< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: اتحاد الطلب والإرادة
اتحاد الطلب والإرادة وتغايرهما؟
كان الكلام في مادة الامر، وذهبنا انها تدل على الوجوب بالوضع وليس بالعقل ولا ببناء العقلاء.
قبل بيان دلالة صيغة الأمر والموضوع له فيها نجري مع ما ذكره صاحب الكفاية (ره) في مسألة اتحاد الطلب والإرادة، حيث أراد بيان معنى الطلب، وملخص ما يريد ان يقول ان الطلب عين الإرادة، لكن الطلب الانشائي هو عين الإرادة الانشائية، والطلب الحقيقي هو عين الإرادة الحقيقية. والذي دعاهم إلى الذهاب لمغايرة الطلب مع الإرادة هو الانصراف العرفي، فعندما تقول كلمة " طلب " ينصرف إلى الانشائي، وعندما تقول كلمة " إرادة " ينصرف إلى الحقيقية، فتوهم من قال بالتغاير ان الطلب غير الإرادة. ليس لهذه المسألة الأثر الكبير اصوليا نعم لها أثر في علم الكلام. سنتعرض لكلام صاحب الكفاية وسنذهب إلى ان الطلب يختلف عن الإرادة، وأن الطلب لا يسمى طلبا الا بعد وجود فعل اختياري خارجي، مثلا: عندما يقال " طالب مال "، فلا يقال " طالب مال" إلا لمن سعى في طلبه، اما إذا كان فقط يرغب المال ويحبه ويشتاق اليه فلا يطلق عليه اسم " طالب مال". اما الإرادة حتى لو لم اسع يمكن ان أكون مريد المال.
يقول (ره): { الجهة الرابعة: الظاهر أن الطلب الذي يكون هو معنى الأمر، ليس هو الطلب الحقيقي الذي يكون طلبا بالحمل الشائع الصناعي [1]، بل الطلب الانشائي الذي لا يكون بهذا الحمل طلبا مطلقا، بل طلبا إنشائيا، سواء أنشيء بصيغة افعل، أو بمادة الطلب، أو بمادة الامر، أو بغيرها. ولو أبيت إلا عن كونه موضوعا للطلب فلا أقل من كونه منصرفا إلى الانشائي منه عند إطلاقه كما هو الحال في لفظ الطلب أيضا، وذلك لكثرة الاستعمال في الطلب الانشائي، كما أن الامر في لفظ الإرادة على عكس لفظ الطلب، والمنصرف[2]عنها عند إطلاقها هو الإرادة الحقيقية، واختلافهما في ذلك ألجأ بعض أصحابنا إلى الميل إلى ما ذهب إليه الأشاعرة، من المغايرة بين الطلب والإرادة، خلافا لقاطبة أهل الحق والمعتزلة، من اتحادهما. فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما هو الحق في المقام، وإن حققناه في بعض فوائدنا إلا أن الحوالة لما تكن عن المحذور خالية، والإعادة بلا فائدة ولا إفادة، كان المناسب هو التعرض ها هنا أيضا.
فأعلم أن الحق كما عليه أهله - وفاقا للمعتزلة وخلافا للأشاعرة - هو اتحاد الطلب والإرادة، بمعنى أن لفظيهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد وما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر [3]، والطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الانشائية، وبالجملة هما متحدان مفهوما وإنشاء وخارجا، لا أن الطلب الانشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه - كما عرفت - متحد مع الإرادة الحقيقية التي ينصرف إليها إطلاقها أيضا، ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس وأبين من الأمس.
فإذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد، ففي مراجعة الوجدان عند طلب شيء والامر به حقيقة كفاية، فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان [4]، فإن الانسان لا يجد غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها، يكون هو الطلب غيرها، سوى ما هو مقدمة تحققها، عند خطور الشيء والميل وهيجان الرغبة إليه، والتصديق لفائدته، وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لأجلها.
وبالجملة: لا يكاد يكون غير الصفات المعروفة والإرادة هناك صفة أخرى قائمة بها يكون هو الطلب، فلا محيص عن اتحاد الإرادة والطلب، وأن يكون ذلك الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات في إرادة فعله بالمباشرة، أو المستتبع لأمر عبيده به فيما لو أراده لا كذلك [5]، مسمى بالطلب والإرادة كما يعبر به تارة وبها أخرى، كما لا يخفى. وكذا الحال في سائر الصيغ الانشائية، والجمل الخبرية، فإنه لا يكون غير الصفات المعروفة القائمة بالنفس، من الترجي والتمني والعلم إلى غير ذلك، صفة أخرى كانت قائمة بالنفس، وقد دل اللفظ عليها، كما قيل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وقد إنقدح بما حققناه، ما في استدلال الأشاعرة على المغايرة بالأمر مع عدم الإرادة، كما في صورتي الاختبار والاعتذار من الخلل [6]، فإنه كما لا إرادة حقيقة في الصورتين، لا طلب كذلك فيهما، والذي يكون فيهما إنما هو الطلب الانشائي الايقاعي، الذي هو مدلول الصيغة أو المادة، ولم يكن بينا ولا مبينا في الاستدلال مغايرته مع الإرادة الانشائية.
وبالجملة: الذي يتكفله الدليل، ليس إلا الانفكاك بين الإرادة الحقيقية، والطلب المنشأ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما. وهو مما لا محيص عن الالتزام به، كما عرفت، ولكنه لا يضر بدعوى الاتحاد أصلا، لمكان هذه المغايرة والانفكاك بين الطلب الحقيقي والانشائي، كما لا يخفى.
ثم إنه يمكن - مما حققناه - أن يقع الصلح بين الطرفين، ولم يكن نزاع في البين، بأن يكون المراد بحديث الاتحاد ما عرفت من العينية مفهوما ووجودا حقيقيا وانشائيا، ويكون المراد بالمغايرة والاثنينية هو اثنينية الانشائي من الطلب، كما هو كثيرا ما يراد من إطلاق لفظه، والحقيقي من الإرادة، كما هو المراد غالبا منها حين إطلاقها، فيرجع النزاع لفظيا، فافهم }.[7]
نستطيع أن نلخص كلامه (ره) في نقاط:
الأولى: أن الطلب على قسمين: طلب حقيقي وطلب إنشائي والإرادة أيضا كذلك.
الثانية: اتحاد الإرادة الحقيقية مع الطلب الحقيقي[8].
الثالثة: اتحاد الإرادة الانشائية مع الطلب الانشائي.
الرابعة: اتحاد الطلب والإرادة مفهوما وانشاء وخارجا.
الخامسة: انصراف لفظ الطلب عند إطلاقه إلى خصوص الانشائي.
السادسة: انصراف لفظ الإرادة عند إطلاقه إلى خصوص الحقيقية.
السابعة: الدليل على ذلك الوجدان فإننا لا نجد في أنفسنا أمرا آخر غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها يكون هو الطلب غيرها يقول: {وبالجملة لا يكاد يكون غير الصفات المعروفة والإرادة هناك صفة أخرى قائمة بها يكون هو الطلب. فلا محيص إلا من اتحاد الإرادة والطلب }.
الثامنة: هذا الاتحاد منسحب على سائر الصيغ الانشائية والجمل الخبرية، فإنه لا يكون غير الصفات المعروفة القائمة بالنفس من الترجي والتمني والعلم إلى غير ذلك صفة أخرى كانت قائمة بالنفس وقد دلّ اللفظ عليها.
التاسعة: في القول باتحاد الطلب والإرادة جواب على ما ذهب إليه الأشاعرة من الكلام النفسي، ومن المغايرة في الأمر والنهي بين الطلب والإرادة لانفكاكهما في الأوامر الامتحانية وغيرها.
غدا ان شاء الله نبين ما نذهب اليه وما هو الخلل في كلامه(ره).










[1] للتذكير: الفرق بين الحمل الشائع الصناعي والحمل الذاتي الاولي: ان الحمل الذاتي الاولي هو اتحاد في المفهوم والمصداق، سمي ذاتيا اوليا لانه حمل على الذات مثل: الانسان حيوان ناطق. أما الحمل الشائع الصناعي فهو اتحاد في المصداق دون المفهوم، مثلا: الانسان شاعر. سمي شائعا باعتبار انه الشائع بين الناس في الصناعات والعلوم. .
[2] تذكير: كل انسباق تارة يكون بالتبادر وتارة بالانصراف وتارة يكون بالظهور بالمعنى الاخص. وأيضا الانصراف والتبادر هو ظهور بالمعنى الأعم. والتبادر هو انسباق اللفظ إلى الموضوع له، والانصراف هو انسباق اللفظ إلى بعض الموضوع له، والظهور هو ما يفهم من الكلام والنص. .
[3] يعني: إذا قلنا طلب انشائي يكون هو نفس الإرادة الانشائية، ومفهوم الطلب هو نفس مفهوم الإرادة، ومصداق الطلب هو نفس مصداق الإرادة والإرادة الحقيقية هي الطلب الحقيقي. .
[4] دليله فقط الوجدان ليس هناك لا كبرى ولا صغرى أي لا دليل لديه. ولا شك أن الوجدان لو تمّ فهو أقوى الأدلة. .
[5] الطلب فعل خارجي و(قده) إلى الان لا يسلم انه كذلك. والطلب نوعان: طلب تكويني دون امر احد كما لو طلب المال. وهناك طلب تشريعي بنحو الانشاء. .
[6] الامر الاختباري أي الامتحاني وهو غير جدّي، والاعتذاري أي حيث يكون عدم الامتثال عذرا للعقوبة.
[8] تذكير: قسمنا الأمور على أربعة اقسام: اثنان متأصلان في الخارج واثنان غير متأصلين. أما المتأصلان: الجوهر والعرض. الجوهر لا يحتاج إلى موضوع او معروض عليه، اما العرض فيحتاج إلى معروض كالبياض والفرح النفسي. والاثنان غير المتأصلين هما الانتزاعي والاعتباري. كالفوقية في الأول والملكية والزوجية في الثاني. فالإرادة الحقيقية من العرض المتأصل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo