< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 وضع المركبات.
 
  قلنا إن الكلام في المركبات بمعنى وضع للمركب غير المفردات وغير الهيئات التركيبية التي لها معنى خاص كـ " زيد إنسان " أي غير زيد الموضوع له، غير الإنسان، غير الهيئة التركيبية بينهما المسند والمسند إليه. هل نحن بحاجة إلى تركيب آخر للمركب ككل؟ قالوا لسنا بحاجة للزوم اللغوية أولا، ولتعدد الدلالة ثانيا.
  وقلنا هذا الكلام لم يأت من فراغ فإن الصورة التركيبية من قبيل " أني اراه يقدّم رجلا ويؤخر أخرى " تدل على المتردد ونعلم أن هذه المفردات استعملت في المعنى الحقيقي، فالموضوع له هو المعنى الحقيقي والمستعمل فيه المعنى الحقيقي.
  " المتردد " معنى استفدناه، من أين أتت هذه الاستفادة؟ إذا كانت مجازا والمجاز فرع الحقيقة والمجاز ليس عن الافراد بل عن الصورة، فلا بد من وضع للصورة التركيبية التي انتزع منها هذا المعنى فلا بد من وضع للصورة التركيبية، فلا يعدّ لغوا وليس لديّ دلالتان لمعنى واحد.
  الإشكال: أن هناك داعيا لوضع المركب ككل لا كما قال صاحب الكفاية وكما قال المشهور، وقد وقع وضع هذا المعنى في المحاورات الكثيرة في اللغة العربية بل وفي القرآن الكريم كثيرا لذلك ينتفي ما ذكر من اللوازم.
  لا بد من ثلاثة مقدمات لحل هذا الاشكال:
  الاول: أن استفادة المقاصد قد تكون بالألفاظ وقد تكون بغير الالفاظ كالإشارات والكتابة والقرائن العقلية والحالية وقد تكون بهما معا. مثلا: ما ذكروه في الاستفهام قالوا: أن الاستفهام على أنواع: استفهام حقيقي، انكاري، توبيخي، تقريري. عندما أقول لك: " هل قتلت زيدا؟ " الالفاظ مستعملة في معانيها الحقيقية، مادة القتل ونسبة بين الفعل للفاعل، ونسبة بين الفعل والفاعل والمفعول. تارة أريد أن أوبخك فأقول: " هل قتلت زيدا؟ " مع وجود اشارة من العينين. وتارة أريد أن أقرره كما أنا كحاكم وأعلم أنه قتل زيد، لكن أريد أن أجعله يعترف بذلك بنفسه، فليس استفهاما حقيقيا.
  السؤال: التوبيخ والتقرير والانكار وغير ذلك من المعاني من أين أتت؟ لقد أتت من القرائن ومن الاشارات غير اللفظ. فهل أنا هنا بحاجة لوضع المركبات حتى أخذ منه معنى التوبيخ إذا كان مجازا. نعلم في جميع هذه الحالات في الاستفهام الحقيقي والتوبيخ والانكار أن اللفظ مستعمل في نفس الموضوع له في المعاني الحقيقية، من أين أتى التوبيخ؟ والدلالة هنا تمت بواسطة اللفظ والاشارة معا وليس فقط من اللفظ وليس فقط من الاشارة. إذن هناك دالين على المعنى اللغوي.
  المقدمة الثانية: أن الهيئات هي من الالفاظ ذلك أن الفعل له هيئة ومادة والهيئة تدل على معنى وهي النسبة الربطية أي نسبة ناقصة تحتاج إلى مادة تقوم فيها، هذه الدلالة بالوضع كل ما في الامر أنه موضوع بالوضع النوعي، وأيضا هناك كلام أن الموضوع له خاص أو الموضوع له عام؟
  المقدمة الثالثة: أن الواضع حكيم لا يضع إلا لغاية وغرض يدعوه إليه وإلا أصبح الوضع لغوا. من هنا صاحب الكفاية ذكر إشكالين على الموضوع، على جعل وضع للمركبات.
  الاشكال الاول: لزوم اللغوية إذ لا حاجة لوضع آخر غير وضع المفردات والهيئات التركيبية. وانطلاقا من المقدمة الثالثة فإن هذا النوع من الوضع لا يصدر عن حكيم.
  ولكن يرد عليه: أن المعاني المستفادة من المركبات بالصور التمثيلية ليست موضوعا لها لا في المفردات ولا في الهيئات التركيبية. فلو فرضنا أننا وضعنا للمركب واستفدنا مجازا من التوبيخ أو المتردد، لم يعد الوضع لغوا، بل هناك وضع حقيقي استفيد منه معنى مجازي، فلا لغوية. وهذه المعاني ليست مجرد افتراض بل هو أمر واقع في اللغة العربية، إذن هناك حاجة للوضع للمركبات ومع الحاجة لا لغوية.
  الاشكال الثاني لصاحب الكفاية (ره) لزوم تعدد الدلالة على نفس المعنى وذلك لكونه تارة ملحوظا بوضعها بنفسها، وتارة لكونه ملحوظا بوضع المركب ككل. أي هناك دلالتين على نفس المعنى.
  ويرد عليه: أنه في الصورة المستفادة من المركب، يوجد دلالتان:
  الاولى: للمعنى الحقيقي بالأوضاع الاولى، الموضوع والموضوع له والمفردات والهيئات.
  والثانية: للمعنى التركيبي الذي نتج عنه المجاز أي المعنى المراد الذي هو المتردد. إذن هناك مدلولان وليس مدلولا واحدا. والاشكال هو أن الدلالتين على معنى واحد، فإذا كانت الدلالة على معنيين فلا إشكال.
  من هنا يقال في المعاني المستفادة من الصورة التركيبية أنه لا إشكال في أن مفردات هذا المركب من الاسم والفعل والفاعل والحروف والهيئات أنها استعملت في معانيها الحقيقية فلا تدل على المتردد وليس مستعملة مجازا في المتردد بما هي، فلا بد من وقوع تجوز في الكلام. فلو لم يكن وضع للمركب كمركب لما كان للمجاز محل، لان المجاز فرع الحقيقة والمعنى المجازي " المتردد " ليس فرعا عن أي فرد منها، بل فرع عن الصورة كمركب ككل لأنه منتزع منها وليس منتزعا من أفرادها. فلا بد من وضع للصورة ككل كي يتفرع عليه معنى مجازي. إذن هناك وضع للمركبات.
 والجواب: إن قولهم في المحاورات: " إني أراه يقدّم رجلا ويؤخر أخرى" قد يراد منها المعنى الحقيقي، أي رجل يفعل هذا واقعا، وقد يراد المتردد.
  إذن هنا داعيان: إما الغرض بيان الواقع، أو الغرض بيان المتردد. واختلاف الداعي قد يكون في مرحلة المراد الجدي، أي أنه في مرحلة المراد الاستعمالي، أي الدلالة التصديقية الاولى، قد استعمل اللفظ في نفس ما وضع له، فليس مستعملا مجازا، لأن المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وأما في مرحلة الارادة الجدية، فإن الداعي هو بيان المعنى الكنائي، أي المتردد واختلاف المراد الجدي عن الاستعمالي لا يؤدّي إلى مجاز، فلا نحتاج إلى وضع آخر للمركبات كي نحلَّ إشكال لزوم المجازية.
  واستعمال المراد الجدي بخلاف الاستعمالي لا يؤدي إلى مجاز، مثلا: " أكرم العلماء " العام ثم بعد ذلك قلت لك " لا تكرم زيدا " قالوا ليس هناك مجاز، لأنه من الاصل أعلم أنني أريد الخاص وليس العام، أريد بعض العلماء دون غيرهم ومع ذلك قلت " أكرم كل عالم " العام محل الخاص المراد. وبعض القدماء حين لم يميّز بين المراد الجدي والمراد الاستعمالي قال إن التخصيص مجاز لأنه استعمال العموم في غير موضعه. بينما عند المتأخرين هو استعمال . فالعلماء مستعمل في معناه الحقيقي وهو العموم، والمراد الجدي هو الخاص.
  لذلك نقول: " يقدم رجلا ويؤخر اخرى " مستعمل في المعنى الحقيقي والداعي هو المتردد، الداعي ليس في مرحلة المراد الاستعمالي بل في المراد الجدي ولذلك لا يوجد مجاز، ومع عدم المجاز يتم اشكالي صاحب الكفاية، فلا داعي للوضع فيتم اشكال اللغوية واتحاد الدلالة على معنى واحد.
  المختار: عدم الحاجة إلى وضع آخر للمركبات للزوم اللغوية التي يقبح صدورها من الحكيم.
 
 
  والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo