< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/11/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 تقرير الاستاذ
 الوضع كما ذكرنا هو نحو ارتباط، أو نحو اختصاص، أو نحو اقتران بين اللفظ والمعنى، فهو عملية حمليَّة تحتاج إلى تصور اللفظ الموضوع وإلى تصور المعنى الموضوع له.
 أما بالنسبة لتصور اللفظ الموضوع، فالوضع ينقسم إلى شخصي ونوعي، وسنتكلم عنهما لاحقا في التقسيم.
 وأما بالنسبة لتصور المعنى الموضوع له فينقسم إلى أربعة أقسام:
 الاول: الوضع خاص والموضوع له خاص، كوضع أسماء الأعلام الشخصية، وهذا لا خلاف في إمكانه ووقوعه.
 الثاني: الوضع عام والموضوع له عام، كوضع أسماء الأجناس، وهذا أيضا لا خلاف في إمكانه ووقوعه.
 الثالث: الوضع العام والموضوع له خاص، وذلك كوضع الحروف على رأي مشهور، والأعلام الجنسية، وهذا لا خلاف في إمكانه، لكن الكلام في وقوعه.
 الرابع: الوضع الخاص والموضوع له العام، واشتهر عدم إمكانه فضلا عن عدم وقوعه.
 وقبل بيان هذه الأقسام لا بد من مقدمتين:
 الأولى: أنه لا بد من تصور الشيء عند الحمل عليه واستعماله، وهذا التصور إما أن يكون بنفسه، وهو الأصل، وإما أن يكون بوجهه، فمثلا: إذا أردت أن أحكم على الكنعت نوع من السمك- من جهة حلية الأكل، فتارة أحضره بنفسه، وتارة أحضره بصورته وتكون الصورة وجها له وعنوانا.
 وتصور الشيء بوجهه وعنوانه موجود، بل قد يكون ضروريا، فمثلا: عندما أحمل على الذات الإلهية وأقول: " الله عادل " فأكون قد حملت العدل على الله، وهذه قضية حمليَّة تحتاج إلى تصور الموضوع والمحمول، ولما كان تصور الموضوع محالا لأن تصور الذات الإلهية محال، وقد ورد في الحديث: " من تصوره فقد حدَّه "، والله غير محدود، فلا بد حينئذ من تصوره بمعنى تصورِ وجهٍ له يكون حاكيا وعنوانا له وإشارة إليه.
 المقدمة الثانية: أنه لا بد من حاجة للوضع، لأن الوضع عمليَّة انتظامية يحتاج إليها البشر لتبادل المعلومات والتفاهم فيما بينهم، ولا يكون ذلك إلا لهدف وغاية حكيمة، وإلا كان عملية سفهية.
 وقد يقال: إن القسم الأول والثاني واضح في هدفه، فما جدوى القسم الثالث أو الرابع؟
 ولبيانه، نذكر بوضع الأعلام الجنسية: فالعلم الجنسي مثل أسامة للأسد وثعالة للثعلب موضوع لكل أسد وثعلب ووضعه للكل يقتضي كونه اسم جنس ونكرة تماما كلفظ أسد، ومع ذلك يعامل معاملة اسم العلم والمعرفة، وهذا هو الفرق بين لفظ أسد ولفظ أسامة، فتأتي الصفة بعده حالا فنقول: هذا أسامة مقبلا. وتأتي الصفة بعد لفظ أسد نعتا فنقول: هذا أسد مقبل.
 ولتوضيح الفرق بين العلم الجنسي والنكرة أعطي مثالا تقريبيا من واقع اللهجات المعاصرة المعاشة: ففي لبنان يقولون عن الأمركي " العم سام "، وفي العراق يقولون عن الجندي " أبو خليل " وعن الشرطي " أبو اسماعيل " . والفرق بين " أبو خليل " و " جندي " هو الفرق العلم الجنسي والنكرة.
 وإنما آتي بأمثلة شعبية لأنها أقرب للأذهان وأسهل للفهم، خصوصا في هذه المسألة التي عصي على كثير من الطلبة التمييز بينهما.
 وهنا يأتي السؤال: لماذا احتاج العرف ليضع علما جنسيا، فيكون المتصور هو الكلي " أسد "، والموضوع له هو كل أفراد الأسد فردا فردا، بحيث تستعمل كلمة أسامة وكأنها اسم علم لكل فرد منها؟
 والجواب: إن الحاجة إلى وضع الاعلام متعددة الأوجه، فمنها كثيرة الابتلاء ومنها الحاجة إلى التمييز، ومنها الحاجة إلى الإشارة باهتمام خاص بهذا الفرد.
 تقرير الطالب
 كمقدمة: كنا نتكلم عن مقدمات في علم الأصول، وقلنا لكل علم موضوع ومحمول، وتمييزه عن الآخر، وبدأنا بالوضع وتذكرون أننا قلنا أن جميع تعاريف الوضع ليست تعاريف بالحد بل هي تحاول أن تكون جامعة مانعة ولكنها جميعا فيها نوع إجمالي، فعندما يقول صاحب الكفاية " هو نحو اختصاص" فالتعريف لا يزال مجملا. وقلنا أن الوضع يعرفه حتى الطفل الصغير، فمن أشكل المشكلات توضيح الواضحات، ولذلك في تعريف الوضع قد اختلفت الانظار لكنها تصب مصبا واحدا.
 وبدأنا بتقسيمات الوضع، قلنا بأن الوضع تعييني وتعيني، وذكرنا الفرق بينهما.
 اليوم نبدأ بالتقسيم التالي وهو بحسب الموضوع له.
 أولا: سنذكر التقسيمات الأربعة.
 ثانيا: لحاظ هذه التقسيمات، بلحاظ أي شيء لأن التقسيم لا بد له من لحاظ بلحاظ الفقر أو الغنى أو العلم أو الجهل إلى آخره. وهناك نقطتين أساسيتين وهما:
 أولا: بيان الحاجة إلى هذه التقسيمات.
 ثانيا: ما معنى الوضع عام والموضوع له خاص قبل أن نشرع في المعنى الحرفي.
 هذه المقدمات سنرى أن لها أثرا كبيرا في فهم المطلب خصوصا في مسألة الحاجة إلى هكذا أنواع، كيف يكون الوضع عام والموضوع له خاص، لماذا أحتاج لهذا النوع؟ لماذا أضع هكذا نوع؟ إذا فهمناها جيدا نكون أدينا مقدمة مهمة لإثبات المراد.
 فالموضوع كما ذكرنا هو نحو ارتباط أو نحو اختصاص أو نحو اقتران بين اللفظ والمعنى كما في تعدد التعاريف، فهو على أي تعريف هو: عملية حمليَّة. هناك موضوع ومحمول، هذه العملية تحتاج إلى تصور اللفظ الموضوع وإلى تصور المعنى الموضوع له.
 وكل تقسيم يحتاج إلى لحاظ شيء، فبلحاظ المعرفة يقال: عالم وجاهل وإلى آخره.
 بلحاظ اللفظ ينقسم الوضع إلى شخصي ونوعي وسنتكلم عنه لاحقا.
 وأما بلحاظ المعنى الموضوع له فينقسم إلى أربعة:
 الموضوع له ما هو؟ عام، خاص، أتصوره بنفسه، أتصوره بوجهه، هناك أربعة أقسام.
 أولا: الوضع خاص والموضوع له خاص، كوضع أسماء الأعلام الشخصية. عندما نقول الوضع خاص ما الفرق بينه وبين الموضوع له. نقول: كل وضع عملية حمليَّة وهذه العملية تحتاج إلى تصور الموضوع، والموضوع له هو المحمول، هذا التصور تارة أتصوره بنفسه وتارة أتصوره بوجهه، هذا المتصور لكي أضع للموضوع له أي اتصور معنى واضعه لمعنى، هذا المتصور إما أن يكون خاصا أو عاما.
 نذكر الأقسام الأربعة:
 القسم الأول: الوضع خاص والموضوع له خاص كوضع الأعلام الشخصية، وهذا لا خلاف في إمكانه ووقوعه.
 القسم الثاني: الوضع عام والموضوع له عام، كوضع أسماء الأجناس، وهذا أيضا لا خلاف في إمكانه ووقوعه.
 القسم الثالث: الوضع عام والموضوع له الخاص، وذلك كوضع الحروف على رأي مشهور، وأيضا الأعلام الجنسية، وسنبينها لاحقا. مثلا: عندما أقول أسامة للأسد. ما نوع هذا الوضع، وهذا القسم الثالث المعروف إمكانه والكلام في وقوعه.
 القسم الرابع: الوضع خاص والموضوع له عام، واشتهر عدم إمكانه فضلا عن عدم وقوعه.
 قبل بيان هذه الأقسام لا بد من بيان مقدمتين:
 الأولى: أنه لا بد لعملية الوضع من تصور الشيء عند الحمل عليه وعند استعماله، هذا التصور إما أن يكون بنفسه وهو الأصل، وأما أن يكون بوجهه، وحضور الشيء بوجهه نوع من الوجود، ففي مسألة الوضع قلنا أن الأصل في الاستعمال أن يحضر الشيء بنفسه، كما عندما أقول اشتري الكتاب إحضار نفس الكتاب، ولكن لما كان هذا شبه محال أو محال دائما ولذا استعاضوا عن وجود الشيء بنفسه بلفظ يعبر عنه بالإشارة إليه، فإذا أردت مثلا أن أحكم على الكنعت نوع من السمك من جهة حلية الأكل فتارة أحضره بنفسه وتارة أحضر صورة له، وهذا وجه من وجوده وحضوره. فتصور الشيء بوجهه وعنوانه موجود بل قد يكون ضروريا بل حضور الشيء بنفسه قد يكون محالا. ومثال ذلك عندما أقول: " الله عادل " أليست هذه قضية حملية؟ الله هو الموضوع، الذات الالهية هي الموضوع ولا بد من تصور الموضوع للحمل عليه لأنه لا يكون الحمل على المحمول غير متصور كليا، إذن لا بد من تصور الذات الالهية وهذا محال " من تصوره فقد حدّه " والحد شرك وكفر، إذا كيف يتم هذا الحمل " وكان الله عظيما " فأتصور شيء يحكي عنه، أتصور عنوان وجه له، كتصور الصفة التي تحكي عن الذات الالهية وليس نفس الذات، فليس دائما الموضوع يتصور بنفسه.
 المقدمة الثانية: أنه لا بد من حاجة للوضع. لأن الوضع عبارة عن عملية يحتاج إليها نظام البشر عملية انتظامية أقوم بها من أجل التفاهم والتفهيم وتبادل المعلومات التي هي حاجة ضرورية للبشر في حياتهم.
 ولا يكون ذلك الوضع إلا لهدف وغاية حكيمة، قد يقال أن الواضع قد لا يكون معصوما قد يكون سفيها، ولكن المجتمع بشكل عام عندما يقوم بعمل ما يكون لحاجة. الوضع عملية عقلائية تحتاج إلى هدف وحكمة وغاية، ما هي هذه الغاية؟ قد يقال: أن القسم الأول فهمت الغاية منه، أسمي ابني محمد الوضع خاص والموضوع له خاص، لكثرة الابتلاء.
 الوضع عام والموضوع له عام كرجل لكل حيوان ناطق ذكر، اسم الجنس مأخوذ في الكلية.
 أما القسم الثالث والرابع، الوضع عام والموضوع له خاص، فما هو الهدف منها، حتى نفهم هذه المسالة ونفهم الوضع عام والموضوع له خاص ونفهم بعد ذلك وضع الحروف، نضرب مثلا الأعلام الجنسية.
 مقدمة لدرس الغد: العلم قالوا إما شخصي وإما جنسي. العلم الشخصي كزيد وعمرو موضوع لهذا المعنى. العلم الجنسي مثل: أسامة للأسد وثعالة للثعلب وأم عربط للعقرب: ووضعوا لبعض الأجناس علم كعلم الأشخاص لفظا وهو أعم من ذاك، أم عربط للعقرب وهكذا ثعالة للثعلب. فإنه يطلق على كل أسد أسامة وعندما أقول كل أصبح أسم جنس. الفرق بين العلم الشخصي والجنسي فرق بين المعرفة والنكرة، النكرة مأخوذ فيها مفهوم الكل لكل فرد، أما المعرفة فلا فهو خاص.
 كيف أستطيع أن أطلق على كل أسد أسامة، ثم أقول أن أسامة علم لكل أسد؟ كيف تم الوضع هنا؟ من خلال ذلك تتوضح كل الفكرة.
 مثال آخر على العلم الشخصي والعلم الجنسي معاش، وأفضل شيء لتوضيح الأفكار هو أن تعطي أمثلة معاشه. في لبنان يقولون للأمريكي " العم سام " لكل أمريكي " العم سام" يتعاملون معه معاملة العلَم، لفظ أمريكي يتعاملون معه معاملة النكرة. في العراق كل جندي يعبرون عنه " أبو خليل " وكل شرطي " أبو إسماعيل " وفي الانكليزية " أبو ناجي " . مع استيعاب الفرق بين الاستعمالين نعرف الفرق بين العلم الجنسي والعلم الشخصي.
 غدا نبين الفرق وكيف تم الوضع.
 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo