< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

- قبول شهادة المخالف على المؤمن.

صحيحة البزنطي: ح 4 - محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل طلق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين قال: ليس هذا طلاقا، قلت: فكيف طلاق السنة؟ فقال: يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين كما قال الله عز وجل في كتابه فان خالف ذلك رد إلى كتاب الله قلت: فان طلق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين، قال: لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وقد تجوز شهادتهن مع غيرهن في الدم إذا حضرنه، قلت: فان أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق أيكون طلاقا؟ فقال: من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير. [1]

واما صحيحة البزنطي فمخدوشة الدلالة بأمرين:

الاول: قال: " من ولد على الفطرة " فإذا أخذنا الرواية بلفظها " من ولد " يلزمه اشتراط الإسلام أو ما في حكم الاسلام من حين الولادة، ولا احد يقول به.

الثاني: معنى الفطرة. فسّرت الفطرة بالإسلام لقوله (ص): " كل مولود يولد على الفطرة إلا أن يأتي أبواه فيهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه "، و فسرت بالتوحيد، والخضوع لله. والاخلاص، وببعض السنن كالمضمضة والاستنشاق.

ففي المعتبر المحقق الحلي: وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله عشرة من الفطرة وذكر من جملتها المضمضة والاستنشاق والفطرة السنة، ومن طريق الأصحاب، ما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله صلى الله عليه وآله ". [2]

تذكرة الفقهاء العلامة الحلي: وقال (ع) عشرة من الفطرة وعد المضمضة والاستنشاق والفطرة السنة. ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) ليس عليك مضمضة ولا استنشاق انهما من الجوف. [3]

السنن الكبرى، البيهقي: (أخبرنا) أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا يحيى بن معين ثنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من الفطرة قص الشارب واعفاء اللحية والسواك والاستنشاق بالماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء يعنى الاستنجاء بالماء قال زكريا قال مصعب ونسيت العاشرة الا أن تكون المضمضة. رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة عن وكيع وذكر فيه يعنى الاستنجاء بالماء. [4]

كنز العمال، ج6، ص654. ( 17234 ) عشرة من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء.

إذن فسّرت الفطرة بهذه المعاني.

اما معنى الفطرة، هل هي الاخلاص أو التوحيد، أو الإسلام، أو هذه الافعال: المضمضة والاستنشاق، السواك؟.

المتصور من معنى الفطرة هو ان الفطرة بمعنى الخلقة الاصلية بحيث لو فكروا وتوجهوا لوصلوا للوازم والتي هي الإخلاص والتوحيد. الإنسان بذاته يولد سويا ثم تأتي الانحرافات.

إذن الخلقة السوية هي الخلقة المستقيمة السويّة التي يلزمها الخضوع لله تعالى في جادة الشريعة المستقيمة، فيعرف ان للدنيا خالقا فيؤمن بخالقه، وإذا انحرف عبد الصنم أو الانسان أو الماء والتراب. وحتى على السلوك يعرف أن العدل حسن، الفطرة تقتضي ذلك، في التطبيق تقع بعض الانحرافات.

النتيجة: ان الفطرة خلفة بشرية الله خلقها بحيث لو توجهوا وليس هناك تلوث لبقوا على فطرتهم. وهذه الامور التي وردت في الروايات من التوحيد والاخلاص والخضوع لله، إلى آخره، هذه عبارة عن لوازم، تارة تكون لوازم قريبة جدا بحث تكاد لا تنفك من قبيل الايمان بخالق وبانه هو الرازق، وتارة تكون باللوازم البعيدة كالفروع وفروع الفروع، وبعض التشريعات، لذا ورد عن الامام الصادق (ع) مضمونا انه: " سأله شخص: كيف أعرف الحلال من الحرام. قال له: انظر ما في نفسك ". أي ان هناك في اعماقك شيئا يدلك، فلله تعالى حجتين حجة ظاهرة وهي الانبياء وحجة باطنة وهي العقل. لذلك قلنا امس ان الذين يعيشون في الغابات الأمازونية أو الأندونسية وغيرها لم يسمعوا بالأنبياء وهم بشر، هل يحاسبون؟ الجواب: نعم صحيح انهم لم يعرفوا الانبياء لكن يحاسبون لان الله اودع في أنفسهم وذاتهم وفطرتهم ان العدل حسن وان الظلم قبيح، وحين يظلم يعرف انه يظلم حتى لو كان ضعيفا.

هذه الفطرة تبقى إلا ان يأتيها شيطان يعتريها من هنا أو من هناك: كلإذاعات والتلفزونات، التربية، التحريف يمينا وشمالا.

اما الفطرة الصافية التي لا تشوبها شائبة فهي فطرة ابراهيم (ع) التي وردت في الروايات، وهم قلة قليلة جدا، وما ورد في كتاب لله من تردد ابراهيم (ع) في اختيار ربه" هذا ربي وهذا اكبر من ذاك" هذه كناية عن ان الانسان بطبيعته لو خليّ ونفسه متوجه إلى الصواب، إلى التوحيد، والتوحيد ليس هو بنفسه الفطرة مفهوما، الفطرة هي الخلقة، فلو تأمل الإنسان لوصل إلى الخالق وحتى السنن لوصل إلى معظمها، وانما قلنا " معظمها " وليس جميعها، لأن النبي (ص) كان ينتظر وحيا لمعرفة بعض المسائل الشرعية.

فهؤلاء الذين هم على الفطرة الصافية النقيّة قلّة جدا فلو ربطنا الشهادات بها لتوقف الكون، ولتوقفت الشهادة والطلاق اكثر القضايا والمحاكمات، والوصايا. فهؤلاء هم قلّة صافية عزيزة.

أما معنى الفطرة لغة: هي من فطر، والفطور هي الصدوع والشقوق، وكما في مجمع البحرين: انفطرت السماء أي انشقت. ويقال: فطر الله الخلق أي خلقهم. فالله عز وجل خلق الناس بحيث لو فكروا لكانوا موحدِّين مخلصين مسلمين.

ولذا ورد في الحديث: في اصول الكافي في المعتبر: ح 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عيسى (ثقة)، عن الحسن بن محبوب (ثقة)، عن حسين بن نعيم الصحاف (ثقة) قال: قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ): لمَ يكون الرجل عند الله مؤمنا قد ثبت له الايمان عنده ثم ينقله الله بعد من الايمان إلى الكفر؟ قال: فقال: إن الله عز وجل هو العدل إنما دعا العباد إلى الايمان به لا إلى الكفر ولا يدعو أحدا إلى الكفر به، فمن آمن بالله ثم ثبت له الايمان عند الله لم ينقله الله عز وجل [بعد ذلك] من الايمان إلى الكفر، قلت له: فيكون الرجل كافرا قد ثبت له الكفر عند الله ثم ينقله بعد ذلك من الكفر إلى الايمان؟ قال: فقال: إن الله عز وجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها، لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بجحود، ثم بعث الله الرسل [5] تدعوا العباد إلى الايمان به، فمنهم من هدى الله ومنهم من لم يهده الله. [6] انظر معاني الأخبار ص 319.

ولذا كان التوحيد والإخلاص والسنن والتشريعات وغيرها من لوازم الفطرة الصافية، وليست نفسها، ومن هنا فإذا أتتها شوائب غيّرت صفات الإنسان. وإلى هذا يشير الحديث الشريف: 3 - محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن فضل بن عثمان الأعور (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه، وإنما أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذمة وقبل الجزية عن رؤوس أولئك بأعيانهم على أن لا يهودوا أولادهم ولا ينصروا، وأما أولاد أهل الذمة اليوم فلا ذمة لهم. ورواه في (العلل) عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن سهل بن زياد، عن علي بن الحكم، عن فضيل (فضل) بن عثمان الأعور مثله إلا أنه قال: فأما الأولاد وأهل الذمة اليوم فلا ذمة لهم. [7] رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه ج3، ص49، ح1668.

ولذا فكل من لا يعاند ويريد الوصول إلى الحق ويحب ذلك، - كما ورد في الحديث: " عبدي تقرب مني شبرا اتقرب منك باعا "، " وفي الآية الكريمة: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " -، ولكنه لا يتمكن من ذلك كالمستضعف وكان خيِّرا، فقد أخذ بحصة من الفطرة.

وأما الاحاديث التي تمسّك صاحب الجواهر وغيره التي نصت على أن الشيعة هم الوحيدون على الفطرة، ولذا لا تقبل شهادة غيرهم وإن كان مستضعفا، فهي الفطرة الكاملة الصافية. فتكون هذه الروايات حاكمة على روايات الفطرة، فينتج ان " كل من كان على الفطرة قبلت شهادته " " ومن كان على الفطرة هو كل شيعي لا غير " فالنتيجة: لا تقبل إلا شهادة الشيعي.

هذه الروايات تمسك بها صاحب الجواهر ومن الغريب ان السيد الخوئي (ره) لم يتعرض للإجابة عليها مع العلم انه الدليل الاساس عند القائلين بعدم قبول شهادة المخالف، لان هذه الروايات حاكم ومفسرة لمعنى الفطرة.

ولذا لا تقبل شهادة غيرهم وان كان مستضعفا. هذه الروايات هي الفطرة الكاملة الصافية.

الرواية التي ذكرها صاحب الجواهر هي: عن التهذيب ج4، ص 145، ح 405. وكما ورد في الوسائل ح 14 – محمد بن يعقوب بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن جعفر بن محمد بن حكيم، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن الحارث بن المغيرة النصري (النضري) قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فجلست عنده، فإذا بخية قد استأذن، عليه فأذن له، فدخل فجثا على ركبتيه، ثم قال: جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن مسألة والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار، فكأنه رق له فاستوى جالسا فقال: يا بخية سلني فلا تسألني عن شيء إلا أخبرتك به، قال: جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان؟ قال: يا بخية إن لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال، وهما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله ( إلى أن قال: ) اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا، قال. ثم أقبل علينا بوجهه فقال: يا بخية ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا. [8]

هذه الرواية اخذها صاحب الجواهر وصاحب كشف اللثام ومستند الشيعة وغيرهم وقالو ان هذه الرواية حاكمة على تلك الرواية، فلا تقبل إلا شهادة الشيعي.

لكن نحن نقول: ان الذي نفهمه ان المراد من هذه الرواية ليس الشيعة الامامية بالمعنى الاخص الشيعة المتعارفة عليها، بل هي الفطرة الصافية النقيّة لقرنه بفطرة الشيعة وبفطرة ابراهيم (ع) ومن انقى من فطرة ابراهيم، إذن المراد الفطرة الخالصة الخالصة، فلا تكون حاكمة على تلك، وباقي الناس لم ينف عنهم الفطرة كليّا، بل يحصلون عليهم بدرجات.

واذكر ما في سيرة حبابة الوالبية التي كانت من الموالين لأهل البيت (ع) والممدوحين من قبلهم، حبابة الوالبية من النساء المحدثات ومن رجال الحديث بمعنى المحدثين، امرأة كانت تستقبل الناس جميعا وتحدثهم، روى الكشي وغيره مدحها وحسن حالها وانها بقيت من زمان امير المؤمنين (ع) إلى زمن الامام الرضا (ع) وروت عنهم جميعا واطلعت على معجزاتهم جميعا: حيث ورد في تعليقة الوسائل في حبابة الوالبية ( 267 ) الكشي 106 الشيخ 67 جامع الرواة ج 1 ص 177. أقول: وفي الكشي: عن محمد بن مسعود بإسناده عن عمران بن ميثم قال: دخلت أنا وعباية الأسدي على امرأة من بني أسد يقال لها: حبابة الوالبية، فقال لها عباية: تدرين من هذا الشاب الذي هو معي؟ قالت: لا، قال: مه ابن أخيك ميثم قالت: إي والله إي والله ثم قالت: ألا أحدثكم بحديث سمعته من أبي عبد الله الحسين بن علي عليهم السلام، قلنا: بلى قالت: سمعت الحسين بن علي عليه السلام يقول: نحن وشيعتنا على الفطرة التي بعث الله عليها محمدا صلى الله عليه وآله وسائر الناس منها براء . [9]

لهذا الحديث اهميّة كبرى وهي ان التشيع الصافي الإيماني الاسلامي الحقيقي قليل، لذلك ورد في الحديث انه بعد استشهاد الامام الحسين (ع) لم يبقى على هذا الامر – الامامة الصافية – إلا خمسة من هذا العالم الاسلامي، ثم انتشر هذا الامر.

غدا إن شاء الله نكمل في اشتراط عدم الخلاف.


[4] السنن الكبرى، البيهقي، ج1، ص53.
[5] تذكير: ذكرنا في دروس سابقة ان مهمّة الانبياء هي بناء الإنسان، إعادة الناس إلى انسانيتهم، لكن ابليس قال: " لأقعدن لهم كل مقعد "، اما وظائف الانبياء هو بيان اصل العقيدة والتشريع وكونه الرمز للقدوة الحسنة. وذكرنا انه متى يجب علينا ان نتبع رسول الله ومتى لا يجب اتباعه. وقلنا ان للنبي (ص) عدّة شخصيات: هو رسول، وهو نبي، وهو عرف عام وخاص، وهو من العقلاء، وهو السلطان، وهو الانسان العادي. فلو فرضنا انه كسلطة وادارة امر بان بني ربيعة لهم ممرّ خاص من هذا الباب، أو كما في ايامنا ان يكون سير السيّارات على اليمين. هل هذا من حلال محمد الذي يلزمنه ان يبقى إلى يوم القيامة؟ بالتأكيد ليس كذلك. فإذا اخذ الحكم كسلطان وحاكم ومدير لا يجب عليّ ان اتبعه إلى يوم القيامة لان هذا يكون بالنسبة لظرفه. اما إذا كان النيي كشخص ايضا لا يجب اتباعه، وإذا كان كعرف خاص مثلا : في لباس أهل مكّة كان يلبس مثلهم، أيضا لا يجب علينا اللبس مثلهم. نعم اتبعه كرسول وكنبي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo