< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

42/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الطلاق، تفسير مفردات رواية " خمس يطلقن على كل حال " بيان سن اليأس.

    1. تقسيم الروايات الواردة في سن اليأس على أربعة طوائف.

    2. الروايات غير تامّة سندا عدا رواية الخمسين المطلقة، ورواية الخمسين المقيّدة بالقرشيّة.

    3. رواية الخمسين المقيّدة بالقرشيّة تقيّدها بمفهوم الاستثناء، وهو مفهوم حجّة قوى، فيتعارض إطلاق الخمسين مع التقييد بالقرشيّة، ويحمل المطلق على المقيّد.

    4. لفت النظر إلى إعجاز تشريعي حيث نستنتج علاقة دم الحيض بالجينات الوراثيّة، وهو علم حديث المنشأ.

    5. النتيجة: المرأة تحيض إلى الخمسين، أما القرشيّة فلا بد من الاحتياط طالما ترى الدم بصفات الحيض واقصاف الستين.

المختار: الروايات الواردة في سن اليأس عند المرأة على أربعة طوائف، فإذا استطعنا الجمع بين الروايات التي هي الامارة الاقوى لم يعد هناك مجال لقاعدة الإمكان والاستصحاب والاصول العمليّة والاصل اللفظي، الروايات مقدّمة على كل هذه الأدلّة من الاصول والقواعد:

الطائفة الأولى: الخمسين سنة مطلقا.

الطائفة الثانية: الستون سنة مطلقا.

الطائفة الثالثة: المقيّدة بسن الطلاق، وقد ورد فيها الخمسون والستون. واستفيد منها بجمعها مع روايات اخرى التفصيل بين الطلاق والعبادات.

الطائفة الرابعة: المفصّلة بين القرشية والنبطية وغيرهما.

كيف نجمع بين هذه الروايات؟

اما روايات الستين فهي غير تامة سندا لكون بعضها مرسل والآخر ضعيف لعدم تماميّة سند الشيخ إلى علي بن الحسن لوجود ابن عبدون وابن الزبير فيه، كما مرّ، مع انها خاصة بسقوط عدّة الطلاق.

يقول الحر العاملي في الوسائل: 83 - أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز أبو عبد الله، شيخنا المعروف بابن عبدون، كثير العلم والرواية، سمعنا منه، وأجاز لنا قاله الشيخ، ويظهر من العلامة وغيره من علمائنا توثيقه وعد حديثه صحيحا[1]

وابن عبدون من مشايخ النجاشي وهو ايضا من مشايخ الاجازة، وكثير العلم والرواية، ووصفه بشيخنا، كل هذا لا ينهض دليلا على التوثيق وان كانت مؤيدات قويّة، وكونه شيخ النجاشي يعني انه ليس مشهورا بالضعف عندنا كما ذكرنا ذلك في درس علم الرجال وفي كتاب الوجيز النافع في علم الرجال، ولا دليل على أن النجاشي لا يروي إلا عن ثقة، وقد بيّنا ذلك سابقا، وبالتالي لم يثبت عندي توثيق ابن عبدون.

فإذن روايات الستين فيها ابن عبدون وابن الزبير مع انها خاصّة بالطلاق، لذلك من استدل على ان سن اليأس للمرأة هو الستين مطلقا بدون دليل، وسن الستين الخاص بالطلاق هذا دليلها ولكنها رواية ضعيفة.

واما الروايات المقيّدة بالطلاق فلم يثبت عندنا صحة اسانيدها، فهما غير تامتين سندا، فلا دليل على التفصيل بين اسقاط عدّة الطلاق وبين العبادات كما ذكرنا.

واما روايات الحاق النبطيّة بالقرشيّة فضعيفة سندا.

بقي من هذه الروايات روايات الخمسين المقيّدة بالقرشيّة فمعتبرة، كذلك روايات الخمسين المطلقة معتبرة.

ثم إن روايات الخمسين المقيّدة بغير القرشيّة إنما اخرجت القرشيّة بالتخصيص [2] بأداة الاستثناء " إلا ": " إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا ان تكون من قريش ". والاستثناء له مفهوم، وهو من أقوى المفاهيم حتى عدّه بعضهم من المنطوق، وحينئذ دلّت الروايات على ثبوت الحيض للقرشيّة بعد الخمسين بالمفهوم، بالاستثناء الذي هو حجّة ودليل وليس بالتخصيص بالوصف، وحينئذ يتنافى إطلاق روايات التحديد بالخمسين المطلقة المعتبرة وهو بالمنطوق، وثبوت الحيض للقرشيّة بعد الخمسين وهو بالمفهوم، فيتنافى المنطوق مع المفهوم، وحينئذ يقدّم المفهوم، وإن كان المنطوق أقوى دلالة، والتقديم لأن المفهوم قيد، فيقدّم من باب تقديم المقيّد على المطلق.

النتيجة من الناحية الفقهيّة: سن اليأس عند المرأة هو الخمسون سواء كان في الطلاق أم في العبادات إلا أن تكون من قريش فسن اليأس عندها ما بعد الخمسين طالما ترى الحمرة بصفات الحيض.

نظرة في مدلول رواية الخمسين المقيّدة بالقرشيّة: إن كلمة " لم تر الحمرة " ظاهرة في التعبير عن واقع، ولذلك فلنلق نظرة على دم الحيض من الناحية التكوينيّة، وذلك ان موضوعات الاحكام لا بد للفقيه من معرفة مفهومها واستيعابها لكي تتضح عنده الرواية عند البحث عن الحكم. لذلك فلنفهم دم الحيض ما هو، من اين يأتي وكيف؟ حينئذ استطيع تفسير كل هذه الروايات وارفع ما قد يتوهّم من خلل في الروايات.

نظرة سريعة على دم الحيض كيف يتمّ: الانثى السويّة عندما تولد تكون حاملة في مبيضها حوالي اربعمئة بويضة، وعند البلوغ تفرز في الحالة الطبيعيّة بويضة كل شهر، وهذه البويضة تنتظر تلقيحها من مني الرجل في انبوب متصل بالمبيض، والتلقيح يكون خلال يومين تقريبا. في هذه الاثناء يكون الرحم قد تجهّز لاستقبال البويضة الملقّحة التي ستصبح جنينا عند تغريزها في جدار الرحم، والتجهز يكون بتكوّن اوعية دمويّة وغذائية على جدار الرحم من داخله. فإذا لم تتلقّح البويضة تنفجر ويبدأ سقوط جدار الرحم الذي هو الاوعية الدموية والغذائية، وهذا الدم الذي تراه هو دم الحيض.

ويتمّ التخلّص من الدم بحسب الجينات الوراثيّة عند كل امرأة أي بطبيعة خلقتها فقد تتخلّص منه بثلاثة أيام أو بأكثر. هذه الخلقة مرتبطة بالجينات الوراثية التي اخذتها من امها وابيها.

اشارة في الإعجاز في التشريع من الحديث: مسألة الجينات الوراثية مسألة مكتشفة حديثا، وإن ارتباط هذا التخلّص بالجينات الوراثيّة لم يكن معروفا في ذلك الزمن إي حوالي 1400 عام وفي الروايات تقول في المبتدئة انها ترجع إلى التمييز في الصفات، وإلا رجعت إلى عادّة نسائها، أي إلى من تشترك معهنّ في الجينات الوراثيّة، فمن جملة ما تختص به المرأة الجين الوراثي الذي يجعلها تقذف الدم بحسب عادتها. وكذا الروايات التي تقول ان دم النفاس إذا زاد على العشرة فإنها تجعل عادتها نفاسها، فإن هذه الروايات وامثالها تشير إلى ارتباط دم الحيض والتخلّص منه، وكذا دم النفاس بالجينات الوراثيّة للمرأة. الفقهاء يعبرّون عن هذا الاعجاز بتعبير " الامزجة " باعتبار انه لم يكن مكتشفا مسألة الجينات.

ونعود بعد ذلك إلى روايات الخمسين: فإن قوله (ع): " لم ترى حمرة " ظاهرة الكلام في أمر خارجي واقعي.

وقد يقال: إن الواقع الخارجي ينافيه، فهل هو كلام دقيق من الامام (ع)؟

والجواب: في زمان الروايات لم يكن قد مضى وقت طويل لاختلاط الجينات الوراثيّة، بحيث بقيت الجينات الاساسيّة القديمة صافيّة تؤثر أثرها. ففي علم الجينات انه كلما ازداد التلقيح من اطراف اجنبيّة كلما لا تبقى الجينات الاساسيّة على صفائها، وهذا قد يؤثر حتى على قابليّة قذف الدم من الرحم.

ولذلك فبحسب ما أراه: أن كلام الامام (ع) كان ذا واقع خارجي صحيح بحسب تلك البيئة وذلك الزمن، بل وينسجم مع تلك البيئة التي كانت لا تزال في نقائها، ولذلك فإني أظن ظنا قويا أن المرأة القرشيّة في ذلك الزمن كانت ترى الدم حتى الستين بناء على صحّة الرواية، وهذه الروايات كروايات الصغيرة، ففي بعضها أن من بلغت التسع سنين رأت الدم، مع العلم ان في زمننا هذا قلّ أو ندر من تحيض في سن التاسعة أو العاشرة.

ويؤيّد ذلك روايات الصفات:

ففي الصحيح الوسائل: ح 2 – (محمد بن يعقوب) عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري ( أ ) حيض هو أو غيره ؟ قال: فقال لها: إن دم الحيض حار، عبيط، أسود، له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر، بارد، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة، قال: فخرجت وهي تقول: والله أن لو كان امرأة ما زاد على هذا. ورواهما الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله [3] .

من حيث الدلالة: يمكن ان يستدل بمفهوم الشرط أي: إذا لم يكن الدم بهذه الصفات تصلي.

وفي الرواية التالية دم الحيض ليس به خفاء،: ح 3 - وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن إسحاق بن جرير قال: سألتني امرأة منا أن أدخلها على أبي عبد الله عليه السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت إلى أن قال: فقالت له: ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها؟ قال: إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي ، قالت: فإن الدم يستمر بها الشهر و الشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة ؟ قال: تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين، قالت: له إن أيام حيضها تختلف عليها، وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة، ويتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال: دم الحيض ليس به خفاء، هو دم حار تجد له حرقة، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد، قال: فالتفتت إلى مولاتها فقالت: أتراه كان امرأة مرة ؟ [4]

ولذلك يمكن القول ان المرأة طالما ترى الدم بهذه الصفات فهو حيض ولو كان ذلك بعد الخمسين.

والنتيجة: سن اليأس عند المرأة هو الخمسين سنة قمريّة، والذي يساوي: " ثمانية واربعين عاما وستة أشهر وخمسة عشر يوميا في السنة الشمسيّة، ولا بد من الاحتياط في القرشيّة والنبطيّة إلى الستين طالما ترى الدم بصفات الحيض، وإلا فقد بلغت سن اليأس. ولا فرق بين الطلاق والعبادة، وذلك اتكالا على مقبولة ابن ابي عمير:

الوسائل ح 2 - وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن ظريف، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش. ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد مثله [5] .

ملاحظة: إذا قسمنا ال 400 بويضة على عدد سنين بلوغ المرأة التكويني فاننا نراه يقترب من الخمسين سنة قمريّة.

 


[2] درسنا في الاصول إذا ورد مطلق ومقيّد، إذا كانا مختلفين فاحمل المطلق على المقيّد، وإذا كانا ايجابيين او سلبيين أي متماثلين حينئذ يبقى المطلق على اطلاقه والمقيّد يكون افضل الافراد او مسلّط الضوء عليه لأمر ما.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo