< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/05/10

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: ثبوت النسب بطفل الأنبوب.
-الكلام في قاعدة أن ابن أبي عمير، والبزنطي، واضرابهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.
- الشروع في التعليق على نقد السيد الخوئي (ره) للقاعدة.
-التمهيد للمختار.
ذكرنا ان السيد الخوئي (ره) جمع كلام الآخرين، ونعود للتذكير بكلام الشيخ الطوسي الذي هو الاساس في مقام الاخذ والرد.
ذكر الشيخ في العدّة: وإذا كان أحد الراويين مسندا والاخر مرسلا، نظر في حال المرسل، فان كان ممن يعلم انه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به فلا ترجح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبى عمير وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد، ابن أبى نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون الا عمن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم.
فاما إذا لم يكن كذلك، ويكون ممن يرسل عن ثقة وعن غير ثقة، فإنه يقدم خبره غيره عليه، وإذا انفرد وجب التوقف في خبره إلى أن يدل دليل على وجوب العمل به. [1]
محور إشكال السيد الخوئي (ره) على القاعدة بأنها حدس واجتهاد من الشيخ الطوسي (ره) وليس نقلا عن فقهاء الطائفة. فإن كان نقلا منه فهو حجة علينا لان نقل الثقة حجة، وان كان اجتهادا منه فاجتهاده حجة عليه وليس ملزما لنا كما في بقيّة الأحكام. واثبت ذلك السيد الخوئي (ره) بما ذكرناه مفصلا في الدرس السابق.
نشرع أولا في التعليق على كلام السيد (ره) استاذنا المحقق الكبير، وتمهيدا لبيان المختار:
إن دعوى الشيخ الطوسي (ره) في العدّة تنحل إلى دعويين:
الأولى: إن هؤلاء الثلاثة وغيرهم من الثقات لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة موثوق به.
الثانية: إن الطائفة سوّت بين مسانيدهم ومراسيلهم، بحيث أن مرسلاتهم تعارض مسانيدهم ومسانيد غيرهم.
هل كلتا الدعويين نقل من الشيخ (ره) عن حس، أو كلتاهما عن حدس منه واجتهاد، أو إحداهما كذلك؟.
الظاهر من السيد الخوئي (ره) اعتبار كلتا الدعويين عن حدس واجتهاد من الشيخ (ره) فهو يقول: ولكن هذه الدعوى باطلة، فإنها اجتهاد من الشيخ قد استنبطه من اعتقاده تسوية الأصحاب بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم. وهذا لا يتم. [2]
إذن هو اعتبر أن الدعوى الاولى أي " الرواية إلا عن ثقة "، أمرا اجتهاديا مستنبطا من الدعوى الثانية وهي التسوية.
ويقول ايضا في نفس الصفحة: ومما يكشف عما ذكرناه - من أن نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الأصحاب مبتنية على اجتهاده، وهي غير ثابتة في نفسها....
ويقول ايضا في الصفحة التالية: وثانيا: فرضنا أن التسوية المزبورة [3] ثابتة، وأن الأصحاب عملوا بمراسيل ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي وأضرابهم. ولكنها لا تكشف عن أن منشأها هو أن هؤلاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة،.. [4]
من هذه العبارة نرى أن السيد الخوئي (ره) استفاد أن الدعوى الثانية منشؤها الدعوى الاولى، وهذا يظهر بعض التنافي بين العبارتين، بين هذه العبارة والعبارة الاولى. أولا قال أن الدعوى الاولى دليلها الثانية، وثانيا يقول بأن الثانية دليلها الاولى وهذا سيكون مفتاح الحل لهذه المسألة.
لكن الذي يجمع هذا الكلام بغض النظر عن التنافي أن الدعويين أمران حدسيان اجتهاديان استنباطيان.
وهنا نعلّق على كلام السيد (ره) في عدّة مواقع:
اولا: أيّ الدعويين مستندة على الاولى؟ ففي حين في الصفة 61 يظهر ان الدعوى الاولى مستنبطة من الثانية وذلك في قوله " فانه اجتهاد من الشيخ قد استنبطه من اعتقاده التسوية "، أي أن الأولى متأخرة عن الثانية، نراه يقول في الصفحة 62: " ولكنها لا تكشف عن أن منشأها هو أن هؤلاء " أي أن الدعوى الاولى متقدّمة عن الثانية وهي المستنبط منها.
التعليق الثاني: الظاهر من كلام العدّة ان الدعوى الثانية مستندة إلى الاولى حيث يقول في العدّة: وإذا كان أحد الراويين مسندا والاخر مرسلا، نظر في حال المرسل، فان كان ممن يعلم انه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به فلا ترجح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه. ويفهم من كلام الشيخ (ره) أنه لأجل علمنا بالتوثيق سوّت الطائفة، فجعل الدعوى الثانية استنباطية وهي أن التسوية مسألة اجتهادية مستندة ونتيجة الاولى، لقوله: " ولأجل ذلك سوّت الطائفة "، أي لأجل عدم الرواية إلا عن ثقة سوت الطائفة.
التعليق الثالث: أن الظاهر من عبارة الشيخ في العدّة: " فان كان ممن يُعلم أنه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به " كلمة " يُعلم " يعني أنه هو يشهد أنه من المعلوم أنه لا ينقل إلا عن ثقة وانها نقلية عن حس وليس من حدس منه، وذلك لظهور التعبيرين التاليين: اولا: " فان كان ممن يُعلم أنه لا يرسل الا عن ثقة " يُعلم مبنية للمجهول. ثانيا: " الذين عُرفوا انه لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة "، عُرفوا أيضا فعل ماض مبني للمجهول.
وهذان التعبيران مادة وصيغة يدلان على أن الشيخ الطوسي (ره) نقل هذا نقلا عن حس، وليس عن حدس واجتهاد منه. " عُلم " وعُرف "، نقول هذا عُرف أي ما عند الناس، وهذا غير ما إذا قلت أنا " اعتقد " أو " جزمت" أو " قطعت " هذه العبارات توحي بالاستنباط، هذا من ناحية المادة.
بينما في الصيغة وهي صيغة الماضي للمجهول، درسنا في علم البلاغة انه عندما يحذف الفاعل يحذف لدواع، والمفروض ان يذكر. يذكرون أن من اسباب حذف الفاعل لأجل التعميم، أي أن عامة الناس على ذلك وليس هنا من داع لذكر فلان وفلان، وهذا ليس فقط في اللغة العربية. فبدل من أن أقول: " عَرف الناس أن ابن أبي عمير من أنه لا يروي إلا عن ثقة، أقول: " عُرف انه لا يروي إلا عن ثقة "، وخير الكلام ما قل ودل، لكثرة التعميم فلا داع لإظهار الفاعل.
إذن عبارة الشيخ الطوسي (ره) توحي وتشير إلى انه ينقل هذا الكلام عن حس وليس عن حدس، أي انه خبر واحد ثقة وليس اجتهادا منه. وأيضا كلمت " سوّت " ظاهرها انها عن حس، وهي تختلف عن كلمة " اجمعت الطائفة"، لكن كلمة " لأجل ذلك " ضعضعت المفهوم انه عن حس.
غدا أن شاء الله سنرى أن ظاهر كلامه (ره) انه اعتبره اجماعا مدركيا ونقله عن الطائفة.




[3] فائدة: يقال الامر المزبورة لأنها عبارة عن ما كتبت سابقا وهي تختلف عن قولنا الامر المذكورة. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo