< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: -الجبر والاختيار
- دلالة صيغة الأمر
- الفرق بين الموضوع له والمستعمل فيه والداعي
الجبر والاختيار:
ولكن أشير إلى مسألة وهي ان الانسان مختار بالوجدان وهو يعمل عمله ويحاسب عليه، وأن الله عز وجل خلق في أنفسنا وعقولنا أمرا اسمه " البديهي " لا يحتاج إلى استدلال، وان كل التصويرات التي صوروها لأجل الجبر والاختيار، أو تغيير العبارات ليس سوى إلا تغيير عبارات كما قال الاحناف: " إن الله يخلق الأفعال والعبد يكسبها " هل هذا التعبير يؤدي إلى مآل أو يسمن ويغني من جوع، فالمسألة ليست مسألة كثرة عبارات، هناك وجدان وهو اقوى الأدلة على الاطلاق تتحرك به عقولنا، ويكون كالصخرة القوية التي ترتكز عليها كل العلوم فمثلا: كل علم الهندسة مبتن على بديهية هي: " أن الخطين المتوازيين لا يلتقيان "، ثم بني علم الهندسة التقليدية كله على هذه المقولة، ولولاها لما كان هناك علم الهندسة، ولو كانت بحاجة إلى دليل لتسلسلت والتسلسل باطل لأنه يؤدي إلى بطلان كل العلوم، وهي ثابتة بالوجدان وبالمحسوس، وهذا الوجدان كلما كان صافيا كلما أدرك الحقائق، وهو أقوى الأدلة، بل هو أساس الأدلة. لذلك قالوا في دفع الشبهات التي لا يجدون لها ردا وجوابا مع العلم أنها باطلة: شبهة مقابل بديهة.
ولذلك نقول: إن الانسان لمختار في أفعاله، والوجدان يحكم بذلك، ألا تجد أن البشرية تعاقب من يذنب، ولو لم يعتقد الناس بحرية المذنب في اختياره للعصيان لما أنشأت المحاكم، ولما كان لهم حق لوم العاصي ومعاقبته. وهل هناك أقوى من هذا الدليل. وأما قول الامام الصادق (ع): لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين" فظاهر في كون العبد مختار في ضمن ما أعطاه الله من قدرة، ومجبرا عاجزا فيما عداها. وهذا أيضا أمر وجداني يحكم به العقل والوجدان، ولذلك لا أعتقد ان هناك داعيا لأن يغوص به المسلمون حتى وصل الأمر بهم إلى التفرق والتمزق والتكفير بل ضاعت كثير من الأعمار سدى، ولقد صدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): " العلم نقطة كثرها الجاهلون ". ومن يحب أن يطلع ففي المحاضرات للسيد الخوئي (قده) بحث لطيف ومفصّل لمن أحب.
دلالة صيغة الأمر:
بعد أن بحثنا دلالة مادة الأمر ووصلنا إلى أن مادة أمر لفظ موضوع لمعنى والموضوع له هو الوجوب، دلت على الوجوب بالوضع بقرينة التبادر، لا بالعقل، ولا بحكم العقلاء. هذا ما ذهبنا اليه في مادة الامر والكلام في المادة يختلف عن الكلام في الصيغة. التفريق بين المادة والصيغة تفريق حديث.
ننتقل إلى بحث الصيغة يقول صاحب الكفاية (ره): { الفصل الثاني فيما يتعلق بصيغة الأمر وفيه مباحث.
الأول: أنه ربما يذكر للصيغة معان قد استعملت فيها، وقد عدّ منها: الترجي والتمنّي والتهديد والانذار والإهانة والاحتقار والتعجيز والتسخير إلى غير ذلك، وهذا كما ترى ضرورة أن الصيغة ما استعملت في واحد منها، بل لم تستعمل إلا في إنشاء الطلب [1]، إلا أن الداعي إلى ذلك كما يكون تارة هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعي يكون أخرى أحد هذه الأمور كما لا يخفى.
وقصارى ما يمكن أن يدعى، أن تكون الصيغة موضوعة لإنشاء الطلب فيما إذا لو كان بداعي البعث والتحريك لا بداع آخر منها، فيكون إنشاء الطلب بها بعثا حقيقة، وإنشاؤه بها تهديدا مجازا، وهذا غير كونها مستعملة[2]في التهديد فلا تغفل }. [3]
ملخص كلامه (ره) أنه يذهب إلى كون لفظ الصيغة موضوعا للطلب الإنشائي والمعانى المتعددة التي استعمل فيها ليست من المستعمل فيه اللفظ، بل من دواعي استعمال اللفظ.
وقبل بيان الاقوال والمختار في المسألة لا بد من مقدمات:
الأولى: الفرق بين الموضوع له والمستعمل فيه والداعي؟
فنقول:
-الموضوع له: هو المعنى الموضوع له اللفظ بحيث لو أطلق اللفظ من دون قرينة لانسبق هذا المعنى، وهذا ما سمي بالتبادر. وقد بينا أن الوضع حاجة عقلائية للتعبير.
-المستعمل فيه: هو المعنى الذي استعملت اللفظ للتعبير عنه، فإن كان نفس المعنى الموضوع له كان الاستعمال حقيقة [4]، وإن كان معنى آخر كان الاستعمال مجازيا. والاستعمال هو مرحلة ما بعد الوضع
غالبا [5]، الوضع مقدمة للاستعمال ومقدمة للتعبير. وقد ذهبنا إلى ما ذهب إليه المشهور وما ذهب اليه النائيني (ره) من كون الاستعمال إيجادا تنزيليا للمعنى، وليس علامة على المعنى كما ذهب اليه السيد الخوئي (ره)، حيث بني على هذه المسألة مسائل كثيرة من جملتها عدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
-الداعي: هو الدافع والباعث لهذا الاستعمال، فلا يكون غالبا من المستعمل فيه، لا نفسه ولا جزؤه، بل ولا شرطه، لأن الاستعمال متأخر عن الداعي رتبة، وان كان لا مانع من جعل الداعي شرطا في الموضوع له أو المستعمل فيه بحيث يكون الاستعمال من دون هذا الداعي مجازا، كما لو اشترط الواضع أن تكون صيغة الأمر موضوعة للطلب الإنشائي بشرط كون الداعي هو الطلب الحقيقي. ولذا لا يؤثر في كون الاستعمال على نحو الحقيقة أو المجاز، لانهما يكونان على مستوى الاستعمال وليس في الدواعي ولا الأوضاع.
ولنضرب مثالا نبسط فيه التمييز بين هذه المعاني الثلاثة: " سيارة الرولز رايز " المصنوع لأجله الذي يساوق الموضوع له هو سيارة للنقل فإذا نقلت الناس فيها كان هذا هو المستعمل فيه السيارة، وهو يساوق المستعمل فيه اللفظ، فإذا كان الداعي هو التفاخر بركوبها، كان التفاخر داعيا للاستعمال، وليس هو المصنوع لأجله ولا المستعمل فيه. ولذا لو اشتريتها ووضعتها أما البيت مثلا للتفاخر، من دون استعمالها في النقل، كان هذا استعمالا مجازيا، وكان التفاخر هو المستعمل فيه السيارة. فيكون من قبيل استعمال اللفظ في غير ما وضع له.
هذا التفريق حديث ومهم لأجل فهم الالفاظ ومعانيها، وفي مسألة النواهي والعام والخاص وغيرها.
ونلخص ما مرّ في نقاط: أولا: اننا فرقنا بين الموضوع له والمستعمل فيه والداعي، ثانيا: ان الحقيقة والمجاز يكونان على مستوى المستعمل فيه. ثالثا: ان الداعي غالبا ما يكون خارج المستعمل فيه وان كان لا مانع من ان يكون جزءا من الموضوع له، أو بشرط الاستعمال الحقيقي ان يكون الداعي كذا. وبدونه يكون الاستعمال مجازا.
المقدمة الثانية في معاني الألفاظ: غدا إن شاء الله تعالى.



[1] ومراده هنا الطلب الانشائي ولعلّه مسامحة في التعبير. فإنشاء الطلب بمعنى ان يكون القصد هو الانشاء. ومعنى الطلب الانشائي مختلف لأن الطلب قسمين: الحقيقي والانشائي. .
[2] تارة أخرى نقول انها بداعي التهديد وليس بالاستعمال. .
[4] كلمة حق تعني " الثابت " كما في قوله تعالى " حق القول عليهم "، وفي كلمة حقيقة مبالغتان: الأولى كونها على وزن فعيل " حقيق " وهو من أمثلة المبالغة، والمبالغة الثانية: تاء التأنيث للمبالغة، من قبيل علاّمة وفهّامة. المعنى المستعمل فيه هو الحقيقة، لان الموضوع له بعد الاعتبار أصبح هو الثابت، وهو المعنى الحقيقي، والمعاني الأخرى سميت مجازية لأنها تجاوزت ما هو الثابت إلى معان أخرى.
[5] وإنما قلنا غالبا لأن الوضع قد يكون بنفس الاستعمال كما ذهب إليه الشيخ الآخوند (ره) في أول الكفاية، وهو أمر قليل بل نادر. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo