< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/02/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 علامات الحقيقة والمجاز
  الثمرة من البحث:
  تذكير بما مرّ في العلامة الاولى: التبادر.
 وقلنا بكون إثبات الالفاظ لمعانيها في الماضي من باب أصالة عدم النقل لا من باب استصحاب القهقرى وأنها أمارة عقلائية مستقلة تبانى عليها العقلاء قبل الشرع وبعد الشرع، ولولاها لما استطعنا أن نفهم من النصوص الماضية شيئا، ولا نستطيع أن نحملها على معانيها، فإذن هنا حاجة لإثبات المعاني الماضية.
 وهناك ثمرة ثانية مهمة: أني حينئذ اتبع في دلالتها وحجيتها سعة وضيقا دليلها وهو بناء العقلاء وليس دليل الاستصحاب وهذا شأن كل الأصول والقواعد، فمثلا: ما هو الدليل على الخبر الواحد؟ إذا قلنا بناء العقلاء، حينئذ اتبع بناء العقلاء، أي خبر يعتبرونه حجة اعتبره حجة. ولذلك لو قام ظن على خلاف خبر الثقة فماذا أفعل؟ إن كان بناء العقلاء هو الدليل اتبعه. أما إذا كان الدليل هو النص من قبيل الآية القرآنية " إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " بإطلاق المفهوم يشمل كل خبر عادل، سواء قام الظن على خلافة أم لم يقم. وكذا إذا قلت أن الدليل هو الروايات " صدِّق العادل " بإطلاقها، قام الظن على خلافها أم لم يقم. لذلك قلنا مرارا أن تحديد الدليل على أمر ينفعنا كثيرا في معرفة حجية المدلول سعتا وضيقا. وهنا كذلك فلا نعيد.
  لا بد للبحث في علائم الحقيقة من ثمرة: قد يقال: ما الداعي لأن أعرف المعنى الحقيقي خصوصا أن كتب اللغة بشكل عام لا تنص على المعنى الحقيقي، بل ذكروا المعاني الحقيقية والمجازية على نسق واحد، نعم هناك الزمخشري في كتابه الأساس، ذكر المعنى الحقيقي احيانا.
  فالسؤال هو ما الداعي لعقد هذا البحث علامة الحقيقة والمجاز؟
  فقد يقال: إن الالفاظ وضعت لأجل التفهيم والتفاهم ونقل المعلومات، والعقلاء يرجعون فيها إلى الظهورات فما كان ظاهرا أخذ به، وما لم يكن ظاهرا تركوه حتى لو كان هو المعنى الحقيقي. وقد درسنا وستأتينا أن أصالة الظهور هي الجارية، ومجراها هو عند الشك في المراد لا عند الشك في الاستعمال. بعبارة أخرى همُّ العقلاء هو مرادهم من العبارة أما كيفية استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي أو غيره فآخر همِّهم. وذكرنا سابقا مثالا واضحا على ذلك الاستعارة بالكناية: كقولهم " انشبت المنية اظفارها في زيد " نفهم منها أنه يموت أو على حافة الموت أو مات. كيف تم هذا الفهم؟
  يقول أهل البلاغة، أنه تم تشبيه المنية بالأسد، ثم حذف المشبه به الأسد واعطي بعض لوازم المشبه به التي هي الاظفار للمشبه ولذا قال أظفارها أي المنية. بعد تمامية هذا التركيب فهمنا أن المراد هو موت زيد. هذا الاستعمال وكيفيته لم يهتم به العقلاء فهمُّهم ماذا تريد من كلامك، وبعد فهم المراد قد انتهت الحاجة. ولذك قالوا أن أصالة الظهور حجة عند الشك في المراد لأنها أصالة عقلائية تبانى عليها العقلاء لحاجة وهي فهمهم المرادات من الالفاظ.
  ومع الظهور في المراد سواء كان معنى حقيقيا أم مجازيا كما في المجاز المشهور، فلا جدوى من البحث عن المعنى الموضوع له، وهذا واضح خصوصا على القول بعدم جريان أصالة عدم القرينة.
 والجواب: إن أصالة الحقيقة إما أن ترجع إلى أصالة الحقيقة تعبدا وإما إلى أصالة الظهور.
 أما على القول بكونها ترجع إلى أصالة الحقيقة تعبدا. يعني أن المراد هو المعنى الحقيقي ويتم الحمل عليه.
  إذن هنا معرفة الحقيقي أصبح لها ثمرة، فعلامة الحقيقة لها ثمرة.
  أما على القول بكونها ترجع إلى أصالة الظهور فهي أصول وجودية تجري عند الشك في المراد لا عند الشك في الاستعمال، ذلك أن حاجة العقلاء من استعمال اللفظ هي فهم مراد اللافظ ولا همَّ لهم بعد ذلك في كيفية الاستعمال، وعليه لا جدوى من معرفة المعنى الحقيقي. مثلا: المجاز المشهور، قالوا: إذا دار الأمر بين الحقيقة والمجاز المشهور، يحمل اللفظ على المجاز المشهور رغم أنه مجازا. فكل ما كان ظاهرا اعمل به.
  على هذا قد يقال ما الثمرة من البحث؟
  يمكن أن يقال: إن معرفة المعنى الحقيقي قد تعين على استظهار المعنى ولذا كانت مباحث الالفاظ في علم الأصول تحقيق صغريات ومصاديق حجية الظهور، بمعنى أنها تعيننا على تحقيق الظهور، لا أنها تثبت وتدل وتعيّن الظهور بالضرورة، أي هي معين لا معيّن. مثلا: بحث المشتق، لفظ الأمر، مادة الأمر، ظهور الأمر في الوجوب، وظهور الأمر في الاباحة بعد الحظر، مباحث النواهي اللفظية، إلى آخره. فبحث المشتق هو لتشخيص صغريات حجية الظهور التي هي أن المشتق في أي شيء هو ظاهر، في المتلبس أو في الأعم. أسس هذا البحث لمعرفة ظهور المشتق، فإذا عرفت أنه ظاهر في خصوص المتلبس، حينئذ يكون صغرى لعام كل ظاهر حجة. كما في الرواية مثلا: يكره التبول تحت الاشجار المثمرة. وأشك أن الشجرة يصدق عليها المثمرة أو لا؟ إذا حققت في مباحث الاصول أن المشتق حقيقة في المتلبس، وإذا فهمت أن المتلبس أعم، أيهما نتبع؟ نتبع العام لأصالة الظهور.
  بناء على أن أصالة الحقيقة تعبدا اتبع الخاص، وبناء على الرجوع إلى أصالة الظهور اتبع العام، لكن لا يعني هذا أن ما درسناه في الأصول في علامة المعنى الحقيقي لا قيمة له، بل هو مُعين لي على فهم المراد لكنه ليس بمعيَّن.
 
 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo