< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/08/19

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: نفقة الزوجة والاقارب.

     الفرق بين الحق والحكم والملك.

     ليس كل حق قابل للإسقاط. اسقاط ما لم يجب ليس باطلا دائما.

     يجوز اسقاط ما له نوع وجود.

كان الكلام في الفرق الرابع وهو ان نفقة الزوجة تقبل الاسقاط لأنها حق اما نفقة الاقارب لا تقبل الاسقاط لأنها حكم. الكلام في اسقاط نفقة الزوجة الاسقاط كل يوم بيومه وصبيحته محل تسالم، لكن الكلام في الاسقاط المستقبلي بإسقاط كل نفقتها؟، هل يصح هذا الاسقاط؟ قالو انه من باب اسقاط ما لم يجب، أي ما لم يثبت.

قلنا في مقام الجواب على هذا الاشكال: الاول: ان الزوجة تملك نقتها في ذمّة زوجها من اول الزواج ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ ﴾ [1] ، كانه تملكت السنين كلها. لكن قلنا ان هذا خلاف ظاهر الآية، الآية ليس هذا مرادها.

ثانيا: أن وجوب النفقة على نحو الواجب المعلّق. والثالث: أن وجوب النفقة على نحو العموم الاستغراقي.

وبناء على رغبة بعض الأخوة الأعزاء من الطلبة نبحث الفرق بين الحق والحكم والملك تتمة للفائدة، هذه المفاهيم الثلاثة مفاهيم عالمية ولا تزال محور الحقوقيين في العالم، واذكر اننا بحثنا الفرق بين هذه المفاهيم الثلاثة، ونذكرها باختصار:

الفرق بين الحق والحكم والملك.

الملك: مفهوم الملك مفهوم مغروس في الاذهان وكثير من الامور المغروسة في الاذهان لا تستطيع ان تعبّر عنها وتعريفها، من قبيل لفظة " الوجود "، " البيع " يصعب أن تجد تعريفا لها، وهذا لا يعني أنه غير موجودة. [2]

إذن في الفرق بين الحق والحكم والملك الاعتباري، نقول باختصار: ما يشترك فيه الثلاثة انها جميعها من الأمور الجعليّة والاعتبارية.

وأما ما يختلف فيه الثلاثة:

فإن الحكم جعل واعتبار من المولى تابع لمصالح ومفاسد يراها المولى وهو الجاعل، ولذا فسقوط الحكم يكون بيد المولى، ولا علاقة للمكلف به.

وسقوط الحكم [3] في مرحلة الانشاء يكون بسقوط المقتضي، ويثبت السقوط بالنسخ أو بالعلم بسقوط الملاك والمصلحة أو تحققها بالامتثال.

وسقوط الحكم في مرحلة الفعلية يكون بانتفاء موضوع الحكم، أو وجود مانع عقلي أو شرعي.

إذن عدم قبول الاسقاط من لوازم الحكم، لا تعريف له.

أما الملك: فهو جعل الشيء في كنف المالك اعتبارا، وهو نوع إضافة شيء إلى المالك، ولذا يتصرف به تصرفا تاما، وعدم جواز التصرف جزئيا هو تدخل من الشارع. والملك يتعلق بالأعيان أو المنافع أو الحقوق.

وهذا سلطة للمالك على المملوك، لكن هذه السلطة لازمة للملك، أما في الحق فان الحق – كما سنرى – هو نفس هذه السلطة.

اما الحق: فهو نوع إضافة إلى صاحب الحق [4] ، تعطيه سلطنة على طرف آخر بل هو نفس هذه السلطة. وهذا الطرف قد يكون انسانا آخر

بعينه، وقد يكون شيئا آخر كحق التحجير. ولذا يسقط الحق بالإسقاط، وينتقل بالنقل، ويمكن المعاوضة عليه.

نعم بعض الحقوق غير قابلة للنقل كحق الشفعة، نعم هذا الحق قابل للاسقاط. وبعضها غير قابل للإسقاط كالحقوق التي هي لازمة لمقتضى العقد التي يكون نفيها ينفي العقد كحق الوطئ للزوج، فإنه لا يستطيع عقد زواج دائم بشرط عدم الدخول مطلقا، فان هذا من المقتضى بحيث لو انتفى لانتفى عقد النكاح عرفا. ومن قبيل: ابيعك هذا الكتاب بشرط أن لا تتصرّف به كليا، هذا خلاف مقتضى العقد.

إن قلت: فما بال الزواج المؤقت يقبل ذلك؟

قلت: لعلّ القبول بسبب كونه نوعا من الاجارة كما في الرواية " فانهم مستأجرات ".

الحقوق التي تكون من مقتضى العقد لا تقبل الاسقاط، ولذلك قلنا ان التعريف بالاسقاط وعدمه تعريف باللوازم، ومع هذا فهو تعريف غير دقيق لعدم كونه جامعا.

على الاجمال هذه هو الفرق بين الحق والحكم والملك. بعد هذه المقدمة نقول: إن وجوب النفقة ينصب على الزوج على نحو العموم الاستغراقي فينحل على عدد الازمنة [5] ، وهذه الوجوبات منفصلة ومتعددة، ولا تتم فعليتها إلا بعد تمام موضوعها، وحينئذ فإن اسقاطها هو إسقاط ما لم يجب. ولكن اسقاط ما لم يجب غير باطل دائما، بل يصح في بعض الحالات، وهو فيما لو كان المقتضي له موجودا، فالمعدوم كليا لا يجوز اسقاطه لأنه معدوم. لكن حق النفقة يختلف، فإنه غير معدوم كليا، بل له نحو وجود وثبوت وهو وإن لم يكن موجودا وثابتا على نحو الفعلية، إلا أن له نحو وجود وثبوت، وهذا النحو كاف لجعله موضوعا للإسقاط.

وببيان آخر: إن لحق النفقة ثلاثة مراحل:

الاولى: جعله في عالم الانشاء المحض، وهذا موجود ثابت منذ الازل [6] ويجري على كل النساء في الدنيا ممن يمكن أن يكنّ زوجات. وهذه المرحلة لا تجعل حق النفقة مما يمكن اسقاطه.

المرحلة الثانية: أن يتم عقد الزوجية، ومع ذلك لا يكون الحق فعليا تام الفعلية، بل يكون موضوعه قد تم جزئيا إذ أن موضوع النفقة هو وجود الزوجة وحلول الزمان ومع وجود الزوجة والزوج، فإن الجزء الاساس من الموضوع قد وجد فعلا، والموضوع وإن لم يوجد فعلا لعدم وجود اجزائه وشرائط وجوده بأكملها، إلا أنه له نوع ارتباط بالموجود الخارجي، وذلك بوجود الجزء الاساس، ولذلك عبَّرنا عنه بمقتضي الوجود.

والذي أراه أن هذا المقدار من الوجود كاف للإسقاط. [7]

غدا ان شاء الله نكمل.

 


[2] رد على اشكال: انه ليس هناك تعريف إلا ويرد عليه اشكال: في الاعتباريات، عندما تقول اعتبار هذا يعني انه انا اخترعته. وعندما قال المناطقة انه لا يمكن التعريف بالحد التام. قالوا ذلك لان الانسان لا يعرف ولا يدرك الماهيات، وكما قال الفيلسوف المثالي الاول في اوروبا عمانوئيل كانط ان الاشياء على قسمين: الاشياء في ذاتها قسم، والاشياء في ظواهرها قسم آخر. الاشياء في ذاتها نحن لا ندركها، وقبل عمانوئيل كانط هذه الكلمة موجودة عند المسلمين وقبلها عند اليونان: " الماهيات لا تدرك " ولان الماهيات لا تدرك حينئذ الحد التام محال. اما الامور الاعتبارية فهي اختراعي انا ولذا اعرف ماهيتها فمثلا: الخالق عز وجل هل يستطيع ان يعِّرف الانسان كحد تام؟ نعم يستطيع ذلك لأنه هو الذي خلقه ويعرفه. انا نحن فلماذا لا نستطيع ان نعّرف الانسان بالحد التام؟ الجواب بكل بساطة: اننا لا نعرف الماهيات ما هي، لكن في الاعتباريات نحن اخترعناها، ولأجل انني انا اخترعتها حينئذ يمكن لنا التعريف بالحدّ التام للمعرّف الذي أخترعه أنا ومنها الاعتباريات.
[3] للحكم مراحل: اولا وجود المصالح ينشأ على طبقها حكم، إذن وجد الحكم، ثم يدفع اليه، أذن تمت الفعلية، وتتم الفعلية بوجود الموضوع مع اللوازم وعدم المانع التي هي القدرة الشرعية بان لا يلزمه فعل حرام أو ترك واجب.
[4] الاضافة إلى المالك لها مراتب لعلّ اعلاها هو الاضافة إلى الملك ثم تأتي الاضافة الاخرى كالإضافة إلى الحق. لكن اقول: ان ماهية الحق شيء وماهية الملك شيء آخر، وماهية الحكم شيء آخر.
[5] لذلك ما قالوه انه يجب عليه ان يدفع صبيحة ذلك اليوم ليس بضروري فينحل على عدد الازمنة فكلما احتاجت إلى نفقة فيجب عليه سواء كان ليلا أو نهارا.
[6] التعبير بالازل هنا ليس الازل بالذات، بل المقصود الازل الفائض باللازم فلا اشكال فيه.
[7] ذكرنا سابقا في بحث العقد الفضولي: ان العقد الفضولي صحيح لكن بشرط ان يكون بين العاقد والشيء شيء من العلاقة بحيث ان يكون عرفا لي نوع من المدخلية، من قبيل ان اكون في الطريق ابيعك سيارة وتكون لزوجتي فهناك نوع من العلاقة، هذا النوع يكفي في انشاء البيع عرفا. اما إذا كنت في الصين وبعتك السيارة هذا النوع من البيع باطل لعدم وجود العلاقة ولا يسمى بيعا عرفا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo