< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/04/13

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: دلالة صيغة الأمر

كان الكلام في الجمل الفعلية الخبرية المستعملة في مقام الانشاء، ولا نقول مستعملة في الانشاء. لوجود الفرق بين التعبيرين، لان قول " مستعملة في مقام الانشاء " يحتمل أن تكون مستعملة في الانشاء أو ان يكون بداعي الانشاء، والاستعمال شيء والداعي شيء، وعلى كلتا الحالتين يصح القول بأنها مستعملة في مقام الانشاء.
وذكرنا ان الجملة الفعلية الخبرية المضارعية موجودة وبكثرة اكثر من صيغة افعل أو ليفعل. والماضي كما ذكر السيد الخوئي " أعاد " انما استعمل بعد الشرط. وذُكر ان الجملة الاسمية لم تستعمل في الطلب مع العلم ان نفس النكتة موجودة.
نكمل كلام صاحب الكفاية (ره):
{ ولكنه لا يخفى أنه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام - أي الطلب - مستعملة في غير معناها، بل تكون مستعملة فيه، إلا أنه ليس بداعي الاعلام، بل بداعي البعث بنحو آكد، حيث أنه أخبر بوقوع مطلوبه في مقام طلبه إظهارا بأنه لا يرضى إلا بوقوعه، فيكون آكد في البعث من الصيغة، كما هو الحال في الصيغ الانشائية، على ما عرفت من أنها أبدا تستعمل في معانيها الايقاعية لكن بدواع أُخَر كما مر.
لا يقال [1]: كيف؟ ويلزم الكذب كثيرا لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج تعالى الله واولياءه عن ذلك علوا كبيرا.
فإنه يقال: إنما يلزم الكذب، إذا أتي بها بداعي الاخبار والاعلام، لا لداعي البعث.
كيف؟ وإلا يلزم الكذب في غالب الكنايات [2]، فمثل ( زيد كثير الرماد ) أو ( مهزول الفصيل ) لا يكون كذبا، إذا قيل كناية عن جوده ولو لم يكن له رماد أو فصيل أصلا، وإنما يكون كذبا إذا لم يكن بجواد، فيكون الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ [3]، فإنه مقال بمقتضى الحال. هذا مع أنه إذا أتى بها في مقام البيان، فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب [4]، فإن تلك النكتة [5]إن لم تكن موجبة لظهورها فيه، فلا أقل من كونها موجبة لتعينه من بين محتملات ما هو بصدده، فإن شدة مناسبة الإخبار بالوقوع مع الوجوب، موجبة لتعين إرادته إذا كان بصدد البيان، مع عدم نصب قرينة خاصة على غيره، }.[6] انتهى.
يمكن تلخيص ما ذكره صاحب الكفاية (ره) بأربعة نقاط:
النقطة الأولى: إن الجمل الفعلية استعملت في معناها لكن بداعي الطلب ولا بداعي الاخبار والاعلام.
النقطة الثانية: ظهور الجملة الفعلية في الوجوب، لنكتة وهي أنها تدل على وقوع المطلوب في الخارج، ونحن نعلم ان المطلوب لم يقع بعد، فمردّها حينئذ إلى إظهار عدم رضى الآمر إلا بالوقوع.
النقطة الثالثة: إنها لا تتصف بالكذب عند عدم حصول المطلوب لأن الداعي هو الإنشاء لا الإخبار. والإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب، ولإخبار هو الكاذب أو الصادق [7].
النقطة الرابعة: بحسب تسلسل أفكاره (ره) هو أن النكتة التي جعلت الجمل الفعلية ظاهرة في الوجوب – وهي كون الآمر لا يرضى بترك الفعل – هذه النكتة إن لم تجعل الجمل الفعلية كذلك فعلى الأقل تعيّن الوجوب من بين المحتملات، والمحتملات هي الوجوب والندب والإباحة والتهديد وغيرها من المعاني التي ذكروها.
السيد الخوئي (ره) يعلّق على النقطة الأولى بما محصله: عدم الدلالة على الوجوب بناء على المشهور من النظرية الإيجادية، والدلالة على الوجوب بناء على نظريته الابرازية ولكن من دون آكدية. ثم يقول إن النكتة التي ذكروها في الدلالة على الوجوب لا تنهض بذلك، بدليل أن استعمال الجمل الاسمية في إنشاء الطلب والوجوب خطأ فاحش. مع العلم أن نفس النكتة موجودة في الاثنين معا.
وقبل بيان المختار نذكر كلام السيد الخوئي (ره) ثم نعلّق عليه؟ يقول في المحاضرات:
{ أما النقطة الأولى [8]: فهي خاطئة على ضوء كلتا النظريتين [9]في باب الإنشاء، يعني: نظريتنا ونظرية المشهور. أما على ضوء نظريتنا فواضح، والسبب في ذلك: ما حققناه في بابه: من أن حقيقة الإنشاء وواقعه الموضوعي بحسب التحليل العلمي: عبارة عن اعتبار الشارع الفعل على ذمة المكلف، وإبرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل [10]أو ما شاكل ذلك، فالجملة الإنشائية موضوعة للدلالة على ذلك فحسب. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أنا قد حققنا هناك: أن الجملة الخبرية موضوعة للدلالة على قصد الحكاية والإخبار [11]عن الواقع نفيا أو إثباتا.
ومن ناحية ثالثة: أن المستعمل فيه والموضوع له في الجمل المزبورة إذا استعملت في مقام الإنشاء يباين المستعمل فيه والموضوع له في تلك الجمل [12]إذا استعملت في مقام الإخبار، فإن المستعمل فيه على الأول هو إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج، وعلى الثاني قصد الحكاية والإخبار عن الواقع.
فالنتيجة على ضوئها: هي عدم الفرق في الدلالة على الوجوب بين تلك الجمل [13]وبين صيغة الأمر، لفرض أن كلتيهما قد استعملتا في معنى واحد، وهو إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج. هذا من جانب.
ومن جانب آخر: انتفاء النكتة المتقدمة، فإنها تقوم على أساس استعمال الجمل الفعلية في معناها الخبري ولكن بداعي الطلب والبعث. وقد تحصل من ذلك: أنه لا فرق بين الجمل الفعلية التي تستعمل في مقام الإنشاء وبين صيغة الأمر أصلا، فكما أن الصيغة لا تدل على الوجوب، ولا على الطلب ولا على البعث والتحريك، ولا على الإرادة، وإنما هي تدل على إبراز اعتبار شيء على ذمة المكلف فكذلك الجمل الفعلية. وكما أن الوجوب مستفاد من الصيغة بحكم العقل بمقتضى قانون العبودية والرقية كذلك الحال في الجمل الفعلية حرفا بحرف.
فما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قده): من أن دلالتها على الوجوب آكد من دلالة الصيغة عليه لا واقع موضوعي له.
وأما على نظرية المشهور فالأمر أيضا كذلك }.[14]
غدا ان شاء الله نكمل.





[1] قد يقال إذا كانت " يعيد " مستعملة في المعنى الاخباري، وإذا لم تتحقق الإعادة يصبح الامام (ع) كاذبا لانه يخبر بان المكلف سيعيد الصلاة. فالمستعمل فيه هو الاخبار المستقبلي فإذا لم تتحقق الإعادة يقع الكذب.
[2] قاس وقوع هذا الامر على الكنايات. فلا يلزم الكذب فيها لان الكناية لا يشترط فيها تحقق المعنى الحقيقي. وهنا " يعيد " تدل على ثبوت النسبة بداعي الانشاء وهي معنى خبري تدل على آكدية في الوجوب، دون ان يعنى تحققها. فالشبه بين الكناية ومطلبنا هو قصد التحقق الخارجي.
[3] للتذكير: الفرق بين الكناية والمجاز. المشترك بين المجاز والكناية هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له. ومثال المجاز: زيد أسد. ومثال الكناية :زيد كثير الرماد، لان زيدا كريم لكثرة الاطعام فيكثر الطبخ فيكثر الرماد. عبرنا هنا بلازم الكرم، ولو لم يكن كثير الرماد واقعا.
والفرق بينهما أن في المجاز محال ان يكون زيد اسدا. بينما في الكناية يمكن أن يكون كثير الرماد فعلا، ويمكن ان يكون كريما بانفاقه المال فقط. واشكل في فهم معنى الكناية اشكال وهو كيف يجوز ان يقصد المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في آن واحد. في المجاز محال: زيد أسد. هو رجل شجاع واسد مفترس في آن واحد هذا محال. أما في الكناية فيمكن تحقق الاثنين معا، يمكن أن يكون كريما وكثير الرماد أيضا. ولذلك قالوا أن الكناية ابلغ من التصريح لأنه أتي بالدليل مع التصريح.
لكن يسأل أيضا في الكناية كيف يمكن إرادة المعنيين معاً، إرادة المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في آن واحد. قالوا بان هناك قرينة صارفة. نقول: ان القرينة صرفت عن المعنى الحقيقي فكيف يراد بعد ان صرف عنه اللفظ؟ نتصور في حل هذا الاشكال: أنه ليس هناك قصد المعنيين، بل هو قصد الكرم فقط وهو المعنى المجازي، ولا مانع من تحقق المعنى الحقيقي في الخارج، بينما في المجاز هناك مانع من تحقق المعنى الحقيقي.
[4] صاحب الكفاية هنا انتقل إلى شيء آخر وهو انه اذا سلمنا بان " يعيد " ليست ظاهرة ولا دالة على الوجوب، لا بالوضع ولا بالعقل ولا بغيرهما. بل يمكن ان يكون الوجوب أحد الاحتمالات مع الاستحباب والتهديد والتعجيز وغيرها. يقول (ره) مع ذلك فإن مقدمات الحكمة تؤدي إلى ظهوره في الوجوب.
[5] النكتة: هي الفرق بين " أعد " و" يعيد " اوهي التي لاجلها أتي بصيغة الفعل بالمضارع، وهي انه لا يرضى إلا بوقوعه.
[7] تذكير: الانشاء هو إيجاد. اما الاخبار هو كشف عن واقع يلزمه الصدق والكذب، لذلك فتعريف المناطقة هو تعريف للخبر باللازم، ولم يعرفوه بنفس ماهية الاخبار. .
[8] النقطة الأولى وهي الدلالة بنحو الآكدية .
[9] نظرية المشهور بالايجاد ونظريته بالابراز.
[10] يمكن أن يكون الانشاء بفعل كما لو أشار إليه بيده أن يأتي. .
[11] اعتبر (ره) قصد الحكاية والاخبار جزء من الموضوع له. نحن لم نوافقه وقلنا ان القصد من شؤن الاستعمال وليس من شؤن الموضوع له ولا المستعمل فيه. .
[12] لان نظريته هي ابراز ما في النفس. وقصد الحكاية يختلف عن قصد الإنشاء، فما في النفس عند قصد الإخبار يختلف عما في النفس عند قصد الإنشاء، ولما كان المستعمل فيه هو إبراز ما في النفس، يكون المستعمل فيه عند الإخبار مختلفا عند المستعمل فيه في الانشاء. .
[13] أي " يعيد " وأعاد " وبين صيغة الامر " اعد ".

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo