< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/07/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ مقدمات /تمايز العلوم /
 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
 لا بأس ببيان إشكال أورده بعض الإخوة المحصلين على المنهجية التي ذكرناها.
 قلنا أن الشبهات ثلاثة: الحكمية، المفهومية، المصداقية. وقلنا في مقام معالجة الشبهة الحكمية: نبحث عن علم، فإن لم نجد عن علمي، وآخرها أصل لفظي، فأصل عملي.
 فالإشكال هو: كيف جعلت الظن المطلق من العلمي مع أن من المقدمات التي ذكرها صاحب القوانين انسداد باب العلم والعلمي؟!
 من مقدمات حجية الظن المطلق انسداد باب العلم والعلمي، وإذا أنت بعد ذلك تقول من العلميات الظن المطلق.
 والجواب: أن صاحب القوانين عندما قال انسداد باب العلم والعلمي، كان يقصد أن يقول: أنه انسد باب العلم وجميع الأمارات، العلميات، فاضطررت للعمل بالظن.فبناء على الكشف، ومعناه أن مقدمات الانسداد تكشف عن جعل شرعي للظن، كأن صاحب القوانين قال: انسد باب العلم والعلمي من الأمارات المتداولة عدا الظن.
 ومعنى الكشف في الدليل الإنسدادي أن العقل يستكشف جعلا شرعيا للظن، فيصبح أمارة معتبرة.
 أما على القول بالحكومة الظن الإنسدادي فهو مجرد وظيفة يحكم بها العقل ولا علاقة له بالجعل الشرعي فيفترق عن الخبر الواحد.
 إلى هنا نكون قد انتهينا من هذه المقدمات، وأعتقد أن هذا التقسيم هو التقسيم الأولى والبرمجة الأمثل لدراسة علم الأصول، وأيضا الحمد لله أنجزنا خريطة لكل القواعد والأصول، أين مجالها، فهي نافعة لكل من يدرس هذا العلم، هذه الخريطة تبرمج الذهن الاستنباطي للطالب، أين يبدأ وأين ينتهي، ولعلّه أهم ما نحتاجه حاليا في زماننا في دراسة علم الأصول. وبعبارة أخرى هذا الكم الواسع من قواعد الأصول التي درسها علماؤنا (ره) نحتاج إلى تنظيمه وبرمجته بحيث يستفيد منه الطالب.
 سنكمل المقدمات التي بدأتاها، قبل أن نبدأ أبحاث علم الأصول. بدأنا في المقدمة الأولى ما معنى المبدأ التصوري والتصديقي، الفرق بين المسألة والقاعدة، العلم، سلم العلوم، المنهج في دراسة علم الأصول، ذكرنا المناهج المتعددة، الفرق بين المسألة والقاعدة، الخريطة العامة للقواعد، كيف نعالج مسائل الأصول. يبقى شيء قبل أن نبدأ بالقواعد والأصول، أن نذكر بعض المقدمات التي ذكروها في كتب الأصول وإن لم تكن منه ولذلك لا تستطيع تجاوزها ليتم النفع ولو بإطلالة. صاحب الكفاية (ره) عندما بدأ بالبحث بدأ:
 العلم وموضوع العلم، وأنه لا بد لكل علم من موضوع، وما هو الموضوع؟ وتمايز العلوم؟.
 ففضلنا الإطلال على هذه المسائل التي ذكرها صاحب الكفاية ومن قبله ومن بعده وأخذت حيزا في الأبحاث والأيام والشهور، وهي تنفع في كل العلوم وليس فقط في علم الأصول. سنأخذ منهجية صاحب الكفاية (ره) لأمرين:
 الأول: أن المنهجية التي ذكرناها غريبة عن الطلبة، وقد يضيع الطالب في بحثها، ولكن بعد أن رسمنا الخريطة، فلا مشكلة في أخذ أي منهجية.
 الثاني: سنعتمد إجمالا كتاب صاحب الكفاية لكثرة تداوله بين الأصوليين والطلبة، كتاب مهم لا يخترق وإن كان عليه إشكالات، في تعقيد عبارته وفي إدخاله الفلسفة في ما ليس من شأنها، ولكن لا يزال الكفاية كتاب واسع الاعتماد، نحن سنأخذ منه المطالب التي تنفعنا.
 أولا: ذكر في باب تمايز العلوم: إنما تتمايز به العلوم هو الأغراض.
 نحن ذكرنا أننا نسلم بذلك لأن تأسيس كل علم إنما كان لغرض، وحينئذ كل مسألة تدخل في هذا الغرض فهي من مسائل العلم. وذكرنا أنه لو أخذنا الغرض على إطلاقه لدخلت كل العلوم في أكثر العلوم، أي أن أكثر العلوم آلية، فإذا أردنا أن نستنبط مسألة فقهية، حينئذ كل العلوم تدخل من علم النحو إلى المنطق إلى الفلسفة حتى البيولوجيا وعلم الجينات. وهو كما ترى.
 لذلك عرفنا أن ما يخدم الغرض أولا وبالذات فهو من العلم وإن استفاد منه علم آخر.
 ثانيا: في موضوع علم الأصول هناك جهتان:
 الأولى: اشتهر، وصاحب الكفاية (ره) قال: لا بد لكل علم من موضوع. سنبين وجه قول هذا الكلام.
 الثانية: أنه في البحث في أي علم من العلوم إنما نبحث عن العوارض الذاتية.
 الجهة الأولى: ملخص ما ذكر أن الغرض الواحد لا بد أن يصدر عن موضوع واحد. ذلك تطبيقا لقاعدة فلسفية من أن الواحد لا يصدر إلا عن واحد، وذكروا عكسها أيضا أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد. قاعدة سليمة في التكوينيات أما في الاختياريات والاعتباريات فلا نسلم بها.
 وهذه القاعدة أن المؤثر واحد مُستكشَف إناً من أثره الواحد يكون هو الموضوع العام الجامع.
 بالنسبة للعلم، الغرض الواحد أثر وهو مثلا النحو تقويم اللسان عن الخطأ، هذا الغرض الواحد ناشئ من علّة واحدة، هذه العلّة الواحدة موجودة في كل المسائل، في الفاعل في المفعول في المبتدأ، هذه المسائل تنتج أثرا واحدا وهو تقويم اللسان عن الخطأ في النطق، الغرض الواحد لا بد أن يكون ناشئا من علّة واحدة موجودة في هذه المسائل وهي الجامع المشترك، والجامع المشترك موجود في المسائل، ثم هل هو موجود في الموضوع أم المحمول؟ قالوا: في الموضوع دون المحمول. وذلك لأن كل مسألة عبارة عن موضوع ومحمول. مثلا: الفاعل مرفوع. موضوع ومحمول وهناك نسبة بينهما. المحمول طارئ على الموضوع، إذا قلنا أن الجامع العلّة الحقيقية موجودة في الموضوعات، يكون الجامع بين الموضوعات هو العلّة الحقيقية لتحقق الغرض أما إذا قلنا أن الجامع بين المحمولات هو العلّة الحقيقية، يقول صاحب الكفاية (ره) أنه كان كذلك، فالمحمولات أمر طارئ عارض على الموضوعات، وما كان بالعرض لا بد أن ينتهي إلى ما بالذات، يعني الجامع بين المحمولات لا بد أن يرجع إلى جامع بين الموضوعات وبهذا يكون
 العلّة الحقيقية لهذا الغرض موجود في الموضوعات.
 وباختصار: الغرض الواحد يعني علّة واحدة لأن الواحد لا يصدر إلا عن واحد، العلّة الواحدة موجودة في المسائل التي تنتج الغرض، المسألة عبارة عن موضوع ومحمول، أين هو هذا المؤثر الواحد؟ قالوا: إما في الجامع بين الموضوعات أو في الجامع بين المحمولات. إذا كان بين الموضوعات فهذا هو المطلوب،وهو العلّة الحقيقية لحصول الغرض. وإذا كان الجامع بين المحمولات، فالمحمول أمر طارئ على الموضوع. الفاعل مرفوع، الأساس هو الفاعل، الرفع طارئ، والطارئ أمر بالعرض. وذكروا في الفلسفة أن كل ما بالعرض لا بد أن يرجع إلى ما بالذات، يعني يرجع للموضوع، يعني الجامع بين الموضوعات. فموضوعات المسائل النحوية الفاعل مرفوع والمفعول منصوب إلى آخره. الموضوعات هي: الفاعل، المفعول، التمييز، المبتدأ، الخبر، إلى آخره. ما هي العلّة؟ هي الجامع بين هذه الموضوعات، وهو الكلمة من حيث البناء والإعراب.
 على ذلك يكون أنه لا بد لكل علم من موضوع ينشأ عنه الغرض.
 
 والحمد لله رب العالمين.
 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo