< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/03/21

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: اتحاد الطلب والإرادة
انما بحثنا هذا البحث جريا على ما جرى عليه صاحب الكفاية (ره)، وفيه بعض الفوائد ولذلك نعرج على بعض النقاط، فهو مبحث كلامي. قلنا ان صاحب الكفاية ذهب إلى اتحاد الطلب والإرادة مفهوما ومصداقا وخارجا.
نحن نقول: لا محيص عن القول بتغاير الطلب والإرادة فإن الإرادة من الكيف القائم بالنفس من العرض المتأصل ومن الصفات النفسانية التي تختلف في مقدماتها عن الطلب، بل قد تكون هي مقدمة له. فهي كما قال (ره): { يبدأ تحققها عند خطور الشيء في الذهن والميل إليه وهيجان الرغبة إليه والتصديق لفائدته، وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لأجلها }.
وأما الطلب – كما يقول السيد الخوئي (ره) – مضمون كلامه-: { فهو من الأفعال الاختيارية الصادرة عن الانسان بالإرادة والاختيار، حيث إنه عبارة عن التصدي نحو تحصيل شيء في الخارج، ومن هنا لا يقال طالب ضالة أو طالب علم إلا لمن تصدّى خارجا لتحصيلهما، وأما من اشتاق إليهما فحسب وأراد فلا يصدق عليه ذلك، ولذا لا يقال طالب المال أو طالب الدنيا لمن اشتاق وارادهما في أفق النفس، ما لم يظهر في الخارج بقول أو بفعل.
وبكلمة أخرى: أن الطلب عنوان للفعل، سواء أكان الفعل نفسانيا أم خارجيا، فلا يصدق على مجرد الشوق والإرادة النفسانية، ويظهر ذلك بوضوح من مثل قولنا: طلبت زيدا فما وجدته، أو: طلبت من فلان كتابا - مثلا - فلم يعطني ...، وهكذا، ضرورة أن الطلب في أمثال ذلك عنوان للفعل الخارجي، وليس إخبارا عن الإرادة والشوق النفساني فحسب، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطلب متعلقا بفعل نفس الإنسان أو عنوانا له كطالب الضالة وطالب العلم وما شاكلهما، وأن يكون متعلقا بفعل غيره، وعلى كلا التقديرين فلا يصدق على مجرد الإرادة. وقد تحصل من ذلك: أن الطلب مباين للإرادة مفهوما ومصداقا، فما أفاده (قده) من أن الوجدان يشهد باتحادها خطأ جدا }. [1]
ونقول: إن الطلب فعل اختياري تارة يكون حقيقيا كطالب المال عند من يسعى إليه خارجا وتكوينا. وتارة يكون إنشائيا عندما يأمر بالمال.
وهذا الطلب فعل اختياري يختلف عن الإرادة يقول تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [2] فالطلب " كن " يختلف عن الإرادة اختلاف المقدم في الشرطية عن التالي. ولولم يكن الطلب شيئا آخر لما كان من داع إليه ولم يكن من داع أن يقول " كن " لإيجاد المراد.
وعليه: فالطلب والإرادة متباينان مفهوما ومصداقا، فلا يمكن صدقهما في الخارج على شيء واحد.
الكلام النفسي في شرح المواقف:
ولبيان ما ذكره صاحب الكفاية (ره) نذكر الأساس لهذا الكلام: انه ان الاشاعرة لما قالوا بالكلام النفسي. كما يقول الجرجاني في شرح المواقف بحث الإلهيات – الأصل للقاضي عضد الدين الإيجي والشرح للسيد الشريف الجرجاني ص 77: { وهذا الذي قالته المعتزلة لا ننكره نحن – أي أن الكلام اللفظي حادث فلا يعقل تقدمه -، بل نقوله، ونسميه كلاما لفظيا ونعترف بحدوثه، وعدم قيامه بذاته تعالى، ولكننا نثبت أمرا وراء ذلك، وهو المعنى القائم بالنفس الذي يعبَّر عنه بالألفاظ، ونقول هو الكلام حقيقة، وهو قديم قائم بذاته تعالى }.
ثم وقد قال في الموقف الخامس من الإلهيات ص 76: { قال الحنابلة: كلامه حرف وصوت يقومان بذاته، وأنه قديم، وقد بالغوا فيه، حتى قال بعض جهلا، الجلد والغلاف قديمان فضلا عن المصحف }. انتهى
وهذا ليس فقط خاطأ جدا، بل هو غريب مستغرب مستنكر، لكن لعلّ الذي جعلهم يشطحون وينحرفون هو قولهم لأن هذا الكلام النفسي لا تنحصر الدلالة عليه في الألفاظ، إذ قد يدل عليه بالإشارة والكتابة.
الاستدلال على الكلام النفسي:
ثم أنهم استدلوا على الكلام النفسي بأدلة منها قول الشاعر: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا. ومنها: إن في النفس شيئا معنويا سموه في الأوامر والنواهي بالطلب، وقالوا إنه غير الإرادة واستدلوا على ذلك بأنه لا إشكال بأن الأمر مشروط بالطلب الحقيقي، والطلب الحقيقي مغاير للإرادة الحقيقية بدليل أنه لا تلازم بينهما دائما إذ قد يأمر الرجل بما لا يريد، فنجد في الأوامر الامتحانية والاعتذارية طلبا حقيقيا مع عدم وجود إرادة حقيقية، فإن الغرض من الأوامر الامتحانية هو الامتحان فقط، بل قد يكون المأمور به مبغوضا كما يمكن أن يقال في أمر الله عز وجل للنبي إبراهيم في ذبح ابنه إسماعيل (عليهم)، والغرض من الأوامر الاعتذارية جعل عدم امتثال المأمور عذرا لتحسن عقوبته، مع العلم أن متعلّق الأمر أيضا قد يكون مبغوضا. هذا التفكيك بين الطلب الحقيقي والإرادة الحقيقية، وقالوا إن هذا الكلام النفسي القائم في ذاته تعالى قديم، وهذا يختلف عن الطلب الإنشائي الذي هو حادث وإن ذهب بعضهم إلى القول بأن كل كلام من الله تعالى قديم حتى الألفاظ والكتابة كما مرّ.

ابطال الكلام النفسي:
وقد أجاب علماء الكلام على ذلك أولا: بأنه لا يمكن قيام القديم بذاته تعالى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وذلك للزوم تعدد القديم. وثانيا: لأن قيام القديم في ذاته تعالى كقيام الحادث كلاهما محال، لأن صفاته عين ذاته، وثالثا: لأن الكلام من الصفات الفعلية لا الذاتية.
وصاحب الكفاية أضاف جوابا آخر هو أننا لا نعقل ولا نجد في أنفسنا وراء تلك الصفات معنى نفسيا آخر، فليس هناك وراء الإرادة الحقيقية النفسية شيء اسمه طلب. وقد ورد في الخبر " لا يعلم ما هناك إلا بما هاهنا ". ذُكر هذا الخبر عن الامام الرضا (ع) في كتاب الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الأربعة لصد المتألهين صدر الدين محمد الشيرازي ج 9 ص 356 " قد علم أولو الالباب أن ما هناك لا يعلم إلا بما هاهنا "، ونقله أيضا في كتاب الأثر الرضوي. يعني إننا نستكشف عالم الغيب بما عرف من عالم الحضور.[3]
يضيف السيد الخوئي (ره) دليلا آخر حيث يقول: { إن ليس في الجملة الخبرية ولا الإنشائية كلام نفسي }. وملخصه:
أما على نظرية المشهور والذي أيدناه من أن النسبة الانشائية أو الإخبارية هي نسبة إيجادية فواضح، إذ ليس قبل وجود اللفظ شيء. وأما على نظرية الإبراز فالإبراز ليس أمرا نفسيا.
يقول (ره): { وبعد ذلك نقول: إن مدلول الجمل الإنشائية على كلتا النظريتين ليس من سنخ الكلام النفسي عند القائلين به . أما على نظرية المشهور فواضح، لما عرفت من أن الكلام النفسي عندهم: عبارة عن صفة قائمة بالنفس في مقابل سائر الصفات النفسانية، وقديم كغيرها من الصفات الأزلية. وبطبيعة الحال أن إيجاد المعنى باللفظ فاقد لهاتين الركيزتين معا. أما الركيزة الأولى فلأنه ليس من الأمور النفسانية ليكون قائما بها. وأما الثانية فلفرض أنه حادث بحدوث اللفظ، وليس بقديم. وأما على نظريتنا فأيضا الأمر كذلك، فإن إبراز الأمر الاعتباري ليس من الأمور النفسانية أيضا. فالنتيجة لحد الآن: أنه لا يعقل في موارد الجمل الخبرية والإنشائية ما يصلح أن يكون من سنخ الكلام النفسي، ومن هنا قلنا: إنه لا يخرج عن مجرد وهم وخيال، فلا واقع موضوعي له }. [4]
نستطيع تلخيص ما مرّ في خطوط، غدا نكمل كلامه ان شاء الله.



[3] ذكرنا سابقا أن الانسان فيه شيء من صفات الله ولكن بصفات محدودة، قد يقال: ان الله عالم وانا عالم. وغيرها من الصفات. لكن الانسان محدود جدا، إذا استطاع أن يفهم المطلق يستطيع أن يعرف ما في عالم الغيب من عالم الحضور بالشيء القليل الموجود لدينا من الأنبياء والأئمة (ع)، وعندما ينسى الإنسان محدوديته يدّعي الالوهية ويضلّ كما قال فرعون عندما ظن أن قدرته مطلقة فيحيى ويميت: أنا ربكم الأعلى. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo