< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/01/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: محرمات النكاح.
بعد الإنتهاء من مسألة طفل الانبوب، وقلنا أن له نسبا، أباً واماً وهي صاحبة النطفة، مع احتمال الاقوال الاخرى في المسألة. ولا باس من بعض التطبيقات أو المسائل الواردة. وردتنا مسألة من سويسرا وهي كالتالي:
امرأة رحمها ضعيف لا يقوى على حمل، تبرعت أختها بالحمل عنها، وذلك بأن يتم تلقيح بويضة الزوجة بمني زوجها ثم زرعها في رحم أختها. هل هذه العملية جائزة أولا، ومن هي الأم ثانيا. ومن هو أبوه ثالثا؟.
نقول: بما ذهبنا اليه، لا فرق بين المتزوجة، والعزباء، والاجنبيّة.
وعلى الأقوال التي ذكرناها، أولا: هل هذه العملية جائزة أو لا؟
بداية الزرع بالأخت لما كان الأصل الحليّة فما يمكن أن نتصوره دليلا على التحريم، هو ما يمكن ان يتصور من اختلاط الأنساب. هل تصبح أمه خالته أو لا؟ موضوع اختلاط الأنساب هو الذي يكون محل للخدش بالحلّية.
ونقول: لا مشكلة على كل الآراء، فالأب هو الزوج.
اما بالنسبة اللأم: فإذا قلنا إن صاحبة النطفة هي الأم، فتكون الأخت مجرد وعاء، ولا مشكلة حينئذ. وإن قلنا بأن الأم هي الحامل فكذلك لا مشكلة، لأن صاحبة البويضة تكون أجنبية عن الوالد، ويكون أبوه هو الزوج وأمه هي الحامل أي أخت زوجته.
وإذا قلنا بأنه لا أم له، يكون الوليد اجنيا ولا مشكلة.
نعم بناء على تعدد الأمهات قد يشكل الأمر، لان كلاًّ من الحامل وصاحبة البويضة تكون أماً وخالة في آن واحد، وهو ما يمكن أن يتوهم فيه بإختلاط الأنساب وهو أمر مرفوض من قبل الشارع.
اختلاط الأنساب: لا شك ولا ريب في عدم رضا الشارع باختلاط الأنساب، وهذا أمر يدركه كل من كان له ذوق فقهي، بل جعله الفقهاء من الخاصة والعامة من المقاصد المهمّة للتشريع. ويمكن استفادة ذلك من روايات الاحتياط في الفروج.
كما في رواية ابن سيّابه: الوسائل، ح 3 - محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن العلا بن سيابة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة وكلت رجلا بأن يزوجها من رجل " إلى أن قال: " فقال عليه السلام: إن النكاح أحرى وأحرى أن يحتاط فيه وهو فرج، ومنه يكون الولد، الحديث. ورواه الشيخ كما تقدم في الوكالة. [1]
من جهة السند: العلاء بن سيابة لم يوثق، ولكنه من مشايخ ابن ابي عمير ممن روى عنه، ونحن قلنا أن قاعدة أن هؤلاء الثلاثة وأضرابهم: صفوان، وابن ابي عمير، والبزنطي. لا يروون إلا عن ثقة، هذه القاعدة تممناها ونعمل بها بمعنى أنه إذا روى عن مجهول لا نعرف عنه شيئا نستطيع اثبات وثاقته بهذه القاعدة إلا أن يخرج بدليل. وذكرنا في دروس مفصلة كل الردود على هذه القاعدة ونقول مختصرا: ان هذه القاعدة نقل عن حسّ وليس عن حدس، ولما كانت كذلك صارت كبقيّة الروايات لا تسقط إلا بأحد أمرين: إما بمعارض نقلي، أو بعدم احتمال مبرر للتخصيص.
ونحن ذكرنا مع التفصيل كل ما ذكره السيد الخوئي (ره) من اشكالات الرواية عن الضعفاء من علي بن حمزة البطائني إلى وهب بن وهب الكذاب. وقلنا أن كل هذا لا يخدش بالقاعدة، لانه نقل عن حس من الشيخ الطوسي (ره).
إذن العلاء بن سيابة نستطيع ان نوثقة من خلال القاعدة.
ومن جهة الدلالة: فقد استدل بها على وجوب الاحتياط في الفروج، وقد ذكرنا ما فيه فلا نعيد، وانه لا دليل على وجوب الاحتياط في الفروج، نعم نقول بالاحتياط الاستحبابي المؤكّد، بل نقول ان هناك دليلا على خلاف الاحتياط وقبل ان نصل إلى مسالة البراءة.
ويستفاد من الرواية عدم رضا الشارع باختلاط الأنساب واهتمامه الشديد بحفظ الأنساب.
ومنها رواية شعيب الحداد: الوسائل: ح 1 - محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن محمد بن أبي حمزة، عن شعيب الحداد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل من مواليك يقرؤك السلام وقد أراد أن يتزوج امرأة وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد كان لها زوج فطلقها على غير السنة، وقد كره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرُك فتكون أنت تأمره، فقال أبو عبد الله عليه السلام: هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط فلا يتزوجها. ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد ابن محمد، عن الحسين بن سعيد مثله. [2]
من حيث السند: الرواية معتبرة، فابن ابي حمزة هو الثمالي، وشعيب هو ابن أعين.
وأما من حيث الدلالة: فقد مرّت معنا، وهي لا تدل على أكثر من التأكيد على حسن اختيار الأم.[3]
واما وجوب الاحتياط فقد مرّ بيانه والجواب عليه فلا نعيد.
أما حفظ الأنساب: الذي نفهمه منه هو وجوب حفظ الأنساب إثباتا لا ثبوتا، أي لا يجوز الادخال في النسب من ليس منه.
أما كونها الأم هي خالة في آن واحد، فهذا ليس من باب اختلاط الأنساب، بل من باب تعدد العناوين. ولا مانع

من اجتماع الأحكام عند تعدد العنوان، كما لو قلت لك: " أعط الشاعر وعاقب المعتدي وأكرم الفقيه ".[4] فاجتمعت هذه العناوين في معنون واحد، فلا مانع من اجتماع الأحكام الثلاثة.
وأما مع عدم إمكان اجتماع الأحكام، فهي تنقلب إلى باب التزاحم، ويقدّم الأهم.
ومع العلم بعدم جمل أحدهما ينقلب إلى باب التعارض، ومع كل هذه الحلول فلا مشكلة في البين.
النتيجة: ان حفظ الانساب نسلم به لكن بمعنى أن لا ندخل في النسب من ليس منه. اما ما نحن فيه فهو من باب تعدد العناوين وليس من باب خلط الانساب. لذلك في هذه المسألة التي وردتنا نستطيع أن نقول: يجوز لها ان تزرع في اختها، وتكون الاخت مجرد حاضنة بناء على ما ذهبنا اليه، والمسألة لا حرمة فيها، وقد تكون لها ثواب واجر لتحملها مشاق الحمل لأجل اختها والله العالم.
غدا إن شاء الله نشرع في مسألة الاستنساخ.


[3] لطيفة: في بعض احاديث العرب، رجل فال لأبنائه : لقد احسنت اليكم كبارا، وصغارا، وقبل أن تولدوا. فسألوا: انك احسنت لنا كبارا فهمنا ذلك بانك اعطيتنا، واحسنت لنا صغارا بانك ربيتنا، أما قبل ان نولد؟ قال: لقد اخترت لكم أما لا تعيّرون بها.
[4] طريفة: ادخل على هارون الرشيد شخص عنده حذاقة في بناء قصر بعملية ادخل ابر مع بعضها البعض رميا عن بعد، فيرمي الاولى ثم يرمي الثانية فتأتي في ثقب الاولى إلى آخر الامل حتى يتم من ذلك شكل قصر مشيّد، وهذا يحتاج لمهارة عالية. وعندما انتهى من هذا العمل امر هارون الرشيد له بمئة دينار ومئة جلدة. قالوا: يا امير المؤمنين، المئة دينار كمكافأة لانه حاذق، اما الجلد لانه يضيع الوقت بلا فائدة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo