< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/03/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: علامات الحقيقة والمجاز
  • بقي في المقام دفع وهم حول الإطراد: فإنه قد يقال أنه مع الشك في الإطراد، يستعمل اللفظ بما يحمل من معنى ارتكازي، وهذا الإستعمال قد يكون حقيقيا وقد يكون مجازيا.
  وأوردوا عليه: أننا نثبت ورود اللفظ على النحو الحقيقي بأصالة عدم القرينة، ففي مثل لفظ: الأسد، استعماله يكون تحت عنوانين، حقيقي ومجازي، فإذا كان الإستعمال صحيحا، تكون كل الإستعمالات في بقية الحيوانات المشابهة صحيحة، ونحمل لفظ الأسد على المعنى الحقيقي لأصالة عدم القرينة، ولا يمكن الحمل على المجازية لحاجته للقرينة وهي مفقودة في المقام.
 و يرد عليه: أن أصالة عدم القرينة تجري عند الشك في المراد بغض النظر عن الوضع.
 الاستعمال
  العلامة الرابعة: الاستعمال
 ذهب جماعة منهم الشريف المرتضى (قده) إلى كون الإستعمال علامة على الحقيقة، وقد نقل هذا الرأي صاحب المعالم (قده). [1]
 
  بيانها: إن استعمال اللفظ في معنى دون قرينة دليل على كونه حقيقة فيه، لأن المجاز يحتاج إلى قرينة،و هي مفقودة في المقام.
  وأورد عليه: أن الإستعمال أعم من الحقيقة والمجاز، ولو كان الإستعمال لمرة واحدة، فمجرد صحة الإستعمال ليس بدليل على كون اللفظ موضوعا للمعنى الحقيقي، وهذا ما ذهب إليه الخوئي (قده) حيث قال مستدلا بعدم كون العام دليلا على الخاص.
 وفيه: ما ذكرناه سابقا في صحة الحمل والاطراد، من التفريق بين فهم المستعلم من أبناء اللغة صاحب العلم الدفين في وجدانه، وبين المتعلم الأجنبي عن اللغة، فإن الاول يعلم بوجدانه ما إذا
 
 كان التكلف موجودا، فإن كان كذلك كان مجازا وإلا كان حقيقة. [2]
 لفتة: الكلام الذي أوردناه في الاطراد يرد هنا أيضا، مثل: الاسئلة الثلاثة التي يحتاجها الأجنبي عند استعلامه عن معنى اللفظ والتي يطرحها على أهل المحاورة، وللتذكير هي:
  اولا: هل يصح الاستعمال أو لا؟
  ثانيا: هل هو بالحمل الذاتي الاولي أو الشايع الصناعي؟
  ثالثا: هل فيه شعور بالمؤونة الزائدة والتكلف؟
 قول اللغوي
 العلامة الخامسة: هل قول اللغوي علامة على كون اللفظ حقيقة، أي لو صرَّح اللغوي بالوضوع له، فهل قوله دليل؟
  نكرر ما ذكرناه بأن اللفظ موضوع لمعنى ارتكازي في نفسي، إذا التفت إليه يكون علما تفصيليا ويكون هو الموضوع له، ومع عدم الالتفات يحتاج للبحث عنه وقد تطول المدة، وهذه العلامات المذكورة آليات للبحث عن الموضوع له وهو المعنى الارتكازي الدفين في النفس، فلو شككنا في لفظ (ثيب) مثلا: كلمة " ثيب "، هل وضعت لمن فقدت بكارتها، أو لمن فقدت بكارتها بعقد شرعي، وهل تشمل من تم العقد عليها بدون دخول، وهل تشمل من فقدت بكارتها عرضا كما لو قفزت، والقدر المتيقن هو التي فقدت بكارتها بعقد شرعي، أما الافراد الاخرى فمشكوكة، ولا شك بوجود معنى حقيقي لا أعلمه أو نسيته، فأبحث عنه في مرتكزاتي بالتبادر مثلا، بصحة الحمل، بعدم صحة السلب، بالاطراد، بالاستعمال، أما في قول اللغوي، فعملية البحث مفقودة لأنه إخبار ووسيلة اثبات، فيصبح البحث كالتالي: هل قول اللغوي حجة في الاثباتات؟ وهل قوله حجة في وضع اللفظ لمعنى القدر المتيقن من لفظ " الثيب "؟ وهو خصوص التي فقدت بكارتها بعقد شرعي دون غيرها.
  نقول:
  اولا: مما يهون الخطب عدم تعرض اللغويين إلا ما شذ وندر كما في أساس البلاغة للزمخشري للمعنى الحقيقي والمجازي، بل كانوا يدرجون الاستعمالات.
  ثانيا: هناك حالتان في المقام: فتارة قول اللغوي يؤدي إلى اطمئنان بالمعنى الموضوع له، وتارة لا يؤدي الى ذلك بل نبقى في دائرة الشك والظن، فإذا ادى إلى الاطمئنان، يصبح الاطمئنان هو الحجة وليس قول اللغوي، وكذا اذا ادى إلى قطع يكون القطع هو الحجة، فمتعلق القطع هو قول اللغوي، ولهذا نلاحظ الزيادة المتعمدة في الكتب الفقهية في طرح أصحاب المؤلفات وآرائهم لكونه مساعدا ومقويا للإطمئنان، فتراكم الاحتمالات يؤدي إلى كثرة الاطمئنان كما يقول الشهيد الصدر (ره).
 أما إذا بقينا في دائرة الشك والظن، فهل قول اللغوي حجة أو لا؟
 أقصى ما يمكن أن يقال في الدفاع عن حجية قول اللغوي هو اقتضاء السيرة العقلائية الرجوع إلى أهل الخبرة من قبيل رجوع الجاهل إلى العالم، كما في رجوع المريض إلى الطبيب والى المهندس في البناء، والمقلِّد إلى الفقيه.
  الجواب: أن الرجوع إلى العالم من قبل الجاهل في اللغة، يختلف عن الرجوع في مسألة الفقه والطب، فاللغوي يتحدث من موقعه كابن لغة بوجدانه واحساسه، وهو ليس متعلما اجنبيا، بينما في مثل الفقه و الطب رجوع الجاهل إلى العالم رجوع عن جهل تام أجنبي.
 لفتة: أننا أيضا أبناء لغة، فأنا كعربي حين ارجع إلى قواميس اللغة العربية، كالفيروز ابادي وابن منظور والجوهري وغيرهم يمكن أن أرى الجوهري أو غيره على خطأ، فعندما أشك لا أرى أنه مصيب، فكيف يكون مرجعا لي في اللغة. كما الحال لو كان عندي فقيهان مجتهدان واجتهد كل منهما برأي مخالف للآخر، فهل يحق له أن يقلده؟.
  الجواب: يكون بالنفي، مع العلم أنه من أهل الخبرة و لكن الآخر يراه غير مصيب، فلا يحق له الرجوع إليه حينها بل عليه أن يجتهد، وبعبارة أخرى: بقاء الشك لا يبقي لدى حجية الرجوع إلى العالم حيز في طرحنا.
  نعم قد يقال أن الاجنبي عن اللغة لا يميز خطأ اللغوي، فيمكن أن يقال حينها ان الرجوع إلى ابناء اللغة حجة ودليلا، كرجوع المقلد إلى المجتهد، بينما لا يحق للمجتهد أن يرجع للمجتهد الاخر إذا بقي الشك عنده لاندراجه تحت نفس المستوى العلمي في الفهم والإستنباط.
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] قد يقال إني أخالف المشهور كثيرا، وقد سمعتها من أكثر من ناقل محب، لكني في الواقع لست اخالف المشهور، بل إن ذوق القدماء الاصولي هو الذي يستوقفني أكثر، لذا أوافقهم في أغلب طرحي للمسائل الأصولية و الفقهية، وسنذهب إلى ان الاستعمال علامة على الحقيقة كما ذكر الشريف المرتضى.
[2] قد يرد اشكال في المقام و هو: أنه من المعلوم تقديم المجاز المشهور في لفظ إذا دار إستعماله بينه وبين المعنى الحقيقي و هذا لترجيح كفة الظهور في النص للمجاز المشهور. والجواب: لا مفر من التكلف في المقام حيث يبقى الاحساس موجودا و متعينا. والقرينة شيء والظهور في المجاز شيء آخر، فإن الظهور موجود حتى في المجاز العادي الذي نجد تكلف ومؤونة فيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo