< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: ثبوت النسب.طفل الانبوب: من هي الأم؟
-قاعدة: " كل من روى عنه ابن أبي عمير فهو ثقة ".
نكمل اشكال السيد الخوئي(ره) على الشيخ الطوسي (ره) ومحور إشكاله أن هذه القاعدة حدسٌ من الشيخ (ره) واجتهاد منه، لا نقل حسي لما يفعله علماء الطائفة، واجتهاده حجة عليه لا علينا، ويستشهد بأمر:
اولا: أنه قال المشايخ ثلاثة وغيرهم من الثقات، لا بد انهم اصحاب الاجماع الذي ادّعاه الكشي (ره).
ثانيا: الروايات التي نص الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار على عدم اعتبارها لإرسالها رغم أن مرسلها ابن أبي عمير وأضرابه وهذا ينافي القاعدة.
ثالثا: رواية هؤلاء عن الضعفاء، وذكر ثمانية أشخاص ضعفاء روى عنهم هؤلاء. والنتيجة هي سقوط هذه القاعدة عنده.
يكمل السيد الخوئي (ره): ومما يكشف عما ذكرناه - من أن نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الأصحاب مبتنية على اجتهاده، وهي غير ثابتة في نفسها - إن الشيخ بنفسه ذكر رواية محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام. ثم قال في كلا الكتابين (التهذيب والاستبصار، وهذا تأكيد لما يقول): فأول (لسانها لسان طعن) ما فيه أنه مرسل، وما هذا سبيله لا يعارض به الأخبار المسندة.
وأيضا ذكر رواية محمد بن علي بن محبوب، عن العباس عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام. (وعبد الله بن المغيرة من أجلاء الرواة وهو من أصحاب الاجماع الذي ذكره الكشي يقول: " اجمعت العصابة [1] على تصحيح ما يصح عنهم " ).
وقال في التهذيب: ( وهذا خبر مرسل )، وقال في الاستبصار: ( فأول ما في هذا الخبر أنه مرسل ) وغير ذلك من الموارد التي ناقش الشيخ فيها بالإرسال، وإن كان المرسل ابن أبي عمير أو غيره من أصحاب الاجماع.
وتقدم عند البحث عن قطعية روايات الكتب الأربعة مناقشته في رواية ابن بكير وابن فضال، وأنهما مرسلان لا يعارض بهما الاخبار المسندة.
الرواية الثانية: ما روى التهذيب ج8 من باب العتق واحكامه رقم 932: " وأم ما رواه محمد بن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: السائبة وغير السائبة سواء في العتق ". فأول ما فيه أنه مرسل، وما هذا سبيله لا يعارض به الاخبار المسندة. (وهذا يعني أنه هو لم يؤمن بالقاعدة).
اشكال السيد الخوئي (ره) الثاني قال: وثانيا: فرضنا أن التسوية المزبورة ثابتة، وأن الأصحاب عملوا بمراسيل ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي وأضرابهم. ولكنها لا تكشف عن أن منشأها هو أن هؤلاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، بل من المظنون قويا أن منشأ ذلك هو بناء العامل على حجية خبر كل إمامي لم يظهر منه فسق، وعدم اعتبار الوثاقة فيه، كما نسب هذا إلى القدماء، واختاره جمع من المتأخرين: منهم العلامة (قدس سره) على ما سيجيء في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن عبد الله. وعليه فلا أثر لهذه التسوية بالنسبة إلى من يعتبر وثاقة الراوي في حجية خبره (أي على مبناه باعتبار الثقة وليس مجرد اعتبار الامامي الذي لم يرد به القدح. ونؤيد من جهتنا هذا التوجه من السيد الخوئي (ره) بان غالب الروايات التي ذكروها ان ابن ابي عمير قال عن " بعض اصحابنا " ولم ينقلها من " رجل " كلمة اصحاب يعني الاماميين ومدح لهم، نعم مجهول في تعيينه لكنه واضح في صفته انه امامي ممدوح. وذكرنا سابقا الفرق بين التعبيرين في المرسلات "عن بعض اصحابنا" و "عن رجل").
الاشكال الثالث للسيد (ره): ثالثا: أن هذه الدعوى، وأن هؤلاء الثلاثة وأضرابهم من الثقات لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة: دعوى دون إثباتها خرط القتاد [2]. فان معرفة ذلك في غير ما إذا صرح الراوي بنفسه أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة، أمر غير ميسور. ومن الظاهر أنه لم ينسب إلى أحد هؤلاء إخباره وتصريحه بذلك، وليس لنا طريق آخر لكشفه. غاية الامر عدم العثور برواية هؤلاء عن ضعيف، لكنه لا يكشف عن عدم الوجود (هذا لا يعني انه لا يروي ابدا عن الضعيف)، على أنه لو تمت هذه الدعوى فإنما تتم في المسانيد دون المراسيل، فإن ابن أبي عمير بنفسه قد غاب عنه أسماء من روى عنهم بعد ضياع كتبه، فاضّطر إلى أن يروي مرسلا على ما يأتي في ترجمته، فكيف يمكن لغيره أن يطّلع عليهم ويعرف وثاقتهم، فهذه الدعوى ساقطة جزما !.
رابعا: قد ثبت رواية هؤلاء عن الضعفاء في موارد ذكر جملة منها الشيخ بنفسه. ولا أدري أنه مع ذلك كيف يدعي أن هؤلاء لا يروون عن الضعفاء؟ ( وكانه يريد أن يقول ان هناك تناقض في كلام الشيخ الطوسي (ره)) فهذا صفوان روى عن علي بن أبي حمزة البطائني كتابه، ذكره الشيخ. وهو (أي البطائني) الذي قال فيه علي بن الحسن بن فضال: (كذاب ملعون). وروى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن صفوان بن يحيى عن علي بن أبي حمزة.
وروى الشيخ بسند صحيح عن صفوان، وابن أبي عمير عن يونس بن ظبيان، ويونس بن ظبيان ضعفه النجاشي والشيخ. (السيد الخوئي (ره) عندما ينكر تضعيف النجاشي والشيخ الطوسي، يعني ان هذان العلمان اللذان قالا بالقاعدة وضعفوا يونس بن ظبيان!!، لم يذكر غيرهم ممن ضعفه كالشيخ منتجب الدين وغيره، ليؤكد على عدم عمل الشيخ والنجاشي نفسهما بالقاعدة).
يكمل السيد الخوئي (ره) الاشكال: وروى بسند صحيح عن صفوان بن يحيى عن أبي جميلة، وأبو جميلة هو المفضل بن صالح ضعفه النجاشي. ( في الكافي ح 7: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّه عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ كُلُّ بِنَاءٍ لَيْسَ بِكَفَافٍ فَهُوَ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[3] [4]
وروى أيضا بسند صحيح عن صفوان، عن عبد الله بن خداش وعبد الله بن خداش ضعفه النجاشي.
وهذا ابن أبي عمير، روى عن علي بن أبي حمزة البطائني كتابه، ذكره النجاشي والشيخ ( يكرر السيد (ره) ان هذين العلمين اصحاب القاعدة متناقضان مع انفسهما يضعفون من روى هؤلاء الثلاثة عنه)، وروى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة. وروى بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن الحسين بن أحمد المنقري، والحسين بن أحمد المنقري، ضعفه النجاشي والشيخ.
وروى الشيخ بسند صحيح عن ابن أبي عمير، عن علي بن حديد وعلي بن حديد ضعفه الشيخ في موارد من كتابيه وبالغ في تضعيفه. وتقدمت روايته عن يونس بن ظبيان آنفا. ( هؤلاء الستة هم ضعفوهم، وهذا بغض النظر عن المجاهيل الذين رووا عنهم. بعبارة اخرى: هؤلاء الثلاثة رووا عن ثلاثة اصناف من قالوا بضعفهم، وعن المجاهيل، وعن الثقات. الرواية عن الثقات هي الاكثر، ورووا عن المجاهيل ويمكن ثبوت القاعدة فيهم، لكن الرواية عن الضعفاء الذين قالوا بضعفهم تنتج التناقض في الكلام.
قال بعضهم في تخريج هذا الاشكال: أنه ما من عام ولا وقد خص. لا مانع من أن يكون القليل ممن روي عنهم من الضعفاء.
الجواب: ان قاعدة ما من عام إلا وقد خص. هذه القاعدة لا تشمل هذا المقام، لان التضعيف كان من قبل الكشي والشيخ انفسهم، كأن هناك تعارض بالنص، وليس من باب تخصيص العام الموجود بكثرة في اللغة العربية.
يكمل السيد الخوئي (ره) الشواهد: وأما روايته عن المجاهيل غير المذكورين في الرجال فكثيرة تقف عليها في محله إن شاء الله تعالى.
وهذا أحمد بن محمد بن أبي نصر، روى عن المفضل بن صالح في موارد كثيرة. وروى عنه أيضا في موارد كثيرة بعنوان أبي جميلة.
روى محمد بن يعقوب بسند صحيح، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن المفضل بن صالح.
وروى بسنده الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن محمد الشامي وعبد الله بن محمد الشامي ضعيف.
وروى الشيخ بسند صحيح، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسن ابن علي بن أبي حمزة والحسن بن علي بن أبي حمزة ضعيف.
ثم إنا قد ذكرنا جملة من الموارد التي ورد فيها رواية هؤلاء الثلاثة من الضعفاء، وهي غير منحصرة فيما ذكرناه ستقف على بقيتها عند تعرضنا لجميع من روى هؤلاء عنهم.
إن قلت: إن رواية هؤلاء الضعفاء - كما ذكرت - لا تنافي دعوى الشيخ أنهم لا يروون إلا عن ثقة. [5]
تلخيص ما مرّ:
ان القاعدة بان هؤلاء الثلاثة وغيرهم من الثقات لا يروون إلا عن ثقة. السيد الخوئي (ره) ردّ هذه القاعدة، بان هذه القاعدة مبنيّة على انها ليست نقلا عن الشيخ الطوسي (ره) بل حدس منه واجتهاد، ونحن غير ملزمين باجتهاده. والدليل على انها من اجتهاده ان اساسها هو الشيخ الكشي عندما قال: اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، الثمانية عشر راويا. بدليل انه قال ثلاثة واضرابهم، وليس هناك إلا هؤلاء. استدل على ذلك:
اولا: بالروايات التي اسقط فيها الشيخ مرسلات ابن أبي عمير وغيره عن معارضة المسندات. فهو يقول بلسانه أن أول ما فيها أنه مرسل، مع العلم ان من ارسل هو ابن ابي عمير، وذكرنا بعض الروايات في ذلك.
ثانيا: ان الكشي والشيخ الطوسي ضعفوا اشخاصا، وابن ابي عمير روى عنهم، أي ان هناك ضعفاء كثيرون روى عنهم صفوان وابن ابي عمير وعبد الله بن المغيرة، ذكر بعضهم وهناك آخرون.
غدا نكمل إن شاء الله تعالى، ونبيّن تعليقنا على كلام السيد الخوئي (ره) ونبيّن المختار في المسألة.


[1] احيانا الكلمات تأخذ معناها حسب الازمنة ككلمة " العصابة " في زمن رسول الله (ص) قال " اللهم ان تهلك هذه العصابة فلن تعبد على وجه الارض " ويعني اصحاب بدر، اما في زماننا اخذت معنى مغاير وسلبي.
[2] قال الأَزهري: والقتادُ شجر ذو شوك لا تأْكله الإِبل إِلا في عام جدب فيجيء الرجل ويضرم فيه النار حتى يحرق شوكه ثم يرعيه إِبله، ويسمى ذلك التقتيد.
[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج6، ص531، باب النوادر، ح7.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo