< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/04/17

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: دلالة صيغة الأمر
-كلام السيد الخوئي (ره) في مسألة دلالة الجمل الخبرية على الوجوب.
-التعليق عليه.
نكمل كلام السيد الخوئي (ره).
{ وأما على نظرية المشهور فالأمر أيضا كذلك [1]. والوجه فيه واضح، وهو: أن ما تستعمل فيه تلك الجمل في مقام الإنشاء غير ما تستعمل فيه في مقام الإخبار، فلا يكون المستعمل فيه في كلا الموردين واحدا، ضرورة أنها على الأول قد استعملت في الطلب وتدل عليه، وعلى الثاني في ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها.
ومن الطبيعي أننا لا نعني بالمستعمل فيه والمدلول إلا ما يفهم من اللفظ عرفا ويدل عليه في مقام الإثبات.
وعلى الجملة: فلا ينبغي الشك في أن المتفاهم العرفي من الجملة الفعلية التي تستعمل في مقام الإنشاء غير ما هو المتفاهم العرفي منها إذا استعملت في مقام الإخبار. مثلا: المستفاد عرفا من مثل قوله (عليه السلام): " يعيد الصلاة " أو " يتوضأ " أو " يغتسل للجمعة والجنابة " أو ما شاكل ذلك على الأول ليس إلا الطلب والوجوب. كما أن المستفاد منها على الثاني ليس إلا ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها. فإذن كيف يمكن القول بأنها تستعمل في كلا المقامين في معنى واحد؟ هذا من ناحية [2].
ومن ناحية أخرى: أن هذه الجمل على ضوء هذه النظرية لا تدل على الوجوب أصلا فضلا عن كون دلالتها عليه آكد من دلالة الصيغة. والسبب في ذلك: هو أنها حيث لم تستعمل في معناها الحقيقي بداعي الحكاية عن ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها فقد أصبحت جميع الدواعي محتملة في نفسها، فكما يحتمل استعمالها في الوجوب والحتم والطلب والبعث فكذلك يحتمل استعمالها في التهديد أو السخرية أو ما شاكل ذلك. ومن الطبيعي أن إرادة كل ذلك تفتقر إلى قرينة معينة، ومع انتفائها يتعين التوقف والحكم بإجمالها. ومن هنا أنكر جماعة منهم: صاحب المستند ( قده ) في عدة مواضع من كلامه دلالة الجملة الخبرية على الوجوب.
وقد تحصل من ذلك: أن نظرية المشهور تشترك مع نظريتنا في نقطة وتفترق في نقطة أخرى.
أما نقطة الاشتراك: فهي أن هذه الجمل على أساس كلتا النظريتين تستعمل في مقام الإنشاء في معنى هو غير المعنى الذي تستعمل فيه في مقام الإخبار [3]، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا.
وأما نقطة الافتراق: فهي أن تلك الجمل تدل على الوجوب بحكم العقل على أساس نظريتنا، ولا تدل عليه على أساس نظرية المشهور [4].
وأما ما أفاده (قده) من النكتة [5] فهو إنما يتم على أساس أن تكون الجملة مستعملة في معناها، لكن بداعي الطلب والبعث، لا بداعي الإخبار والحكاية، وحيث قد عرفت أنها لم تستعمل فيه، بل استعملت في معنى آخر - وهو الوجوب أو البعث والطلب - فلا موضوع لها عندئذ أصلا. هذا، مضافا إلى أنه لا يتم على ضوء الأساس المذكور أيضا، وذلك لأن النكتة المذكورة لو كانت مقتضية لحمل الجمل الخبرية على إرادة الوجوب وتعيينه لكانت مقتضية لحمل الجمل الخبرية الاسمية كزيد قائم، والجمل الماضوية في غير الجمل الشرطية على الوجوب أيضا إذا كانتا مستعملتين في مقام الإنشاء، مع أن استعمالهما في ذلك المقام لعله من الأغلاط الفاحشة، ولذا لم نجد أحدا ادعى ذلك، لا في اللغة العربية ولا في غيرها [6].
وبكلمة أخرى: أن المصحح لاستعمال الجمل الخبرية الفعلية في معناها بداعي الطلب والبعث إن كان تلك النكتة فالمفروض أنها مشتركة بين كافة الجمل الخبرية من الاسمية والفعلية، فلا خصوصية من هذه الناحية للجمل الفعلية، فإذا ما هي النكتة لعدم جواز استعمالها [7] في مقام الإنشاء دونها؟ وإن كان من جهة أن هذا الاستعمال استعمالا في معناها الموضوع له والمستعمل فيه، غاية الأمر الداعي له قد يكون الإعلام والإخبار، وقد يكون الطلب والبعث فلا تحتاج صحة مثل هذا الاستعمال إلى مصحح خارجي، فإن كانت النكتة هذا لجرى ذلك في بقية الجملات الخبرية أيضا حرفا بحرف، مع أنك قد عرفت عدم صحة استعمالها في مقام الطلب والإنشاء. ومن ذلك يعلم: أن المصحح للاستعمال المزبور خصوصية أخرى غير تلك النكتة، وهي موجودة في خصوص الجمل الفعلية من المضارع والماضي إذا وقع جزءا في الجملة الشرطية، ولم تكن موجودة في غيرها، ولذا صح استعمالها في مقام الطلب دون غيرها حتى مجازا، فضلا عن أن يكون الاستعمال حقيقيا.
فالنتيجة عدة أمور:
الأول: أن النكتة المذكورة لم تكن مصححة لاستعمال الجمل الفعلية في مقام الإنشاء والطلب.
الثاني: أنها في مقام الطلب والبعث لم تستعمل في معناها الموضوع له على رغم اختلاف الداعي كما عرفت.
الثالث: أن المصحح له خصوصية أخرى ونكتة ثانية، دون ما ذكره من النكتة }. [8]
وتعليقا على ما ذكره السيد الخوئي (ره) نقول:
أولا: إن المفهوم من اللفظ أو المدلول له عرفا ليس دائما بمعنى المستعمل فيه اللفظ، وقد يكون بمعنى المراد منه عند التلفظ فيه، واختلاف المراد عن المستعمل فيه يختلف من استعمال إلى آخر، فمثلا:
-في العام والخاص: استعمال العام وإرادة الخاص [9] ليست من باب المجاز خلافا لما كان عند اكثر القدماء الذين كانوا يعتبرون التخصيص مجازا. مثلا: اكرم كل العلماء إلا زيد. بل هو استعمال اللفظ العام في معناه الحقيقي وهو العموم، فالموضوع له في لفظة " كل " هو العموم، والمستعمل فيه أيضا العموم، والمراد الجدي هو الخصوص، وهذا المراد الجدي يحتاج إلى قرينة وهي الاستثناء.
-في المطلق والمقيّد: الأمر كذلك: المستعمل فيه هو المطلق والمراد الجدي هو المقيّد.
-وأيضا الدواعي التي تلّون المراد الجدّي بلونها، فالصيغة إذا استعملت في الطلب الإنشائي بداعي التهديد، تكون مصداقا للتهديد من دون أن تكون مستعملة فيه. ولذا يكون المفهوم عرفا هو التهديد من دون أن يكون مستعملا فيه. مثلا: إذا قلت أكرم عالما. فإذا اكرمت "زيدا" ينطبق العالم على هذا الفرد، فيكون العالم مصداقا للمأمور به، والمستعمل فيه اللفظ هو متعلق الأمر، وهو العام الكلي وهو استعمال على نحو الحقيقة. نعم لو قلت: اكرم عالما، واستعملته بنفس زيد كان مجازا، لأنه استعمال في غير ما وضع له، إذ الموضوع له هو الكلي لا شخص زيدا، وإن انطبق على شخصه عند الامتثال.
ثانيا: ما ذكره من الاستدلال على نفي دلالة النكتة على الوجوب من أن هذه النكتة لو كانت هي سبب الظهور في الوجوب لكانت سببا في الجملة الاسمية ولم نجد استعمالا للجملة الاسمية الخبرية في مقام الأنشاء، كذلك عدم استعمال الماضي إلا بعد الشرط.
نجيب بأمرين:
الامر الأول: وروده في بعض النصوص مثل ما ورد في الوسائل في حديث صحيح: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبد الله بن المغيرة عنه (ع) أنه قال: لا بأس أن يعدَّ الرجل صلاته بخاتم أو بحصى يأخذها بيده فيعدّ صلاته. [10]
الرواية لا تدل على الوجوب لكنها في مقام انشاء حكم وهو الاباحة، ونحن كلامنا في الانشاء وهو ان تستخدم الجملة الخبرية في مقام الانشاء سواء كان في الوجوب أو الاباحة وغيرها. هذه الجملة الاسمية " أن يعدّ " مصدر مؤول والجملة اسمية في مقام إنشاء حكم الاباحة.
الفات: إن الحديث يدل على مرادنا سواء كان سنده صحيحا أولا، ويصبح دليلا. سنبين أن كل الالفاظ في الأمور اللغوية لا تحتاج إلى سند صحيح لصحة استعماله أو للاستدلال على وضعه أو ظهوره اللغوي، بل يمكن أن يقال أن مجرد ورودها في خبر ينفعنى في احكام شرعية.
الأمر الثاني: إن عدم الاستعمال لا يدل على عدم الجواز، ألا ترى أن النحاة يقولون إن عدة ألفاظ هي قياسية وليس سماعية، وإذا سألناهم لماذا لم يستعملها العرب فإنك لن تجد جوابا.
ولذلك فما استدل به على عدم مدخلية هذه النكتة في الدلالة على الوجوب غير تام.
غدا نكمل أن شاء الله.



[1] نحن أيدنا المشهور في النظرية الإيجادية، وقلنا ان الموجود في النفس هو داع وقصد الحكاية هو من شؤن الاستعمال، فيكون المستعمل فيه هو نفسه الموضوع له ولم يعد مجازا. فرقنا بن ما كان من شؤون الاستعمال وما كان من شؤون المستعمل فيه. .
[2] هنا أراد (ره) ان يقول ان المستعمل فيه ليس الا المفهوم عرفا لكن مع التأمل يوجد فرق بين المقامين. .
[3] وهذا لا نوافق عليه كما سنبيّن بعد قليل. .
[4] لان كل الاحتمالات واردة ولا دلالة على الوجوب. .
[5] وهي ان الآمر لا يرضى إلا بوقوعه. .
[6] الفعل المضارع ورد كثيرا في مقام الطلب، والفعل الماضي ورد في مقام الطلب بعد الجمل الشرطية، والجملة الاسمية ادعي انها لم تأتي في مقام الطلب أصلا. هذه النكتة موجودة في الكل، فلو كانت هي الداعي والسبب لظهورها فهذه النكتة بنحو الإن ليست علّة لظهورها في الوجوب، ولا أعلم ما هي العلّة. .
[7] كان من الأفضل ان يقال لعدم وقوع استعمالها. سنبيّن أن عدم الاستعمال لا يدل على عدم الجواز، في النحو ذكرت امور على القياس لكنها لم تستعمل، ذكرت انها على القاعدة ونحن لم نجد لها استعمالا، فكانت قياسية لا سماعية. ونحن نعلم أن الاستعمال على القاعدة دون السماع لا يعدّ خطأ فاحشا. .
[9] لذا قلنا سابقا انه استعمل العام في مقام التخصيص، ولم نقل انه استعمل العام في الخصوص لانه يصبح مجازا، وفرق بين التعبيرين، " في مقام الاستعمال " و " المستعمل فيه " حيث أن الأول أعم من الثاني.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo