض الآيات القرآنية كقوله تعالى: } بسم الله الرحمن الرحيم، وما خلقت الانس والجن إلا ليعبدون { [1]. هذه الآية لا تدل على الأصل اللفظي في مقامنا، لانها ليست في مقام بيان الأفعال انها عبادية أو غير عبادية، وإلا لو كانت كذلك لكان المفروض بالاستثناء والحصر ان نكون كل الوقت في عبادة الله عز وجل بالإرادة الربانية والالهية. وقوله تعالى: " إلا ليعبدون " غاية تكوينية من الخلق وليس إرادة تشريعية، والإرادة التكوينية ليست محل كلامنا، اما ما معنى " العبادة " هذه مسألة أخرى. وإلا لو كانت ارادة تشريعية للزم ان تكون الغالبية العظمة من افعالنا ونعلم انها توصلية خارجة عن عموم الخلق، هذا يعنى انه خروج الأكثر واستثناء الأكثر عرفا قبيح.
قلنا ان من يقول باستحالة اخذ الامر قيد في متعلّقه ويقول باستلزام استحالة التقييد لاستحالة الاطلاق لا يقول بوجود الأصل اللفظي فلا إطلاق، فلا بد حينئذ ان يذهب للأصل العملي، لكن قبل الرجوع للأصل العملي ابتكروا الاطلاق المقامي.
أولا: سنقرأ كلام صاحب الكفاية (ره). ثانيا: معنى الاطلاق المقامي. ثالثا: الدليل عليه. رابعا: ان الاطلاق المقامي اصل أو امارة، دليل اجتهادي أو فقاهتي، ونعلم ان لهذا التعيين ثمرة في التقديم والتأخير واللوازم.
الاطلاق المقامي:
قسموا الاطلاق على قسمين:
يقول صاحب الكفاية (ره) بعد نفي الأصل اللفظي: نعم إذا كان الآمر في مقام بيان تمام ما له دخل في حصول غرضه، وإن لم يكن له دخل في تعلّق أمره [2]ومعه سكت في المقام ولم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال في حصوله كان هذا قرينة على عدم دخله في غرضه، وإلا لكان سكوته نقضا له وخلاف الحكمة، فلا بد عند الشك وعدم إحراز هذا المقام من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل ويستقل به العقل. [3]
إذا كان المولى في مقام بيان تمام ما له الغرض، يعني تمام الأوامر ولم يأمر ولم يبيّن يعني انه لا يريده. هذا ما سموه بالاطلاق المقامي، اطلاق الحال. لذلك (ره) يقول إذا تم هذا المقام الامر - الاطلاق المقامي - انفي الامر بالقيد المشكوك بالاطلاق المقامي وإلا ذهبنا للاصل العملي.
الفرق بين الاطلاق اللفظي والاطلاق المقامي.
الإطلاق اللفظي: عندما يكون الآمر في مقام بيان كامل الأفراد والشرائط فيما له دخل في المتعلّق، وذلك بعدم تقييد لفظ المتعلّق بعد انطباق العنوان، هذه القيود تارة يبينها بأمر واحد، وتارة يبينها بأمر مستقل. تارة يكون متعلق الامر لفظ يمكن توسيعه وتضيقه أي تقييده وتارة لا يمكن. ان كان القيد يعود لنفس اللفظ يعني انه يقيد مفهوم اللفظ كما لو قال: " اعتق رقبة " فأقيد وأقول " مؤمنة " أكون قد قيدت اللفظ نفسه. هنا الاطلاق منشأه اللفظ نفسه أي له قابلية ان يقيّد وبمعونة مقدمات الحكمة الثلاث: أن يكون المتكلم في مقام بيان وأمكن ان يبيّن ولم يبيّن. أي عند الشك وبعد انطباق العنوان اجري مقدمات الحكمة التي تكون شرطا ضروريا لثبوت هذا الاطلاق.
الإطلاق المقامي: إذا كان المتكلم الآمر بيان جميع ما له دخل في الغرض ولم يبيّن المشكوك سواء أكان بأمر مستقل أم بغيره، وذلك عندما يكون المتكلم في مقام بيان تمام الافراد والشرائط، ولم يبيّن المشكوك بأمر مستقل، رغم أن عليه أن يبيّنه، وهذا على قسمين:
قسم يمكن تقييد اللفظ به، كأن يأمر بالصلاة فيبيّنها فيقول. اركع واسجد وطهر ثيابك وغير ذلك. وأشك في وجوب كون الثياب بيضاء، فأقول في مقام بيان ما له دخل وكان يستطيع أن يقيّد، فلا هو قيد الصلاة بها، ولا أصدر أمرا مستقلا به بذلك.
وكمثال من القرآن: } فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا { [4] حيث الشارع المقدّس في مقام بيان وظيفة المضطر، وكان يستطيع بيان وجوب الإعادة عند وجود الماء، ولما لم يبيّن نقول: هو في مقام بيان جميع الأوامر، ومع ذلك لم يبيّن فهذا إطلاق مقامي.
وقسم آخر عندما يمتنع تقييد اللفظ به، فلا بد أن يلجأ الآمر إلى بيان آخر وأمر آخر لاستيفاء كامل غرضه، وعندما لم يقيّد أقول: لو كان هناك أمر مقيّد لبيّنه، ولما لم يبيّن اتمسك بالإطلاق.


هل الاطلاق المقامي أصل أم أمارة؟
هل الاطلاق المقامي دليل اجتهادي[5] فيكون أمارة، أم هو دليل فقاهتي فيكون أصلا؟
لا شك أن أصالة الإطلاق اللفظي أمارة وهي دليل اجتهادي أما الإطلاق المقامي فهو عبارة عن ظهور الحال في عدم وجود أمر آخر. والظاهر أن العقلاء بينون عليه [6]، فيكون الحال والمقام مطلقا، ويتم نفي الأمر بهذه الاصالة العقلائية، والعقلاء يعاملونها كأمارة، فيكون الإطلاق المقامي دليلا اجتهاديا وأمارة.
لذلك لما كان الحكم عقلائيا ويؤدي إلى ظهور المقام في نفي الحكم فهو امارة لا أصل. فالاطلاق اللفظي والاطلاق المقامي كلاهما دليل اجتهادي وهو امارة.
إذن أصبح الفرق واضحا بين الاطلاق المقامي واستصحاب العدم، لانه قد يقال ان الاطلاق المقامي يعود لاستصحاب العدم، استصحاب عدم التكليف فيكون أصلا.
الجواب: ان الشك في التكليف أي الشك في وجود هذا الامر المستقل، تارة يؤخذ موضوعا وتارة يؤخذ موردا. الاطلاق المقامي الشك فيه مورد للحكم وليس موضوعا. اما الاستصحاب وعدم التكليف الشك فيه موضوع له. [7]
نعم لو لم نقل ببناء العقلاء على ذلك، لانتفى ظهور الحال في نفي الحكم المشكوك، وعليه نصل إلى مرحلة الدليل الفقاهتي، وهو هنا استصحاب العدم.
النتيجة: ان الاطلاق المقامي ظهور عن العقلاء تتم فيه مقدمات الحكمة: ان يكون في مقام بيان تمام ما له دخل في الغرض بأمر مستقل، وأمكن ان يبيّن ولم يبيّن. العقلاء ينفون هذا الحكم المستقل، وبنفيهم له يصبح هناك ظهور مقام فصار امارة وليس أصلا، إذا لم يتم هذا الظهور أي انتفى الاطلاق المقامي تأتي مرحلة الأصل العملي هو استصحاب العدم الازلي، هذا ما عبرنا عنه بان الشك مأخوذ في الاستصحاب موضوعا، بينما الشك في الاطلاق المقامي او الاطلاق اللفظي مأخوذ موردا.
النقطة الأخيرة: هل عند العقلاء ظهور في مقام نفي الحكم المستقل الذي له دخل في غرض الآمر؟
الجواب: نعم.



[2] فرق بين المتعلق والغرض، وقلنا سابقا ان الغرض لا بد يساوي المتعلّق. .
[5] تذكير: الدليل الاجتهادي هو ما نشأ من سعي المجتهد من الاخذ بالادلة الاجتهادية، العلميات كالخبر الواحد، الشهرة، الظن المطلق بناء على حجيته، أو كما عند ابنا العامة، القياس، الاستحسان، سد الذرائع، قول الصحابي إلى آخره. كل ما عبر عنه بالعلميات والعلمي. والفقاهتي وهو إذا لم يجد الدليل الاجتهادي يعود حينئذ لفهمه فيصل إلى الأصول العملية. يقال ان الشيح الوحيد البهبهاني (ره) هو صاحب هذا الاصطلاح. .
[6] ذكرنا سابقا، هل يوجد عند العقلاء أصل؟ الشيخ الانصاري (ره) عندما بنى على ان الاستصحاب أصل وليس امارة، بناه على التالي: إن كان دليل الاستصحاب هو بناء العقلاء فهو امارة. وإن كان دليل الاستصحاب الروايات والنصوص فهو أصل. الأصل عبارة عن تعبد، لذلك يقول الفقهاء ان العقلاء ليس لديهم أصل لانه ليس هناك من يتعبدهم. .
[7] للتذكير: قال الاصولييون ان الشك في الامارة شك في موردها، والشك في الأصل شك في موضوعه. مثال شك في المورد: إذا اُخبرت بان فلان استشهد، فاذا حصلت على يقين يكون خبرا محفوفا بقرينة، وفي حال الشك يكون خبرا ظنيا، لم يكن هناك شك ولم يكن هناك أي توجه أو التفات، ثم اتى الخبر فهذا مورد، الشك مأخوذ في الامارة كمورد. اما في الأصول عندما لا يوجد العلم والعلمي ووجد الشك، نقول إن شككت فابن على يقينك السابق، الشك هنا موضوع للأصل. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo