< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/12/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الرضاع.

كان الكلام في محرمات باب النكاح، أي المرأة التي يحرم الزواج منها: وهي اثنا عشر كما في كتاب وسيلة المتفقهين ص 272: النسب، والرضاع، والمصاهرة، والزنى، واللواط، والكفر، واللعان، والعقد في العدّة، والعدد، والطلاق الثالث، والطلاق التاسع، والاحرام. على تفصيل يأتي.

بدأنا بما يحرم من النسب، تحرم الام وان علت، وتحرم البنت وان سفلت، إلى آخره، ذكرنا ذلك سابقا وتطرقنا بعدها إلى حقوق الاولاد من نفقات، وكيفية ثبوت النسب، مسائل حديثة من قبيل الاستنساخ وطفل الانبوب هل يثبت نسبا أو لا؟ وغيرها. ونعود إلى محرمات النكاح.

الرَّضاع:

أدلة التحريم:

الرَّضاع [1] يحرم النكاح لا يجوز لإنسان أن يتزوج مرضعته، ولا يجوز لمرضعة ان تتزوج رضيعها.

قلنا في وسيلة المتفقهين: الرَّضاع من المحرمات إجماعا بين المسلمين وقد أخرته لكثرة الكلام عنه وقد ورد في القرآن الكريم في عدّة آيات منها: ) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ...( [2] " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ " محرمات نسبية، " وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ " محرمات سببية، فالأم التي من الرضاع يحرم نكاحها. و " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ " هناك مقدّر وهو النكاح أي حرِّم عليكم نكاح امهاتكم، وهذا المقدّر دلّ عليه قرينة وهي مناسبة الحكم للموضوع.

وهنا قلنا " أن الرَّضاع من المحرِّمات إجماعا بين المسلمين " أي أن الرضاع سبب للتحريم اجماعا.

وفي كلام صاحب الجواهر (ره) تأمل، فهو يقول ما لفظه: السبب الثاني من اسباب التحريم الرضاع كتابا وسنة متواترة وإجماعا وضرورة في المذهب والدين. [3]

ولا شك في ثبوت الاجماع على تحريمه في الجملة بين كل مذاهب المسلمين، بل لا يبعد حصول التواتر أيضا في الجملة في الروايات لصدور روايات التحريم من مختلف الجهات بحيث يمتنع اجتماعهم على كذب.

أما الضرورة في المذهب أو الدين ففي ثبوتها تأمل، من جهة أن تعريف الضرورة هو سلب الإمكان من الطرف الآخر، فلو أن أحدا ادعى يوما ما أن الرضاع لا يحرم، فهل نحكم بخروجه عن المذهب.

معنى الضرورة:

نعم ذهب كثير من الفقهاء إلى أن منكر الضرورة لا يخرج عن الدين وغير كافر. وقد نقل ذلك الشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير.

وهنا نقول: إن الكلام في تعريف الضرورة، فان كان تعريفها هو بكونها أمرا قطعيا، فإنها حينئذ تساوق: الاجماع، والتسالم والبديهة، وحينئذ لا أثر لمخالفتها سوى آثار مخالفة البديهي والقطعي، ولا شك أن مخالفة القطعي عن شبهة لا تؤدي إلى كفر ولا إلى تكذيب القرآن والرسول (ص) والخروج عن الدين والمذهب.

ولذا نقول للشيخ جعفر ما معنى كلمة ضرورة؟ كلامنا هل انكار الضرورة المذهبية والدينية يخرج عن المذهب والدين؟

نقول: فان كان الضرورة بمعنى مجرد البديهة والتسالم عليه تكون امرا قطعيا وانكاره لا يؤدي إلى الخروج عن الدين، وإذا كان هذا معنى الضرورة فالاثر واحد وهو انكار الامر القطعي ولا شك ان مخالفة الامر القطعي لا تؤدي إلى ترتيب آثار الكفر.

اما الآثار الأخرى وأهمها الخروج عن الملّة وهو المفروض من معنى الضرورة، حيث نلاحظ أن هناك مفاهيم لا تنفك عن الدين، بل عن كل الاديان، تصوروا أن رجلا يقول ان الإسلام لا صلاة فيه، بل النصرانية دين لا صلاة فيها، أو أن يقول إن عابد الوثن دينه الوثنية لكنه لا يعبد الوثن، أي لا يقول بعبادته. فإنها جميعا أنكار لأمر ملازم لا ينفك عن الدين، وانكاره إنكار للدين نفسه.

نعم، هناك الضرورة المذهبية والدينية اللازمة التي لا تنفك عن المذهب أو الدين تكون حينئذ ضرورة. وهناك الضرورة الفقهية، واعتبار منكر الرضاع منكر لها أمر يمكن لكن لا أثر لذلك ولا يؤدي إلى تكذيب لا الله ولا الرسول (ص). هنا إذا انفك الرضاع عن الفقه نقول ما هذا الفقه؟ وثمرته القطع بالمسألة دون الخروج عن الملّة.

من هنا نقول لصاحب الجواهر (ره) قولك:" بل ضرورة في المذهب والدين " انت ترقيت إلى القمّة ما معنى الضرورة.

إذن فلنعرِّف الضرورة: وهي ما هو انكار للازم غير المنفك. ولذلك الفقه له ضرورات، والدين والمذهب لهما ضرورات والتشيع له ضرورات، والمنطق له ضرورات، وللطب ضرورات إلى آخره. فلنعرف الضرورة تعريفا دقيقا: فإذا كان انكارها يؤدي إلى الانكار الاول بمعنى كان لازما لا ينفك عنه حينها يكون انكاره يؤدي إلى انكار الدين يؤدي إلى تكذيب الرسول (ص)، اما إذا كان دليله شبهة كدعوى تحريم الرضاع تحريما تنزيهيا في الآية الكريمة وليس تحريما حقيقيا، فلا يكون خارجا عن الدين ولا كافرا. ومن قبيل شرب الخمر بعضهم يقول ان " اجتنبوا " لا تعني التحريم، بل تعني ان نبتعد عن شربه، هذا شبهة او وهم او غلط لكن ليس كفرا.


[1] الفرق بين الكسرة والفتحة في مصدر فعل أو فِعلة. الفِعلة يعني الحال، حال المصدر. والفعلة بالفتحة المرّة. فالمصدر فعلة ان كان مكسورا يدل على الحال من قبيل المشية أي حالة المشي. ومشية مصدر مرّة ومن قبيل مشى مشية واحدة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo