< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
-تخريج إجماعات الشيخ الطوسي (ره) المتعارضة بروايته عن الضعاف.
-وتخريج الروايات التي ذكرها الشيخ (ره) وطعن فيها بالإرسال.
نكمل البحث ونقول: هناك فرق بين النقل والاجتهاد، اجتهاد الشيخ الطوسي (ره) ليس ملزما لنا، نحترمه كعالم جليل من أركان الطائفة، بل ركنها الاول فقهيا، نحترم اجتهاداته ولكن لسنا ملزمين بها. نعم نقله حجة علينا،كونه ثقة بل من كبار الثقات وكبار المحققين، في النقل هو حجّة علينا، وليس في الاجتهاد ولذلك خالف الفقهاء اجتهاداته في كثير من المسائل. لذلك في نقله نبحث لماذا نقل هذا الكلام.
وقلنا عندما فككنا بين الدعويين: أن هناك دعوى عن نقل، واحتمال أن تكون الدعوى الثانية حدسية.
الدعوى الاولى:،" انهم لا يروون إلا عن ثقة ولا يرسلون إلا عن ثقة " هذه دعوى نقلية، والنقل حجّة علينا، إلا ان يثبت بالقطع أو الدليل بطلانها. ولذلك قلنا إذا وجدنا احتمالا عقلائيا لروايتهم عن الضعاف، الاحتمال يبطل الاستدلال.
الرواية عن الضعاف أو الطعن بالإرسال دليل على نقض القاعدة، وهذا القاعدة مروية منقولة وليست حدسية، إذن لا اسقط القاعدة إلا إذا كان الدليل قوّيا، ومع وجود الاحتمال لماذا رووا عن هؤلاء الضعاف، الاحتمال يبطل الاستدلال وتبقى القاعدة النقلية. ولذلك قلنا ان التسوية يمكن نقضها لان احتمال كونها اجتهادا من الشيخ الطوسي (ره) احتمال قوي لقوله في العدّة " لأجل ذلك ".
الاحتمال الرابع:
اختلاف زمن حصول الإجماعين، فعدم العمل بالمراسيل والرواية عن الضعاف ورد في التهذيب والاستبصار، والإجماع على التسوية وعدم النقل إلا عن المشايخ الثقات ورد في العدّة، أي بعد عشرات السنين. أي ان هناك زمنين: زمن الرواية عن الضعاف، زمن التهذيب وكان عمر الشريف (ره) ستة وعشرين عاما، و " العدّة " كتبها بعد الخمسينات، أي بعد عشرات السنين، ونقل هذا النقل أو الاتفاق بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.
إذن هناك زمانان، وهذا سينفعنا.
وقد ذكرت في كتابي " طفل الانبوب والاستنساخ " وجها في تخريج هذا التنافي ص 31، حيث قلنا.
" والذي يخطر ببالي في مقام التخلص من هذا الإشكال، أي التناقض بين رواية التهذيب المذكورة ذات الدلالة الواضحة في عدم العمل بمراسيل ابن أبي عمير وما ذكره الشيخ في " العدّة " من التسوية بين مرسل ابن أبي عمير ومسنده. [1]
أن يقال: إن الإجماع [2] إنما يعتبر حجّة إذا كان كاشفا عن رأي المعصوم (ع)، وطريق الاستكشاف عند الشيخ الطوسي (ره) هو بقاعدة اللطف. واللطف الرباني التشريعي هو إيصال الإنسان إلى كماله المعنوي ببعث الرسل وإنزال الكتب وإتمام الحجّة. ومن لطف الله تعالى تقريب العباد إلى الطاعة وتبعيدهم عن المعصية تشريعا لا تكوينا، أي بالأحكام الشرعية لا بالجبر. ومن هنا فإذا حصل إجماع على ما لا يقتضيه الله تعالى وجب عليه صرفهم عنه ولو بصرف أحدهم عنه بوسيلة ما [3]، ولذلك لو أجمع أهل عصر واحد على حكم شرعي معيّن وجب على الإمام (ع) التدخل لخرق هذا الإجماع.
ولو تمت قاعدة اللطف [4] عند الشيخ الطوسي (ره) بهذه السعة لوجب التدخل في كل ما يؤدي إلى حكم شرعي خاطئ ولو كان قاعدة أصولية أو قاعدة فقهية أو قاعدة رجالية من قبيل ما نحن فيه من أن مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده. والشيخ (ره) لما نضجت عنده هذه القاعدة كان فقهاء عصره الذي كتب فيه " العدّة " يذهبون إلى العمل بهذه القاعدة من دون استثناء نسب العمل بهذه القاعدة إلى الطائفة.[5]
والذي يؤيد هذا التخريج نقل الشيخ الطوسي (ره) لإجماعات متناقضة، حيث ينقل الإجماع على حكم، ثم ينقل الإجماع على خلافه في موضع آخر.
يقول صاحب الحدائق في كتاب الطهارة في أحكام النجاسات: " قد كان عندي رسالة لشيخنا الشهيد الثاني (ره) قد تصدى فيها بنقل جملة من المسائل التي ناقض الشيخ فيها نفسه بدعوى الإجماع على الحكم في موضع ثم يدعيه على خلافه في آخر وفيها ما ينيف على سبعين مسألة " .[6]
ويقول صاحب الحدائق (ره) في أحكام الأموات في حق الشيخ (ره) : " وأي مسألة من مسائل الفقه من أوله إلى آخره لم يختلف أقواله فيها ولا فتاويه حتى يٌستغرب في هذا المقام. كيف لا، وأن الشهيد (ره) قد صنّف رسالة جمع فيها المسائل التي ادعى الشيخ فيها الإجماع في موضع وادعى الإجماع على عكسه في موضع آخر، وهي تبلغ سبعين مسألة، وكانت الرسالة عندي وتَلِفت في الوقائع التي مرّت بي ".[7]
وقال (ره) في كتاب النكاح عند البحث عن إسلام زوجة الكافر: " مَنْ يعرفُ حال الشيخ وطرقته في دعوى الإجماع واختلاف أقواله وفتاويه في كتبه لا يتعجب منه فإنه في بعض كتبه كالخلاف والمبسوط من رؤوس المجتهدين وفي بعض آخر كالنهاية وكتابي الأخبار من رؤوس الإخباريين وشتان ما بينهما ". نقله في تهذيب الأصول للسيد عبد الأعلى السبزواري ج2 ص79.
هذا كلام الحدائق يستنكر ويستغرب صدور مثل ذلك عن الشيخ الطوسي (ره) بذلك، نقول له: ان الشيخ الطوسي (ره) عندما يغير رأيه كاجتهاد انه محقق ويتغير الرأي ولا اشكال، انما عندما يتغير نقله يقع الاشكال. نحن ملزمين بنقله ولسنا بملزمين باجتهاده، وعندما يقول اجماعا يكون بحسب مبناه، ولذلك غدا سنذكر عدّة موارد ومن الطبيعي بحسب قاعدة اللطف مبناه في الاجماع ان ينقل اجماعين بل اكثر من اجماع، وأي فقيه كان في مكان الشيخ الطوسي (ره) لوجب عليه ان ينقل اجماعين في نفس المسألة.
غدا نكمل ان شاء الله.


[1] ذكرت هنا تخلّص وسأتراجع عنه جزئيا وليس كليا.
[2] ملخص القول: انه قد ينقل احد الفقهاء اجماعا مثل اجماع غوالي الآلي من ابن زهرة التي لا يعتدّ بها كما قيل، مع انه عالم وثقة، فيصح شهادته على طلاق مثلا رغم أنه أمر جزئي، أما في الرواية فقد يخطأ في الاجماع، كيف نشهده على طلاق ولا نقبل اجماعه؟! ايضا الشيخ الطوسي (ره) نقل الاجماع، لكن كيف نقل اجماعا وينقل اجماعا مقابله؟ أو كيف ان عالما جليلا ينقل اجماعا وليس هناك اجماع؟ هذا منشؤه اختلاف المباني في حجية الاجماع. نحن نعلم ان الاجماع حجّة لانه كاشف عن رأي المعصوم، اما كإجماع ليس هناك دليل على حجيته. لذلك قلنا سابقا رحمة الله على الشيخ الانصاري (ره) في كتابه الرسائل هناك نصف سطر يمكن ان يعادل في قيمته العلمية كل صفحات بحث الإجماع، يقول في اول بحث الاجماع: " هو أصل له وهو أصل لهم " والمقصود ابناء العامة، صححوا خلافة ابي بكر، واسسوا مذهبهم به فصار الاجماع اصلا لهم، وهم اصل له لانهم هم ابتكروه. ليس هناك وجود لما روي " انه ما اجتمعت أمتي على خطأ ". ليس هناك اتفاق امّة كدليل حتى لو اتفقت الامة بأكملها، قد تتفق على خطأ كما يحدث الآن باتفاق المجتمع الدولي بالرغم انه ظالم في بعض الامور
إذن الاجماع بذاته ليس حجّة وليس دليلا، ولما كنّا في بحر العامّة وصار الاجماع عندهم امرا اساسيا في الاستنباط أخذنا منهم هذه الكلمة وحاولنا تخريج وتبرير حجيّة الاجماع، فقلنا انه يكشف عن رأي المعصوم. وظهرت نظريات كنظرية الاجماع العادي، والاجماع الحدسي، والاجماع الدخولي، ومن جملتها الاجماع اللطفي الذي ذهب اليه الشيخ الطوسي (ره) حيث قال: أنه إذا أجمع أهل عصر واحد، فمن لطف الله عز وجل إذا كانوا على خطأ ان يخترق الامام الحجة (ع) هذا الاجماع ويبدل رأى احد الفقهاء ليخترق هذا الاجماع ويقول بخلافه حتى يبقى حكم الله الشرعي الصحيح على الارض موجودا . لذلك أهل عصر واحد إذا اتفقوا على امر فهو حجّة، لذلك ليس هناك علاقة لما قيل بقرب الجمعين لعصر الامام (ع) وعدم القرب للقول بحجيّة الاجماع، او الشهرة الفتوائية حجة إذا كانت قريبة من عصر الامام. بعبارة اخرى: كل تخريجات الاجماع التي ذكروها للكشف عن رأي المعصوم توجب أن يكون المجمعين قريبين من عصر المعصوم (ع)، إلا رأي الشيخ الطوسي (ره)، حتى ولو بعد الف سنة أهل عصر واحد أجمعوا على امر يكون حجّة. بناء على إحتلاف زماني الاجماع لا يكون مشكلة في نقل اجماعين مختلفين.
ان الشيخ الطوسي نقل الاجماعات بناء على مبناه، إذا التفتنا لهذا نحل كل تناقضات الاجماع التي ذكرها الشيخ (ره) وهكذا الفقهاء حين يقولون ان هذا اجماعا أي بحسب مبانيهم، مثلا في الاجماع الحدسي يقولون لو كان هناك عشرة فقهاء وقالوا بأمر نحن نقطع بان الامام (ع) يكون بينهم ورأيهم يكشف عن رأي الامام، كما إذا كان منهم المحمدون الثلاثة والمحققان والعلامتان والشهيدان إذا قال هؤلاء بأمر نقطع بانه يكشف عن رأي الامام (ع) حتى لو خالفهم الفقهاء الباقون، فنقول هذه المسألة إجماعا مع العلم ان هناك رأي مقابل، لذلك عندما يقول احد الفقهاء اجماعا يجب ان نعرف مبناه حتى نفهم استعمال لفظة الاجماع
[3] كما ينقلون ان الامام المهدي المنتظر عجل الله فرجه كان يأتي إلى بعض العلماء بهيئة اخرى يناقشه في مسألة علمية وذلك كما نقل عن الشيخ كاشف الغطاء (ره) فيقنعه فيها على خلاف ما افتى به، حتى يكون هناك ولو مصداقا واحدا للحكم الواقعي.
[4] قاعدة اللطف في الاجمال صحيحة ولكن بهذه السعة من الشيخ (ره) الذي البسها ثوبا فضفاضا اوسع مما هي عليه وطبقها في غير موردها، غير سليمة. .
[5] فائدة: متى نشترط في الاجماع ان يكونوا قريبين من عصر المعصوم؟ ومتى نشترط في الشهرة ان يكون المشهور قريبين من عصر المعصوم؟ ومتى لا نشترط ذلك؟
لذلك من يقول بحجية الشهرة الفتوائية قالوا انها حجة إذا كان المشهور قريبا من عصر المعصوم بحيث ان الجوّ العام الفقهي هو نفسه بنفس الذهنية التي جعلها المعصوم، وكذلك في الاجماع الحجة نفس الذهنية باقية. أما على قاعدة اللطف لو حصل الاجماع بعد الفي سنة، وفي عصر واحد على أمر فمن لطف الله عز وجل إذا كانوا مخطئين يجب ان يخترق هذا الإجماع، حتى يبقى الحكم الواقعي موجودا ولو برأي شخص واحد. هذا من مميزات قاعدة اللطف على بقيّة الاجماعات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo