< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/06/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأوامر التعبدي والتوصلي.
-التخلص بالامرين.
-نقاش كلام صاحب الكفاية (ره) وكلام السيد الخميني (ره).
-لزوم تساوي الغرض مع المتعلق.
ذكرنا أن بعضهم تخلص من الإشكالات الناشئة من أخذ قصد الأمر في متعلّقه بوجود أمرين: الأول: بأصل الفعل. والثاني: ان يكون متمما للجعل، أي ان العبادية تنشأ من الامر الثاني.
وقد رد صاحب الكفاية (ره) على ذلك بأمرين:
الأول: إننا نقطع بأنه ليس في العبادات إلا أمر واحد كغيره من الواجبات والمستحبات.
الثاني: إن الامتثال بدون قصد الأمر لا يحقق غرض المولى، ومع عدم تحقق الغرض يحكم العقل بلزوم الاتيان به موافقة لأمر المولى ولا داعي لوسيلة تعدد الأمر [1].
نقاش كلام صاحب الكفاية (ره).
أما قوله: ان ليس في العبادات إلا أمر واحد فهو صحيح وفي غاية المتانة.
واما قوله ان العبادية نشأت من عدم تحقق الغرض فيحكم العقل بذلك [2]، فلازمه أن الأمر بقصد الأمر أصبح بحكم العقل وليس أمرا شرعيا [3]، فصار العبادي قسمان: قسم شرعي وهو الأفعال المأمور بها وشرائطها، وقسم عقلي وهو قصد الأمر. ولا اظن أن العبادات كذلك.
واما أن يكون عدم تحقق الغرض [4] بسبب عدم صدق المفهوم، وهذا عين ما ذهبنا إليه [5] بناء على تساوي الغرض مع متعلّقه، وإلا فلا بد من الالتزام بعدم تحقق الغرض مع تحقق المتعلق، ولكننا لا نؤيد ذلك [6].
لزوم تساوي الغرض مع المتعلّق:
إن الأمر يكون عن داع ودافع وهو الغرض، فكلما كان هدفٌ وغرضٌ احتاج المولى إلى أمر، والأمر لا يدعو إلا إلى متعلّقه، فلا بد من تساوي الغرض والمتعلّق [7]، أي أن المأمور به مع امتثاله يحقق الغرض وإلا كان الآمر مقصرا وغير حكيم [8].
مع السيد الخميني (ره):
يجيب السيد الخميني (ره) في مناهج الوصول بقوله: وفيه أولا ان دعوى القطع بعدم الامرين بهذا النحو ممنوعة، بل يكون مدّعي القطع بخلافه غير مجازف، ضرورة أن الفاظ العبادات موضوعة لمعنى غير مقيّد بشرائط آتية من قبل الأمر [9]، فحينئذ لا تكفي الأوامر المتعلّقة بنفس الطبائع لافادة مثل هذا القيد ولو قلنا بجواز أخذه في المتعلق، فلا بد للمولى في مقام إفادته: إما من بيان متصل لو جاز، والمفروض عدم الجواز، بل مع جوازه ليس منه في الأوامر المتعلقة بالطبائع عين ولا أثر. وأما من بيان متصل، وقد قام الاجماع بل الضرورة على لزوم قصد التقرب أو الأمر نحو ذلك في العبادات وهو يكشف عن أمر واحد. [10]
غدا ان شاء الله نكمل كلام السيد الخميني (ره) وتبقى بعض النقاط وننهي بحث التعبدي والتوصلي.



والحمد لله رب العالمين.




[1] الفرق بين كيفية الطاعة وحق الطاعة: حق الطاعة امر عقلي أما الكيفية امر شرعي. أي أن الشارع إما يقّر المفهوم كما هو، أو يتدخل في أجزائه وشرائطه. .
[2] السيد الخوئي (ره) حل الاشكال بان هناك امر واحد ينحل إلى أوامر ضمنية، قسم مولوي عبادي، وقسم توصلي. ويكون قصد الأمر قسما توصليا. .
[3] من قبيل حجية الظن المطلق بدليل بالانسداد الكبير، بعضهم قال على نحو الكشف وبعضهم قال انه على نحو الحكومة. والحكومة تعني أن العقل يحكم بان الظن حجة. طبعا هذه المسألة لها لوازم. .
[4] عدم تحقق الغرض لامرين: إما لعدم الاتيان بشرط للاستحالة كشرط داعي الأمر المأخوذ في المتعلق فقد قالوا إن بيانه محال عقلا، وإما لعدم صدق المفهوم، أي ان لفظ الصلاة مثلا لا ينطبق عليها من دون قصد الامر. .
[5] من ان هذه الأفعال من دون داعي الامر لا يتعلق بها الامر من الأساس، لان الصلاة من ضمن مفهومها ان تكون عبادة. .
[6] في كلمات الأصوليين نلاحظ ان المأمور به والغرض الذي هو الدافع والداعي للأمر وقد لا يتساويان بل هو أوسع او اضيق، أي لا يشترط ان يكون الغرض مساويا للمأمور به، فلا يحقق المأمور به الغرض وحده، فيحصل الفصل بين المأمور به والغرض. كان الغرض هو الدافع للأمر والمتعلق المأمور به قد يؤدي الغرض وقد لا يؤدي ويحتاج إلى شيء آخر. لذلك، هل الغرض يتبع المأمور به سعة وضيقا أو لا؟ وأساس كلام صاحب الكفاية (ره) مبني على ان الغرض لا يتبع المأمور به. .
[7] قد يقال ان هناك أغراض امتحانية، او الامر بالامر كما ورد: " مروا ابناءكم بالصلاة منز سبع " أي ان المولى يكلف المكلف ان يأمر ابنه. هنا الغرض ليس نفس الصلاة بل نفس الامر فالغرض قد تحقق. هذه المسألة ليس من المصاديق.
سال احد الطلبة عن معنى الغرض: الجواب: ان الغرض هو الناتج عن صحة الاتيان بالمأمور به، لان كلامنا في التعبدي الذي هو ما يتوقف الصحة على قصد الامر فلا يحتاج إلى إعادة. لذلك عندما قال انه لم يتحقق الغرض أي ان المأتي به غير صحيح فاحتاج إلى حكم العقل. .
[8] سأل أحد الطلبة: } إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر { ومع ذلك نجد بعض المصلين لا ينتهون وهذا يعني أن الغرض لم يكن على قدر المتعلق. .
الجواب: إن الآمر يتصور ما يؤدّي غرضه فيأمر به، إذ اصبح الغرض والامتثال كالعلّة والمعلول، ولا يجوز تخلّف المعلول مع حصول علّته. ولو فرضنا تخلف الغرض إنما يكون لأحد أمرين: إما لعدم انطباق عنوان المأمور به على المأتي به، وهذا يقتضي التساوي، وإما أن يكون الخلل من الآمر كأن يكون جاهلا في تشخيص ما يحقق الغرض تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وأما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فهي الصلاة المقبولة، أو أن المأتي به فيه قابلية النهي عن الفحشاء والمنكر، ومن هذا القبيل الروايات الواردة الكثيرة في أن من فعل الشيء فله الجنة، فإن معناه القابلية وتعظيم هذا الفعل وبيان أهميته، مثلا قول الرسول الاكرم (ص) ما مضمونه: " من قال لا إله إلا الله زرع له شجرة في الجنّة. فقالوا: إذن لنا شجر كثير يا رسول الله، قال: ولكن لا ترسلوا عليها نارا تحرقها ". ولعلّ من هذا القبيل قوله تعالى: } والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم { بناء على شمول " السابقون " لكل الجيل الأول من المسلمين في مكّة، فهذا بيان لأهمية هذا الوصف ولكنه ليس علّة تامة لدخول الجنّة، فهو مقتض يحتاج إلى عدم مانع، ولذلك فإن بعض الجيل الأول قد سوّلت له نفسه نتيجة حبّ الدنيا، فذهب في افعاله يمينا وشمالا.
[9] أي ان المفهوم لا علاقة له بداعي الامر، هي موضوعة لمعان غير مقيدة بداعي الامر. كلامه (ره) ان هذا القيد ليس موجد. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo