< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الصحيح والأعم
  قبل أن نأتي للثمرة نعود لبيان كلام صاحب الكفاية (ره) ومنها: أنه لا بد على كلا القولين من قدر جامع في البين كان هو المسمى بلفظ كذا. ولا إشكال في وجوده بين الافراد الصحيحة، وإمكان الإشارة إليه بخواصه وآثاره، فإن الإشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذاك الجامع ..... الخ.
  بيانه: لا بد من جامع بين جميع الأفراد يكون هو المسمى بلفظ " صلاة " أو " صوم " أو غير ذلك.
  تصوير الجامع على القول بالوضع الصحيح:
  تقدم في مبحث الوضع وكيفيته أنه لا بد من تصور الموضوع له لأن الوضع عبارة عن حمل، والموضوع له إما أن نتصوره بنفسه أو بوجهه وعنوانه. وهنا الأفراد الصحيحة كثيرة التفاوت، فصلاة الظهر اربع ركعات في الحضر، وركعتان في السفر. ولو صليت ركعتين في الحضر لا تسمى صلاة لأنها فاسدة، والفرض ان اللفظ موضوع للصحيح، وقد مرَّ أن الصحة والفساد أمران إضافيان بمعنى يختلفان بحسب الحالات. ومع كثرة التفاوت وعدم إمكان إسقاط أي جزء يؤدّي إلى الفساد، الذي يؤدِّي إلى انتفاء الاسم، لا يمكن تصور الجامع بنفسه، فحينئذ لا بد من تصوره بوجهه لنضع له اللفظ، وهذا الوجه هو الأثر المشترك للعبادة مثلا: " الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" فالنهي عن الفحشاء أثر لكل صلاة، وهو أثر واحد للجميع يكشف عن مؤثر واحد تطبيقا لقاعدة " الواحد لا يصدر إلا عن واحد ".
  بيان القاعدة: إن الأسباب المختلفة التي ينتج عنها مسبَّب واحد تشترك في أمر جامع يكون هو السبب الحقيقي والافراد عبارة عن مشخصات، فمثلا: الحرارة مسببة عن الاحتكاك وعن الاحتراق بالنار، وعن تفكك الذرّة وغيرها. فلا بد من وجود أمر واحد موجود في الجميع هو علّة الحرارة. وإلا فلماذا لا تؤثر أمور اخرى ولا تنتج حرارة؟ أن عدم إنتاج الاشياء الأخرى للحرارة هو نتيجة عدم احتوائها للجامع. [1]
 
  [2] وتطبيقا لهذه القاعدة ينتج لدينا أن " النهي عن الفحشاء " الذي هو أثر لكل صلاة صحيحة ناتج عن أمر واحد يجمعها جميعا وهو الكلي والمشترك المعنوي بينها جميعا. وهذا الجامع وإن لم أستطع تصوره بنفسه، ولكن استطيع تصوره بوجهه وهو الآثار كـ " النهي عن الفحشاء " و " معراج المؤمن " و " قربان كل تقي "، وهكذا في الصوم فهو موضوع لأمر يجمع كل أفراده الصحيحة وأتصوره بأثره وهو كونه " جنّة من النار ". وهكذا بقية العبادات.
  إشكال صاحب الكفاية (ره) هذا التصوير: والاشكال فيه: بأن الجامع لا يكاد يكون أمرا مركبا، إذ كل ما فرض جامعا يمكن أن يكون صحيحا وفاسدا لما عرفت. ولا أمرا بسيطا لأنه لا يخلو إما أن يكون هو عنوان المطلوب أو ملزوما مساويا له، والاول غير معقول بداهة استحالة أخذ ما لا يتأتى إلا من قبل الطلب في متعلّقه، مع لزوم الترادف بين لفظة الصلاة والمطلوب، وعدم جريان البراءة مع الشك في أجزاء العبادات وشرائطها لعدم الإجمال حينئذ في المأمور له فيها، وإنما الإجمال فيما يتحقق به وفي مثله لا مجال لها كما حقق في محله، مع أن مشهور القائلين بالصحيح قائلون به في الشك فيها. وبهذا يشكِل لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب أيضا، مدفوع.
  فأولا: هذا الجامع إما أن يكون مركبا أو بسيطا.
  ولا يمكن تصوره مركبا لأن أي مركب افترضناه صحيحا بحسب حالة فهو فاسد بحسب أخرى، لما عرفت من أن الصحيح والفاسد أمران إضافيان يختلف حالهما بحسب اختلاف الحالات.
  ولا يكون أمرا بسيطا، لأنه لا يخلو: إما أن يكون عنوان المطلوب أو ملزوما مساويا له. وإنما قيدناه بالمساوي لأن الأعم يلزم منه أن المسمى هو الصحيح، فكيف يكون البعض يلزم منه خروج بعض المطلوب عن المسمى.
  ثم إن هذا البسيط لا يكون عنوان المطلوب لأنه يلزم منه ثلاثة أمور كلها باطلة. فالملزوم ايضا باطل.
  أولا: الترادف بين لفظ المطلوب ولفظ " صلاة " مثلا، بل الترادف بينه وبين كل الفاظ العبادات.
  ثانيا: أخذ ما لا يتأتى إلا من قبل الطلب في متعلّقه، فالمسمى لا يكون مطلوبا إلا إذا طُلِب، فإذا كان هو نفس المطلوب لزم منه الدور أو الخلف، إذ الطلب متوقف على المسمى والمسمى متوقف على
 الطلب، لأن المسمى هو عين المطلوب، فيدور. وايضا الطلب متقدم على المسمى والمفروض أنه متأخر عنه وهو خلف.
  ثالثا: بناء على تصوير الجامع وكونه أمرا بسيطا على القول بالوضع الصحيح يلزم منه عدم جريان أصل البراءة مع الشك في أجزاء العبادات وشرائطها، لأن " الصلاة " مثلا لو كانت هي هذه المركبات الخارجية، فمع الشك في جزء أو شرط كان المأمور به مجملا وكان الشك في التكليف لأنه يؤدي إلى الشك في وجوب الاتيان بالجزء أو الشرط، وهو مورد أصالة البراءة. وأما ما نحن فيه، فلا إجمال في المأمور به لأنه أمر بسيط على الفرض، وهذه المركبات الخارجية محققات، وكان الشك في الجزء أو الشرط شك في المحقق، وهو مجرى أصل الاحتياط كما حقق في محلِّه، مع العلم أن مشهور القائلين بالصحيح قائلون بجريان أصل البراءة في مثل هذه المسألة.
  لكن هذا اللزوم الثالث مدفوع.
 
 
 
 
 
  والحمد لله رب العالمين.


[1] بيان ادراك العلل بالآثار: ذكر في المنطق أن هناك فرقا بين الحد والرسم، فالتعريف بالرسم يكون بالخواص وبالحد يكون بالماهيات. فالقدماء والمسلمون اسسوا مسألة وذهب اليها بعض الفلاسفة الحديثين مؤسسي الفلسفة المثالية مثل عمانوئيل كونت. فقد قيل ان الحد تعريف بالماهيات وهناك حد تام وحد ناقص، مثلا: الإنسان حيوان ناطق بناء على ان الناطق جزء من الماهية. أما الرسم فكالإنسان حيوان ضاحك، وهناك رسم تام ورسم ناقص يعرف بالأثر أو بالخواص وليس بالماهيات. وذكر في المنطق ان الماهيات والحدود لا تدرك، الامر في ذاته لا يدرك والذي يدرك هو الخواص والاوصاف الظواهر، وهذا ما سلم به الكثير من فلاسفة المسلمين وتأسست ===
[2] عليه الفلسفة المثالية الغربية مقابل الفلسفة التجريبية. فلعمانوئيل كونت مؤسس الفلسفة المثالية كلام يقسم فيه الامور على قسمين: الاشياء في ذاتها " النومن " والاشياء في ظواهرها " الفنومن "، فالأشياء في ذاتها العقل عاجز عن ادراكها لذلك علينا ان نعمل بالظواهر. وهذا نفسه ما ذكره فلاسفة المسلمين وقبلهم فلاسفة اليونان. فاذا كانت هذه الماهية لا تدرك لكننا نستطيع أن ندركها بوجهها كما نستطيع ان ندرك آثار الخالق عز وجل. وذكرنا في الوضع انما احتجنا للوضع العام والموضوع له خاص لان الافراد حين لا نستطيع تصور الموضوع بنفسه وهو الافراد الكثيرة، فأتصوره بأمر حاك عنه والعلّة التي لا أدركها بنفسها أتصورها بأمر حاك وهو أفرادها من قبيل الصورة للمرأة التي أريد الزواج منها مع اني اتزوج المرأة لا الصورة الحاكية عنها. وهنا أيضا الجامع بين الصلوات لا استطيع إدراكه بنفسه لكني ادركه بخواصه وآثاره.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo