< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/06/04

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
-روايات الذمّ التي تخدش بعلي بن أبي حمزة.
بعد تلخيص ما مرّ نعود لأدلة التضعيف الروايات على قسمين الذَّامة والقادحة: إما روايات يمكن حملها على انه ضعيف في العقيدة دون الحديث، وقلنا بعدم الاشكال فيه لان خبر الواحد شأنه نقل الواقع، والدليل على حجية خبر الواحد هو سيرة العقلاء، فلو فرضنا ان كافرا كان ثقة في نقله ولكنه كان كافرا في عقيدته، هذا يكفي لنقل الواقع. لذلك تأتي هذه الرواية عن بني فضال: " خذوا ما رووا ودعوا ما رأوا "، بسياق طبيعي وهو ما أسس من أجله الخبر عند العقلاء، لان الخبر عبارة عن مسلك عقلائي لأجل نقل المعلومات بيننا.
شرعنا في ذكر الروايات التي تأتي في الضعف العقائدي، وليس في ضعف الحديث، نعود للرواية:
ح760 - علي بن محمد، قال: حدثني محمد بن أحمد، عن أبي عبد الله الرازي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام قال، قلت: جعلت فداك اني خَلَّفتُ ابن أبي حمزة وابن مهران وابن أبي سعيد أشد أهل الدنيا عداوة لله تعالى.
قال، فقال: ما ضرك من ضل إذا اهتديت، انهم كذَّبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وكذَّبوا أمير المؤمنين وكذَّبوا فلانا وفلانا وكذَّبوا جعفرا وموسى، ولي بآبائي عليهم السلام أسوة.
قلت جعلت فداك إنا نروي أنك قلت لابن مهران أذهب الله نور قلبك وأدخل الفقر بيتك.
فقال: كيف حاله وحال بزه؟ [1] قلت: يا سيدي أشد حال هم مكروبون وببغداد لم يقدر الحسين أن يخرج إلى العمرة، فسكت، وسمعته يقول في ابن أبي حمزة: أما استبان لكم كذبه؟ أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يهدى إلى عيسى بن موسى [2] وهو صاحب السفياني؟ وقال: إن أبا الحسن يعود إلى ثمانية أشهر؟. [3]
هذا الرواية يمكن ان يستدل بها على ضعف على بن ابي حمزة البطائني.
في مقام محاكمة المتن: قال: " ما ضرك من ضل إذا اهتديت " ظاهرة في تضعيف العقيدة وليس في تضعيف الحديث، وهي مجرد توطئة لما سنقول وليس دليلا. وفرق بين التكذيب وبين الكذب، فالأول متعدٍ والثاني قاصر. ولا تدل الرواية على الكذب فهي وردت في التكذيب أي في العقيدة. كذَّب فعل متعدي يحتاج لمفعول به، كذب فعلا لازم، والفرق بين المعنيين أن كذب معناه نقل خلاف الواقع، أما كذَّب " فعّل " أي جعله كاذبا. كذّبوا رسول الله (ص) أي اعتبر كاذباً، وهذا لا يدل على ضعف في الحديث.
النتيجة أن الرواية لا تدل على تضعيف في الحديث، تدل على تضعيف في العقيدة، سوء سريرة أو لأجل المال كما ورد في رواية اخرى. هنا استخدم كلمة تكذيب، وفرق بين فلان مكذِّب وفلان كاذب. الاول متعدي، والثاني لازم. المتعدي يدل على تكذيب في العقيدة، ولا تدل الرواية على انه كاذب.
ذكرنا الروايات الواضحة في تكذيب العقيدة، وهناك روايات قد يحتمل منها التكذيب في الحديث بل ظاهرها أنه ضعيف في الحديث.
ح756 - قال ابن مسعود (العياشي): سمعت علي بن الحسن ( بن فضال): بن أبي حمزة كذاب ملعون، قد رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره [4]، الا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا. [5]
والانصاف أن يقال هذه الرواية اوضح الروايات في ضعف البطائني في الحديث، إلا أنه يمكن حملها على ضعف العقيدة كما ذكره بعض علماء الرجال. لكن هذا ليس دليلا فالرواية لا تزال في اطلاقها، ضعيف في كل شيء " لا استحل أن اروي عنه حديثا "، في العقيدة وفي الحديث. وهنا ما يشير إلى كون الرواية خاصة في ضعف العقيدة وهو أنه يستبعد أن يكون قد اكتشف كذبه متأخرا بعد رواية الاحاديث الكثيرة عنه وبعد كتابة تفسير القرآن كاملا كما ورد في متن الحديث، هذه المدّة من الزمن الطويلة لم يكتشف أنه كذاب إلا في آخر عمره!!! وكما يقال: حبل الكذب قصير. هل علي بن ابي حمزة هذا الرجل كان يخفي كذبه إلى هذه الدرجة ولم يكتشف؟ عقلائيا هذا الامر مستبعد، لذلك من المستبعد ان يكون الكذب في الحديث.
لكن لو سلمنا دلالتها على ضعفه في الحديث فإنه معارض بتوثيق الشيخ الطوسي (ره).
ومع التعارض بين توثيق الشيخ وتضعيف ابن فضال، فالمفروض تقديم تضعيف ابن فضال لكونه أقرب، فهو يروي بلا واسطة، أي أنه يعرفه جيدا، وقد عاشره وعاش معه زمنا، بينما كان الشيخ الطوسي (ره) بعده بأكثر من مائتي عام. [6]
ومع تقديم التضعيف يقع التعارض مع أدلة التوثيق والتضعيف يقدّم من باب تقديم الخاص على العام ( أي توثيقات الشيخ الطوسي لانه توثيقات عامة).
إلا أن يقال: إن المراد من ابن أبي حمزة هو لابن الحسن، وليس الأب عليّا، وهذا تعبير متداول عند العرب، بل كثيرا جدا، بأن ينسب الشخص إلى جدّه أو آبائه.
وقد أستظهر ذلك صاحب المعالم الحسن بن منصور (ره) في هامش التحرير الطاووسي.[7]
وهذا غير بعيد لأمور:
أولا: أن على بن الحسن بن فضال يقول:" ابن ابي حمزة " ولم يعيّن الاب ولا الابن.
لا يقال: الظاهر فيها للابن المباشر؟ [8]
فانه يقال: هذا صحيح لو لم يكثر الاستعمال في الأحفاد ايضا. كما يقال في ابن فضال: عن الأب وعن ابنه.
ثانيا: إن نفس التوصيف ( أنه كذّاب ملعون إلى آخره ) والرواية وردت في ترجمة الحسن بن علي بن ابي حمزة، وقد نقل ذلك الكشي حيث يقول: قال العياشي: سالت علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي بن ابي حمزة البطائني؟ فقال: كذّاب ملعون رويت عنه احاديث كثيرة ....
ثالثا: إن علي بن ابي حمزة توفي قبل أن يولد علي بن الحسن بن فضال، فكيف يمكن أن يكتب عنه أحاديث كثيرة وتفسير القرآن من أوله إلى آخره، وليس بالواسطة.
غدا ان شاء الله ننقل بحث الشيخ جعفر السبحاني.


[1] البزاز هو بائع القماش، ابتزه أي اخذ ثيابه، جرده من ثيابه. وتعنى تجارة الامتعة.
[2] هو الوزير العباسي.
[3] اختيار معرفة الرجال، (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص706، ح760. قسم من الواقفة قال انما ذهب موسى (ع) إلى ربه كما ذهب النبي موسى (ع) إلى ربّه وسيعود.
[4] ملاحظة: ان هذا يحتاج إلى زمن اكثر من الاسابيع بل يحتاج إلى سنوات.
[6] وان قلنا بان كلام الشيخ الطريحي (ره) مرفوض بان توثيقات وتضعيفات الشيخ الطوسي (ره) حدسية، والصحيح انها نقلية واخذها من كتب الرجال. نعم النقل الطويل بكثرة الوسائط تختلف عن العشرة المباشرة، ولذلك عقلائيا لما كان خبر الواحد دليله العقلاء، وقلنا سابقا في قاعدة " ان الدليل على شيء دليل على كل فروعه ولوازمه "، فكل فروع حجية الخبر نستدل بها بسيرة العقلاء. ونحن نلاحظ في سيرة العقلاء انه عند التعارض بين خبرين صحيحين لا نرميهما، بل نأخذ بالأقرب إلى الواقع. لذلك نحن التزمنا عند التعارض برأي الشيخ الانصاري (ره) بالأخذ بالأقرب إلى الواقع، العقلاء يروون ان المنقول بلا واسطة اقوي من المنقول بوسائط عديدة ويؤخذ به
[7] التحرير الطاووسي، الشيخ حسن صاحب المعالم، ج1، ص353.
[8] ذكرنا سابقا ان الظهور في المعنى الحقيقي إذا استعمل كثرا في المجاز فقد يحمل على المجاز احيانا كما في المجاز المشهور، ولا ينقل عن المعنى الحقيقي، ايضا كذلك في عالم النسب، ابن الابن هو ابن، بعبارة اخرى: لا نريد ان نقول ان الابن موضوع للابن المباشر وللابن بالواسطة أي وان سفل. الابن هو الابن المباشر، لكن استعمال الابن كثيرا من الاب وان علا، هذا الاستعمال الكثير يجعل انسباق الابن او الاب إلى خصوص المباشر انسباق ضعيف، فيكون هناك إنسباقين معا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo