< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/02/08

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأوامر
معنى الأمر لغة: المعنى الحدثي.
هو الطلب الخاص المتعلق بفعل الغير وهو ظاهر في الوجوب بالوضع. فها هنا نقاط:
النقطة الاولى: أنه طلب خاص متعلق بفعل الغير. وذلك أن الطلب تارة يتعلق بفعل الغير، وتارة يتعلق بفعل النفس. ولفظ الطلب موضوع للجامع بينهما فيصدق على فعل الآخرين، والعلاقة بينهما عموم وخصوص مطلق، لأن كل أمر طلب وليس كل طلب أمر، مثال ما يتعلق بفعل الغير: طلبت منه ماءً، ومثال ما يتعلق بفعل النفس: طلبت الماء والعلم والحاجة والحق.
ولفظ الأمر لا يصدق إلا على الحصة الأولى من الطلب، أي الطلب من الغير، ولا يصدق على فعل النفس فلا يصح أن نقول: " آمر علم" كما يصح " طالب علم ". من هنا نعلم أن النسبة بين الطلب والأمر هو العموم والخصوص المطلق. فالأمر يدل على إنشاء طلب خاص.
وهنا لا باس بنقل كلام للسيد الخوئي (ره) حيث يقول: { ولكن الصحيح في المقام أن يقال إن مادة الأمر لم توضع للدلالة على حصة خاصة من الطلب، وهي الحصة المتعلقة بفعل الغير، بل وضعت للدلالة على ابراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج، والسبب في ذلك ما حققناه في بحث الإنشاء من أنه عبارة عن اعتبار الأمر النفساني وابرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل أو ما شاكله.
ثم يقول: ونتيجة ما ذكرناه أمران: الاول: إن مادة الأمر أو ما شاكلها [1]موضوعة للدلالة على ابراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج، وهو اعتبار المولى الفعل على ذمة المكلف، ولا تدل على أمر آخر ما عدا ذلك.
الثاني أنها مصداق للطلب والبعث إجماعا لا أنهما معناها } انتهى [2]
وقد حققنا سابقا أن الإنشاء عبارة عن أمر إيجادي اعتباري لا إبرازي، نعم إبراز ما في النفس يكون من قبيل الداعي له والدافع، والانشاء ايجاد شيء جديد قبله لم يكن شيء موجودا، كما ذكرنا في بحث العقد في درس الفقه، وما اشتهر على لسان الاصوليين من " إن الكلام لفي الفؤاد " غير سليم لان ما في الفؤاد دافع وداع وعلّة لوجود الكلام. ومثاله: في عقد الزواج من وجود الناس ورضى الزوجين قبل العقد، هذا لا يعنى انه وقع العقد واصبحا زوجين، ولا يعني أن العقد موجود في نفسيهما. وقلنا أن الرضى في العقد شرط في التأثير ولا علاقة له بمفهوم العقد، فإنشاء العقد هو نفس الصيغة وما في النفس داع له.
ولعلَّ هذا هو مراد المحقق السيد الخوئي (ره) ومن قال بالنسبة الإبرازية في الانشائيات. وحينئذ لا فرق بين القول بالنسبة الابرازية والقول بالنسبة الايجادية.
النقطة الثانية: أن مادة " الأمر " ظاهرة في الوجوب.
نقول انه لا شك ولا ريب بأنه ظاهر في الوجوب على خلاف بقية الأقوال، لكن الكلام في أن هذا الظهور هو بحسب: الوضع؟ أو بالإطلاق؟ أو بحكم العقل؟
وقبل أن نذكر ذلك والدليل على كونه حقيقة في الوجوب، نورد ما استدل به من قال بوضعه للأعم وجوابه.
أدلة القول بالوضع للأعم،، والجواب عليه:
فقد استدل بوضعه للأعم من الوجوب والاستحباب أي انه موضوع للجامع، للمشترك المعنوي بينهما بأمور:
منها: التقسيم، فإن تقسيم الأمر إلى الإيجاب والاستحباب دليل على إرادة الأعم.
والجواب: أن نفس التقسيم قد يكون قرينة على إرادة الأعم من لفظ الامر ثم قسمت، واستعمال لفظ الأمر في الأعم لا يدل على كونه موضوعا له إلا بناء على نظرية أن الاستعمال علامة الحقيقة، وقد بينا بطلانها.
ومنها: إن الاستعمال في الاستحباب ثابت ويدل على أنه موضوع للمستحب، وهذا الاستعمال لا يخلو:
-إما أن يكون في الأعم أي القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب وعلى نحو الحقيقة.[3] وإما أن يكون موضوعا للاستحباب على نحو الاشتراك اللفظي بينها، أيبين الاستحباب والوجوب.
-وإما أن يكون موضوعا للوجوب ومجازا في الاستحباب.
ولا شك أن الأول أولى، ذلك أنه لا يحتاج إلا إلى وضع واحد، وهو أولى من الثاني أي من الاشتراك الفظي الذي يحتاج إلى وضعين، أي إلى مؤونة زائدة والاصل عدمها، وهو أولى أيضا من الثالث أي من المجاز الذي يحتاج إلى مؤونة قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي وهو الوجوب والاصل عدمها.
والجواب: أن هذه الترجيحات استحسانات. وقد ذكرنا سابقا عدم قيامها دليلا على إثبات الأوضاع. أصالة عدم الاشتراك وأصالة عدم التقدير وأن الاشتراك أشد مؤونة من المجاز لأن مؤونة الوضع أشد من مؤونة الاستعمال في المعنى الآخر، وأن الداعي للوضع أشد من الداعي للمجاز وغيرها، هذه الاصول وهذه الأمور استحسانات لا تثبت وضعا وإن قال بها بعضهم كالقدماء خصوصا.
















[1] ما شاكلها من صيغة افعل، مشترك بين جميع مادة الامر. .
[3] مثلا: لو قلت اتني برجل واتيت بزيد أو عمرو. لفظ رجل موضوع للرجل ومستعمل برجل وتطبيقا اتيت بزيد، فلو كان مستعملا بزيد لكان مجازا، لأن الاستعمال في الفرد هو استعمال للفظ في غير ما وضع له. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo