< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/06/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأوامر
التعبدي والتوصلي.
إستحالة اخذ قصد الامر في المأمور به.
نعود لكلام صاحب الكفاية (ره)، يقول: إن قلت: نعم، لكن هذا كله إذا كان اعتباره في المأمور به بأمر واحد، وأما إذا كان بأمرين: تعلق أحدهما بذات الفعل، وثانيهما بإتيانه بداعي أمره، فلا محذور أصلا، كما لا يخفى [1]. فللآمر أن يتوسل بذلك في الوصلة إلى تمام غرضه ومقصده، بلا منعة.
إذن الحلّ الذي تصورّه بعض الأساطين هو وجود أمرين:
أحدهما بذات الفعل والثاني بالفعل مع داعي أمره. فيؤمر بالصلاة أولا أمرا مولويا، فيتحقق موضوع الأمر الثاني، وهو الامر بالصلاة بداعي امرها الأول، وبهذا ترتفع الإشكالات جميعها، فلا يلزم أخذ المتأخر في المتقدم، لان المتأخر هو الامر الثاني والمتقدم هو الأمر الأول. كذلك لا يلزم الدور لعدم توقف الأمر على نفسه، ولا يلزم اجتماع اللحاظين الآلي والاستقلالي لأن الأمر الثاني آلي والأول استقلالي، كذلك لا يلزم داعوية الشيء إلى نفسه، لأن الأمر الثاني يدعو إلى الأمر الأول لا إلى نفسه.
جواب صاحب الكفاية (ره): قلت: مضافا إلى القطع بأنه ليس في العبادات إلا أمر واحد، كغيرها من الواجبات والمستحبات، غاية الامر يدور مدار الامتثال وجودا وعدما فيها المثوبات والعقوبات، بخلاف ما عداها، فيدور فيه خصوص المثوبات [2]، وأما العقوبة فمترتبة على ترك الطاعة ومطلق الموافقة. هذا أولا[3]
ثانيا والاهم: أن الامر الأول إن كان يسقط بمجرد موافقته ولو لم يقصد به الامتثال، كما هو قضية الامر الثاني، فلا يبقى مجال لموافقة الثاني مع موافقة الأول بدون قصد امتثاله، فلا يتوسل الآمر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة. وإن لم يكد يسقط بذلك، فلا يكاد يكون له وجه، إلا عدم حصول غرضه بذلك من أمره، لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله، وإلا لما كان موجبا لحدوثه، وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدد الامر، لاستقلال العقل، مع عدم حصول غرض الآمر بمجرد موافقة الامر بوجوب الموافقة على نحو يحصل به غرضه، فيسقط أمره. [4]
إذن ملخّص الحل وجود أمرين، ويجب أن يكون كلاهما مولويا لأن الأمر بالصلاة أو بالصوم أو بغيرهما مولوي.
ولذلك سيكون الجواب منصبا على هذا الأمر الثاني فهو لا يخلو من حالتين: إما أن يكون محالا فلا يوجد امرين، وإما أن يكون إرشاديا والكلام في الامر المولوي، وعلى كلا الحالتين يسقط الحلّ.
جواب صاحب الكفاية (ره) تارة لفظا وتارة عقلا. أما لفظا فالأمر الثاني غير موجود لأننا نقطع بأن الأمر واحد في العبادات كغيرها من الواجبات والمستحبات غاية الأمر يدور مدار الامتثال وجودا وعدما فيها المثوبات والعقوبات بخلاف ما عداها فيدور فيه خصوص المثوبات. وأما العقوبة فمترتبة على ترك الطاعة والموافقة.
وإن كان يمكن أن يشكل عليه في تعريف العبادات بحصول الثواب على بعض التوصليات ولو لم يكن لله كالكرم الذي يحبه الله لذاته.
وأما عقلا وهو أن الأمر يدور بين عدم الامر الثاني أو كونه إرشاديا.
أما عدمه فذلك إذا أمكن امتثال الأول بمجرد موافقته، أي يؤتى بالصلاة بكل أجزائها وشرائطها وأركانها ولكن من دون قصد الأمر، وحينئذ يسقط الأمر الأول، لأن الأمر يسقط بأحد أمر أربعة: إما الامتثال وإما انتفاء الموضوع أو انتفاء الغرض أو النسخ. وإذا سقط الأمر الأول فلا يبقى مجال لموافقته للثاني.
وإذا لم يسقط الأمر الأول فلا مانع من وجود أمر آخر ثان، ولكنه سيكون إرشاديا لا مولويا، لأن عدم سقوط الأول لا وجه له إلا عدم حصول الغرض منه، ومع القطع بعدم حصول الغرض بل حتى مع الشك في حصول الغرض يحكم العقل بلزوم إتيانه بداعي أمره، ومع حكم العقل يكون الأمر إرشاديا لا محالة، وإلا لزم اللغو من الحكيم إذ ما الداعي لجعل حكم بعدما أدرك العقل ذلك [5]، تماما كبقية الأوامر الارشادية.
إلى هنا نكون قد انتهينا من كلام صاحب الكفاية (ره) وملخصه: انه ذكر طريقة التخلص من الاشكال، بانه بدل ان يكون هناك امر آخر، العقل يحكم عند عدم تحقق الغرض بان ينبعث نحو تحقيق الغرض ولا داعي لأمر جديد، فلو فرض أيضا وجود امر آخر، هذا الامر سيكون ارشاديا لا محالة لا مولويا، والكلام أصلا في المولويات.
لكن نحن سنبين مسألة الامرين ان شاء الله.



[1] من باب متمم الجعل كما عبّر عنه النائيني (ره) بان الامر الأول غير كاف للبيان فنتمم الجعل بأمر آخر.
[2] هنا بيان للفرق بين التوصلي والتعبدي. ذهب (ره) للتعريف باللازم، الثواب والعقاب لوازم وليسا اصطلاحا للتعبدي والتوصلي. فما يدور فيه الثواب وجودا وعدما مداره هو التوصليات، بينما التعبدي ما يدور فيه الثواب والعقاب مدار قصد القربة وجودا وعدما. وإن كان قد يخترق في بعض الأمور كالكرم الذي يثيب الله عليه وإن لم يكن لله تعالى. .
[3] مشكلة صاحب الكفاية (ره) انه بنى الأصول على أسس فلسفية، يفرض الانتباه لها لكي تفهم الكفاية.لم يبن (ره) الأصول على أسس عرفية عقلائية كغيره. .
[5] فائدة:. الأمور البديهية لم تذكر في القرآن الكريم لانها مسائل لا داعي لبيانها، وقد يقال ان قوله: " اعدلوا هو اقرب للتقوى " مع العلم ان العدل حسن، لماذا ذكر ان العدل حسن والظلم قبيح؟ السبب في ذكر العدل دون الأمور البديهية كالرياضيات، ان هذه الأمور البديهية لا تخالف هوى أحد، بينما العدل يخالف الهوى، لذا ذكر الله تعالى بمخالفة الهوى والشيطان.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo