< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/04/10

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: دلالة صيغة الأمر
- صيغة الأمر في الكتاب والسنة.
بعد الانتهاء من الإضاءة على ان بعض المستحبات إذا وصلت إلى مرحلة السنن أي الطريقة في الحياة التي هي شرعا مطلوبة، ولا يجوز مخالفتها فتصبح واجبة ويحرم تركها. والنتيجة أمران:
الأول: ليس كل مستحب سنة أو طريقة، ومعنى السنة الطريقة.
الثاني: السنة والطريقة إذا ثبت أنها سنة رسول الله وسنة المرسلين والأئمة (ع) وجب اتباعها وحرمت مخالفتها.
وعليه: فهل السنة قسم خاص من موضوعات الأحكام؟ أم قسم خاص من الأحكام بحيث تصبح الأحكام ستة بدلا من خمسة؟ أم أنها من تقسيمات الواجب وتحتاج إلى بحث خاص غير موجود؟ أم أنها من تقسيمات المستحب وتحتاج أيضا إلى بحث خاص.
ثم إنه لو ترك أحدنا هذه السنة لا عن استخفاف ولا عن استهانة ولا عن اعراض، هل هذا يُعتبر مخالفة سنّة؟
نحن نريد أن نضيء على هذه المسألة وذلك لأنها تساعدنا على الإجابة على سؤالين أولهما: لماذا بعض المستحبات ورد فيها التهديد والوعيد، والتهديد والوعيد لا يكون إلا على واجب؟
وثانيهما: ولماذا بعض المستحبات ورد في سياق الواجبات؟

صيغة الأمر في الكتاب والسنة:
نكمل بحثنا في الصيغة، بعد ان انتهينا من صيغة الامر في اللغة ووضع صيغة الامر، وقلنا ان الامر ظاهر في الوجوب، واختلف انه ظاهر بحسب الوضع او بحكم العقل أو بحكم العقلاء أو الاطلاق. وذكر بعضهم أن صيغة الامر في الكتاب والسنة تختلف عن الصيغة في اللغة، كأن هناك نقلا وأصبح لدينا اصطلاح شرعي خاص، والسبب في ذلك كثرة الاستعمال في الاستحباب.


يقول صاحب الكفاية (ره) بعد قوله بدلالة صيغة الأمر على الوجوب وضعا: { وكثرة الاستعمال فيه -أي في الندب – في الكتاب والسنة وغيرهما لا توجب نقله إليه أو حمله عليه [1]، لكثرة استعماله في الوجوب أيضا، مع أن الاستعمال وإن كثر فيه إلا أنه كان مع القرينة المصحوبة، وكثرة الاستعمال كذلك في المعنى المجازي لا توجب صيرورته مشهورا فيه ليرجح أو يتوقف، على الخلاف في المجاز المشهور [2]. كيف [3]، وقد كثر استعمال العام في الخاص حتى قيل: ما من عام إلا وقد خصّ. ولم ينثلم به ظهوره في العموم، بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخصوص }. [4]انتهى.
ينتقل (ره) إلى الكلام عن الصيغة في خصوص الكتاب والسنة، وهل فيهما نقل لصيغة الأمر إلى الاستحباب؟ [5] وقد ذهب بعضهم مثل الشريف المرتضى علم الهدى (ره) إلى أنها مشتركة اشتراكا لفظيا في اللغة، وأما في العرف الشرعي فهي حقيقة في الوجوب فقط. وذهب آخرون إلى التوقف فلم يدروا أللوجوب هي أم للندب؟ وتوقف صاحب المعالم في خصوص الكتاب والسنة بعد أن ذهب إلى دلالتها على الوجوب [6].
وكلام صاحب الكفاية (ره) هو ردّ على صاحب المعالم (ره) الذي يقول تحت عنوان: { فائدة: يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمة (ع) أن استعمال صيغة الأمر في الندب كان شايعا في عرفهم، بحيث صار من المجازات الراجحة [7]، المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح الخارجي، فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الأمر منهم (ع) }.[8]
وقبل بيان كلام صاحب الكفاية (ره) نذكر أصناف استعمال اللفظ في غير ما وضع له [9] (يشمل حتى الخطأ) وهي خمسة:
الأول: المجاز المتعارف المتداول. وهذا يحتاج إلى قرينة صارفة من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي [10].
الثاني: المجاز الراجح، وهو المجاز الذي كثر بالنسبة إلى سائر المجازات وإن كان أقل أو مساويا للاستعمال في المعنى الحقيقي وان لم يكن مشهورا. مثلا: استعمال الأسد للرجل الشجاع وابخر الفم وكثيف الشعر أو سكن الغابة أو في مطلق الافتراس. وأكثر مجاز مستعمل فيه هو الشجاعة. وهذا أيضا يحتاج إلى قرينة صارفة ليحمل عليه.
الثالث: المجاز المشهور: وهو اللفظ الذي كثر استعماله وصار أكثر من استعمال في المعنى الحقيقي، ولكن لم يصل إلى مرحلة الوضع. وهذا قد توقف فيه الكثيرون، وذهب الآخرون إلى الحمل على المجاز المشهور. ويحمل عليه بدون قرينة، ويمكن أن يكون حمل من حاق اللفظ بالمعنى الذي قلناه أي القرينة المحيطة به دائما، لا من نفس اللفظ.
الرابع: المجاز الذي استعمل حتى بلغ حدّ الوضع ولكن من دون هجران المعنى الأول. أي انه أصبح مشتركا لفظيا بين الاثنين وعليه يحتاج كل من المعنى الحقيقي والمعنى المجازي إلى قرينة معينة.
الخامس: المجاز الذي استعمل حتى بلغ حدّ الوضع ولكن مع هجران المعنى الأول، وهو المنقول في الاصطلاح، وفي هذه الحالة يحمل اللفظ على المعنى المجازي (سابقا) عند عدم القرينة دون المعنى الأول الحقيقي الذي أصبح الذي يحتاج إلى القرينة.
على هذا يكون مقصود صاحب المعالم (ره) من قوله: { أن استعمال الصيغة في الندب من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقية عند انتفاء المرجح فيشكل التعلق في اثبات ..} مراده هنا المجازات المشهورة، لأنها هي التي يتوقف عندها أو تحمل على المجاز.

وقد أجاب صاحب الكفاية (ره) بثلاثة وجوه:
سنعلّق ونبيّن الخلل في هذه الوجوه وإن كنّا أصغر من أن نشكل على صاحب الكفاية (ره) وهو العملاق الكبير في الأصول والمعقول.













[1] الفرق بين النقل والحمل: في النقل يكون هناك احتياج إلى وضع جديد، من قبيل كلمة " قطار " كانت موضوعة لقافلة الجمال، ثم نقلت إلى قافلت العربات. اللفظ وضع لمعنى ثم لمناسبة وضع لمعنى آخر. إذا هجر المعنى الأول أصبح هناك نقل كامل، وإذا لم يهجر يصبح هناك اشتراك بين المعنيين. أما المرتجل فاستعمال اللفظ يكون مع عدم ملاحظة العلاقة بين المعاني بل يكون أحيان للتيمن كأسماء الاعلام. والتيمّن والتبرك ليسا علامة بين المعنيين. فعندما اطلق لفظ " محمد " للمولود الجديد تبركا وتيمنا باسم النبي محمد (ص) فإني لا ألحظ علامة بين المعنيين – أي بين الشخصين - كي تكون العلامة مجازية ويصبح اللفظ بعد ذلك منقولا.
أما الحمل فهو حمل على المعنى، أي دلالة اللفظ على المعنى، وهذه الدلالة تارة تكون بسبب الوضع كالنقل، وتارة تكون بسبب قرينة، وتارة يكون قد اصبح مجازا مشهورا أو اصبح راجحا، لأنه لم يصل إلى مرحلة النقل. وأسباب الحمل متعددة. .
[2] يذكر (ره) انه في المجاز المشهور: إما يرجح الحمل على المجاز، أو يتوقف أي عدم الحمل لا على المجاز ولا على الحقيقة .
[3] " كيف" : هنا استفهام تقريري وليس توبيخيا ولا حقيقيا ولا استنكاريا.
[5] أذا تم هذا القول نشعر بان الفقه قد تغيّر، فلا تعود صيغة النهي تدل على الحرمة ولا صيغة الامر تدل على الوجوب، فيختلف كثير من الاحكام. .
[6] ومعنى الوقوف هنا، انه إذا لم يكن هناك دليل آخر نذهب إلى الأصل العملي الذي هو البراءة أي الجواز فينتفي الوجوب. وإذا كان من باب العلم الإجمالي فينحل إلى وجوبات معلومة ووجوبات مشكوكة. فالمعلوم يبقى على الوجوب أما الوجوبات المشكوكة يتوقف فيها بين الوجوب والندب. فلا وجود للأصل اللفظي فننتقل إلى الأصل العملي الذي يقتضي البراءة، وهذا يعني أن كل صيغ الامر إما لفظا تدل على الاباحة أو جواز الترك وإلا لا يكون هناك دليل على الوجوب، فنذهب إلى جواز الترك. .
[7] صاحب المعالم هنا سماها المجازات المرجحة ولم يسمها المجاز المشهور وسنبيّن ذلك. .
[9] الفرق بين الخطأ والمجاز: الخطأ استعمال اللفظ في غير ما وضع له بدون علاقة مناسبة، أما المجاز استعمال بعلاقة مناسبة تجوز هذا الاستعمال من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي. .
[10] الفرق بين القرينة الصارفة والقرينة المعيّنة: القرينة المعيّنة تكون في المشترك اللفظي إذا دار بين معنيين حقيقيين نحتاج للقرينة التي تعين احد المعنيين لرفع الابهام. القرينة الصارفة، تكون عند وجود المعنى الحقيقي والمعنى المجازي والدلالة والظهور للمعنى الحقيقي فاحتاج إلى قرينة تصرف عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo